الحكومات المحبة للسلام والحريصة على حاضر ومستقبل شعوبها

مطالبة بالتصويت الى جانب هذا المطلب في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة

تناقش الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والسبعين، المنعقدة حالياً قراراً يحظر تصنيع ونقل وخزن وإستخدام أسلحة اليورانيوم، وهو القرار الذي تقدم به التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم ICBUW))عام 2007،ممثلآ لأكثر من 160 منظمة، من 33 دولة في أرجاء العالم، وناقشته وأقرته اللجنة الأولى للجمعية العامة (لجنة نزع السلاح والأمن الدولي، المختصة بنزع السلاح ومستقبل الأمن الدولي ذات الصلة) وطرحته على إجتماع الجمعية العامة في عام 2008،ومنذ ذلك العام وهو يطرح كل عامين لكونه لم يحض بالإجماع إذ تصوت ضده في كل مرة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ويمتنع عن التصويت عدد من الدول تحت تأثير الإدارة الأمريكية.علماً بان الحقائق التي تدين هذه الأسلحة الفتاكة في تزايد مستمر، ويزداد عدد الدول المؤيدة لحظرها في كل دورة بفضل الجهود المثابرة والدؤوبة لـ ICBUW.وقد صوتت الى جانب القرار 150 دولة في عام 2014. 

أحداث هامة قبيل المناقشة الجديدة

سبقت المناقشة الحالية أحداث ووقائع جديدة هامة. فقد دعا البرلمان الأوربي حكومات الأتحاد الأوربي، مجدداً، الى التصويت الى جانب القرار المطروح على الجمعية العامة.

وأكد ICBUW بأن تحركه على الدول التي لم تصوت لحد الآن الى جانب القرار قد أثمر عن تشجع بعضها لتغيير موقفها،إدراكاً منها لضرورة مساعدة الدول المتضررة من إستخدام أسلحة اليورانيوم المنضب، وبالخصوص تحديد ومعالجة المواقع والمواد الملوثة باليورانيوم .

ونشر ICBUW ومنظمة السلام الهولندية PAX تقريراً جديداً، بعنوان "أهداف الصدفة (Targets of Opportunity): تحليل إستخدام لبيورانيوم المنضب من قبل طائرات 10A- أبان حرب العراق 2003 " (الشكل 1)،تضمن معلومات جديدة هامة تؤكد كذب مزاعم البنتاغون بشأن الأهداف التي تم قصفها جواً بذخائر اليورانيوم، بالإستناد لسجلات الضربات الجوية الأمريكية على العراق أثناء حرب 2003، تم الكشف عنها لجامعة جورج واشنطن ، استجابة لطلب تقدم به أرشيف الأمن القومي التابع لها في عام 2013 ،وفق قانون حرية المعلومات، ولكنها لم تُعلن، ولم يتم تقييمها أو تحليلها بشكل مستقل حتى الآن. وفي وقت سابق من العام الجاري، قدم الأرشيف السجلات إلى باحثين متخصصين في PAX وICBUW لتحليلها.وبين التحليل بأن غالبية الطلعات الجوية التي نفذتها أطقم الطائرات من طراز A-10 خلال الفترة 20/3 الى 15/4/2003 قصفت أهدافاً لم تكن مدرعة،وإنما هي سهلة، مثل السيارات والشاحنات والجنود والمباني.وأكدت البيانات المخفية بان 33 % فقط من طلعات الطائرات المذكورة قصفت أهدافاً مدرعة(دبابات ومركبات مدرعة) من مجموع 1116هدفاً مدرجة.أي ان استخدام تلك الذخائر إستهدف ضرب مجموعة واسعة من الأهداف، وليس فقط الدبابات والعربات المدرعة التي يصر البنتاغون على أنها الهدف المقصود لذخائر اليورانيوم المنضب الفائقة الاختراق.

وكشف تحليل البيانات بان عدد المواقع الملوثة باليورانيوم في العراق بلغ 3 أضعاف،أي ليس 350 موقعاً- كما أعلن مسؤولون في وزارة البيئة العراقية لمنظمة PAX بأنهم على دراية بها ويحاولون تطهيرها- وإنما هي أكثر من 1000موقعاً.والبيانات المكشوفة لا تزال تمثل 45 % فقط من كمية ذخيرة اليورانيوم المنضب، التي إعترفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بإطلاقها في حرب 2003.

وألقى المنسق الدولي دوغ وير لـ ICBUW بياناً أمام إجتماع الجمعية العامة (الصورة) نيابة عنه وعن:

PAX ومركز الحقوق الدستورية ولجنة البيئة والصحة التابعة لرابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة والحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وجمعية قدامى المحاربين العراقيين ضد الحرب وجمعية الغوث الشعبي النرويجية ومنظمة حرية المرأة في العراق،أشار فيه الى المعلومات الجديدة،ولفت الأنتباه الى محنة العراق،بوصفه الدولة الأكثر والأشد تضرراً في العالم من إستخدام أسلحة اليورانيوم، مذكراً بان حكومته طالبت في عام 2014 المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ممثلة بوكالاتها المتخصصة ذات العلاقة، مساعدتها في معالجة إرث التلوث الذي خلفته النزاعات في عامي 1991 و2003,منوهة الى ان إستمرار حالة إنعدام الأمن في العراق عرضته لتحديات هائلة، وأعاقت الجهد الوطني لمعالجة مخلفات الحروب الماضية، بما فيها اليورانيوم المنضب. وما يزال إرث إستخدام أسلحة اليورانيوم يشكل مصدر قلق بالغ للعراقيين في المناطق المتضررة منه.

سجلات الحرب المكشوفة تعيد فتح النقاش حول استخدام اليورانيوم المنضب

الى هذا،حصلت شبكة الأنباء الإنسانية (IRIN) على البيانات التي حصل غليها PAX وICBUW، وتحليل خبراءهما.ونشرت تقريراً بعنوان:" سجلات حرب العراق تعيد فتح النقاش حول استخدام الولايات المتحدة لليورانيوم المنضب"، جاء فيه بان البيانات التي سيتم إعلانها على الملأ من قبل ICBUW و PAX تكشف مدى استخدام هذه الأسلحة ضد "الاهداف السهلة".ونشرتIRIN خارطة للأهداف المقصوفة (الشكل 2) وشكلآ يوضح نسب تلك الأهداف التي إستهدفتها طائرات A-10 (الشكل 3) بالإستناد الى البيانات الجديدة،والتي تكشف استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب ضد مجموعة

 

واسعة من الأهداف، حيث مثلت الأهداف السهلة،كالسيارات،35.7 %،والمباني 16.5 %، وقوات الجنود 14.2 %، وأسلحة مدفعية 14.4 %.أما المدرعات فكانت 33.2% فقط.

وتؤكد البيانات بان سجلات 783 طلعة جوية فقط،من أصل 1116 تتضمن مواقع محددة، بينما لم تفرج

الولايات المتحدة عن البيانات المماثلة لحرب 1991، التي شهدت إطلاق أكثر من 700 ألف قذيفة يورانيوم منضب.وتشير التقديرات الى إطلاق أكثر من 300 ألف قذيفة مماثلة في حرب 2003، معظمها من قبل الولايات المتحدة.

 وتشير التقارير إلى إطلاق حوالي 227 ألف قذيفة من ما يسمى بـ "المزيج القتالي" - وهو مزيج يتكون معظمه من الذخيرة المحرقة الخارقة للمدرعات (API)، التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، والذخيرة المحرقة الشديدة الانفجار (HEI) - خلال الطلعات الجوية. وبحسب المعدل التقديري الخاص بالقيادة المركزية وهو 4 قطع ذخيرة محرقة خارقة للمدرعات مقابل كل قطعة ذخيرة محرقة شديدة الانفجار، خلص الباحثون إلى احتمال إطلاق 181,606 قذيفة من اليورانيوم المنضب.

تجاهل صارخ للقيود المفروضة على إستخدام ذخائر اليورانيوم

أشار تقرير IRIN الى مراجعة أجرتها القوات الجوية الأمريكية في عام 1975 أوصت بعزل أسلحة اليورانيوم المنضب لاستخدامها فقط ضد الدبابات وناقلات الجند المدرعة أو الأهداف الصعبة الأخرى فقط. ومنعت نشر اليورانيوم المنضب لاستهداف الأفراد إلا إذا لم تكن هناك أسلحة مناسبة أخرى متاحة.

تبين سجلات إطلاق النار التي تم الكشف عنها بوضوح بأن القيود المقترحة في المراجعة المذكورة قد تم تجاهلها إلى حد كبير.مثلما لم يتم الألتزام بتوجيهات مهمة أخرى. فاليورانيوم المنضب يخضع لرقابة مشددة داخل الولايات المتحدة، وهناك حدود للكميات التي يمكن تخزينها في مواقع عسكرية، ويتم اتباع بروتوكولات التطهير في ميادين الرماية. وفي عام 1991، عندما اندلع حريق في قاعدة عسكرية أمريكية في الكويت وتسببت ذخائر اليورانيوم المنضب في تلويث المنطقة، دفعت الحكومة الأمريكية نفقات التطهير وأزالت 11,000 متر مكعب من التربة وشحنتها إلى الولايات المتحدة لتخزينها. وخوفاً من أن تظل قذائف اليورانيوم المنضب خطيرة لسنوات عديدة، فأن مثل هذه الخطوات - ومثيلاتها التي اتخذت في البلقان في أعقاب الصراعات هناك - كان لابد أن تنفذ أيضاً في العراق- يرى خبراء.وكي يتم ذلك، لابد ان تزود سلطات البلد المتضرر أولاً وقبل كل شيء بخرائط الأماكن التي قصفت بها..

 

 

 

مطالب ملحة مشروعة

 

فصل تقريرا ICBUW و PAX و IRIN في واقع استخدام اليورانيوم المنضب في النزاع،داحضة ما روج له وسوغ من قبل مستخدميه كسلاح يستخدم فقط ضد الدروع، بينما أثبتت الأحداث والوقائع أن إستخدمه في النزاعات الأخيرة مغاير تماماً، وقد وضع المدنيين في خطر متزايد للتعرض له، الى جانب عدم وجود التزامات رسمية بعد الصراع على مستخدمي هذه الأسلحة لصالح الدول المتضررة،ورفضهم المتواصل لتحمل مسؤوليتهم عن إستخدامها والمشاركة في جهود التعامل مع التلوث الناجم عنها ، حيثما استخدموها، في ظل كلفة وتعقيد معالجة اليورانيوم المنضب التي يتحمل عبئها حالياً الدول الضحية..

 

لقد تضمن بيان ICBUW أمام الدورة 71 للجمعية العامة،والعديد من الموضوعات ذات الصلة، التي نشرها، حقائق ووقائع موثقة،مدعومة بنتائج أبحاث ودراسات علمية، تؤكد خطورة ذخائر اليورانيوم المنضب على البيئة والصحة العامة، ومنها إنتشار التشوهات الخلقية والولادات الميتة والإسقاطات المتكررة والسرطانات وغيرها من الحالات المرضية غير القابلة للعلاج، إضافة الى "أعراض حرب الخليج" و" أعراض حرب البلقان"،التي أصابت مئات اَلاف البشر عقب إستخدام تلك الذخائر.

 

ان استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب ضد الأهداف غير المدرعة يتعارض مع القيود القانونية الأمريكية وكذلك الدولية.ويتعارض إستخدامها في النزاعات، وإنتشار إشعاعاتها غير المسيطر عليها، مع المعايير الأساسية للحماية من الإشعاع. وكل هذا يطرح تحديات كبيرة للمطالبة بضرورة حظر استخدامها.

في ضوء ما سببه إستخدام أسلحة اليورانيوم من كارثة رهيبة للبشر وللبيئة، حيثما إستخدم، اَن الأوان لتدرك جميع الحكومات خطورة هذه الأسلحة على البشرية ومستقبلها،ولتقف مع جميع المدافعين عن السلم والحريصين على حاضر ومستقبل شعوبهم،موقفاً مسؤولآ يمنع ان يكون لليورانيوم وللمواد المشعة الأخرى مكاناً في الأسلحة التقليدية وفي النزاعات المسلحة.والحل الدائم الوحيد للتهديد المرفوض الذي يخلقه استخدام هذه الأسلحة على صحة وحياة المدنيين الأبرياء، هو فرض حظر شامل عليها.

هذا المطلب الآني والملح تتطلع إليه شعوب العالم،اَملة من كافة الحكومات التي لم تصوت في الجمعية العامة لحد الآن التصويت في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة الى جانبه.

أكاديمي عراقي،مقيم في السويد