إن أردت الفوزَ باكليل الخنوع، كُن سموحاً 
وكريماً مع غرمائك، ومستبداً مع اخوانك 


لا يُخفى على أحد مدى تسارع الأحداث أكثر مما يستطيع المرءُ الإحاطة بكل تفاصيلها، ملابساتها أو تأثيراتها على مستقبل المنطقة ككل، منها المشروع الإيراني المتعلق بالوصول الى ميناء اللاذقية في سوريا عبر العراق، ذلك المشروع الذي بدأ منذ عهد الأسد الأب حسب تقارير لخبراء غربيين وكذلك صحيفة الغارديان البريطانية، ولكن الغريب في الأمر أن مع كل الحرارة التي تلف خاصرة المنطقة، هنالك طرف كردي لا يزال يعمل بعقلية سياسية لا تشبه إلا عقليات الساسة في القرون الوسطى، إذ وسط الانشغال الدولي بمصير المنطقة برمتها، نرى الدونكيشوت الكردي الممثل بحزب الاتحاد الديمقراطي وبدلاً من الانشغال مع الدول المتحكمة بمصيرالعالم والتواصل معهم لرسم ملامح المنطقة حسب ما تقتضيه مصلحة الشعب الكردي بما لا يتعارض مع مصالح شعوب المنطقة، نرى أغلب خطواتهم لا تفيد إلا أنظمة المنطقة ولا تصب إلا في بنك مصالحهم، بدلاً من أن يفكر قادة الحزب المذكور بالتحرر من توصيات وسطوة إملاءات طغاة الأنظمة الاقليمية.

إذ وفور انتهاء حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطق نفوذه بسوريا من الإحصاء الذي أجرته في ظل الحرب، ظهرت في وسائل الاعلام تصريحات أمين بوز أوغلان رئيس مجلس تركمان سوريا وهو يقول بأنه "يجب توطين التركمان على خط الحدود السوري التركي، وذلك خلال ندوة نظمها المجلس يوم الخميس الماضي في مدينة غازي عنتاب التركية، والتي كانت تحت عنوان (آثار عملية درع الفرات على تركمان سوريا)، ثم أردف بوز أوغلان قائلاً بأن "التركمان الذين يعيشون في سوريا، يشكلون أهمية كبيرة من ناحية أمن الحدود التركية، مشدداً على أهمية استمرار بقاء الوجود التركماني في سوريا لحماية حدود الدولة التركية.

فبدا وكأن فكرة الإحصاء التي عارضها المجلس الوطني الكردي ومعظم القوى والشخصيات الكردية التي تعارض نهج وطريقة عمل حزب الاتحاد الديمقراطي منذ بدء الثورة، حيث تقاطع الاحصاء المذكور مع ما أشار إليه رئيس مجلس تركمان سوريا، كما ظهر بأن الفكرة راقت جداً لفرعون سوريا بشار الأسد، هذا إن لم يكن هو بحد ذاته من كان صاحب الفكرة وطالبها منهم، بل وقد يشطح بعضنا ويقول في سره لعل الغاية الرئيسية لذلك التصرف اللاشرعي واللاقانوني المتعلق بإجراء الاحصاء في زمن الحرب والهجرة والنزوح اليومي، والذي يتعارض كلياً مع العقل والمنطق، هي لصالح الأسد قبل أيٍّ كان حتى راح المذكور يستشهد بها ويعتمد على نتائجها للطعن بحقوق الكرد كشعب وقومية؟ 
لذا سارع الأسد بناءً على تلك النتيجة للتعبير عن رفضه لمشروع الفيدرالية وذلك من خلال مقابلة له مع صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية حول المسألة الكردية، وعن إرادة الأكراد في تأسيس فدرالية شمالي سورية، لينبري الأسد وهو مرتاح يقول: "أن أغلبية الأكراد لا تطالب بالفدرالية ولم يطرحوا أبدا ً هذه الفكرة ولا يمكن تأسيس فدرالية كردية بينما الأغلبية هم العرب"، وكرر الأسد حديثه بالقول "حتى لو أرادوا ذلك فإن الأغلبية في تلك المنطقة هم من العرب، إذاً كيف يمكن أن يكون هناك فيدرالية كردية بينما الأغلبية هم من العرب"، نعم وكيف لا يصبح الكرد أقلية في منطقتهم بعد أن تكفل حزب الاتحاد الديمقراطي بتهجير عشرات الآلاف من الكرد من مناطقهم بعد تضييق الخناق السياسي على كل أحزاب المجلس الوطني الكردي ونشطائهم، وكذلك من خلال مطاردة الشباب الكردي للزج بهم في معارك لا تخص إلا حزب الاتحاد الديمقراطي ولغايات حزبية بحته في مناطق ليس للكرد فيها ناقة ولا جمل.

فما يطرحه المسؤول في المجلس التركماني عن حزام أمان لتركيا على حساب الكرد هو يماثل تماماً المشروع الذي طبقه حزب البعث باسم الحزام العربي في الجزيرة، والذي كان الهدف منه تغيير ديمغرافية المنطقة الكردية في محافظة الحسكة، وإقامة حاجز بشري من العرب لفصل أكراد سوريا عن اخوتهم في كردستان تركيا، على طول الشريط الحدودي بمحاذاة الحدود مع تركيا، إبتداءً من حدود محافظة الحسكة مع محافظة الرقة في الغرب الى نهر دجلة في الشرق، بطول 375كم وعرض (10-15) كم، وإجلاء الأكراد من هذا الشريط وجلب مواطنين عرب من محافظات أخرى لإسكانهم مكان الكرد، ومعروف لكل من قرأ عن هذا الموضوع هو أن البعث الشوفيني فور سيطرته على السلطة في سوريا عام 1963 سارع إلى إحياء قانون الإصلاح الزراعي، وإصدار دعوات لإخلاء حدود محافظة الحسكة مع تركيا من الأكراد، واسكان عرب مكانهم، كما تم التصديق على نتائج الاحصاء الاستثنائي الذي أجرته حكومة الانفصال في محافظة الحسكة عام 1962، حيث بموجبه تم سحب الجنسية من 120 الف انسان كردي.

إذ وكأن ذلك المشروع العنصري الذي نجح فيه البعث استساغ الغير تقليده، فها هو المجلس التركماني يسعى إلى تطبيقه اليوم على طول الحدود بين سوريا وتركيا، وذلك لاستكمال مشروع محمد طلب هلال، حيث كان من أبرز مقترحات طلب هلال العنصري هو "إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكُردية على الحدود بكونهم حصن المستقبل ورقابة بنفس الوقت على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم، كما اقترح هلال أن تكون هذه العناصر من قبيلة شمر لأنهم أولاً أفقر القبائل بالأرض، وثانياً لأنهم مضمونين قومياً مئة بالمئة، وكذلك جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة مع اسرائيل حيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب واجلاء الأكراد وفق ما ترسم الدولة من خطة".

فمع أن أغلب متابعي الأحداث بعد قراءتهم للتدخلات الدولية في المنطقة يلاحظون بأن ما يجري هو معركة إعادة رسم خرائط جيوسياسية تتولى أمرها الدول العظمى، لإعادة تقاسم المصالح والنفوذ بعد انتهاء مدة اتفاقية سايكس بيكو، وما يطرحه المجلس التركماني لا يأتي عن غباء ولا من فراغ، وهو المجلس التابع مباشرة للدولة التي تستحوذ على أكبر قدر من مساحة كردستان، وما يقوم به نظام الأسد من خلال إفراغ المناطق من سكانها في دمشق لا يخرج عن إطار هذه اللعبة الدولية الهادفة إلى إحداث خلخلة ديموغرافية، تؤدي في نهاية المطاف إلى خلق واقع جيوسياسي جديد يخدم خارطة تقاسم النفوذ بين الدول القوية على مستوى العالم بما يتوافق مع مصالح الدول الاقليمية. 

ولعل مشروع الحزام العنصري لم يكن كاملاً بنظر دولة البعث وجيرانهم الأتاتوركيين، لذا يودون تبادل الأدوار لاستكمال ذلك المشروع الذي يستهدف فصل كل كرد سوريا عن كرد تركيا، ففي الأمس نفّذ بعض خطوات ذلك المشروع حزب البعث، واليوم ثمة من يود إتمام نفس المشروع، إذ وفق دراسة قام بها كل من برزان مجيدو وآزاد علي، قائلين بأن المساحات التي تم الاستيلاء عليها والتي خصصت لمزارع الدولة في محافظة الحسكة من قبل نظام البعث على حساب المواطنين الكرد، كانت كبيرة جداً مقارنة مع باقي المحافظات السورية، مثلاً دمشق 614 هكتار، حلب 167 هكتار، اللاذقية وطرطوس 300 هكتار، ومجموع هذه المساحات والمخصصة لمزارع الدولة هي 1081 هكتار، اما في الجزيرة وحدها 138853 هكتار، أي تساوي 130ضعف مجموع مساحات مزارع الدولة في المحافظات الاربعة، وقد رافقت عملية الإصلاح الزراعي المزعوم جملة من القرارات الشوفينية والعنصرية والتي صدرت عن المسؤولين في دمشق والحسكة، وهي القرارات التي انتهت بإنشاء ما سُمي بالحزام العربي في الجزيرة، واستمر إستخدام هذه التسمية بشكل رسمي حتى عام 1966,بعد إنقلاب الجناح اليساري في حزب البعث، وسيطرته على السلطة عام 1967 حيث تم تغيير الاسم الى (الحزام الأخضر) إلا ان المضمون بقي كما كان عليه.

ومن ناحية تركيا فبالرغم من تصريحاتها اليومية لمسؤوليها ضد الأسد من خلال الرسومات الوهمية للخطوط الحُمر منذ انطلاقة الثورة السورية، إلا أنها لم تحرك أي ساكن في سوريا، إلَّا عندما اقترب مواسم القطاف بالنسبة للدول، فاعتمدت في تأسيس غرفة عمليات (درع الفرات) على الفصائل الموالية لنهجها، وهي ذات غالبية تركمانية حسب سكان المنطقة، كما أن العديد من التقارير تؤكد تلقي هذه الفصائل دعماً تركياً كبيراً مباشراً منذ تشكلها، لذا جاءت تصريحات رئيس المجلس التركماني بعد أن مهدت تركيا الطريق أمامه من خلال تحركها العسكري داخل سوريا ليس فقط بدعوى محاربة داعش، كما هو معلن أمام الملأ ووسائل الإعلام، إنما يبقى الهدف الأسمى والأبرز لدى أنقرة هو القضاء على أي مستقبل منظور يخص كرد سوريا، إن كان عبر حزب الاتحاد الديمقراطي، أو عبر غيره من تنظيمات الحركة الكردية، ولكن في الظاهر يبقى عداؤها المُعلن هو لحزب العمال الكردستاني بكل فروعه وروافده. 

إذا فبناءً على تصريح الأسد بخصوص عدد الكرد بعد أن تكفل الاتحاد الديمقراطي بتهجير عشرات الآلاف منهم، وكذلك تصريحات رئيس المجلس التركماني أمين بوز أوغلان بخصوص إقامة منطقة آمنة لتركيا على طول الحدود، أليس من الغباء السياسي الصرف القيام بإجراء إحصاءٍ سكاني في أوج الحرب من قِبل أكثر المتضررين من الإحصاء نفسه؟ ثم كيف يُجري هذا الحزب المفروض أنه حزب كردي إحصاءً ونصف الشعب الكردي إما هو مهجّر أو مطارد بسبب التجنيد الاجباري؟ ألا يعني ذلك كله بأن إحصاءهم ذاك كان عبارة عن هدية قيّمة قدمها حزب الاتحاد الديمقراطي للنظام السوري، كما قدم عبدالله أوجلان أكبر خدمة للنظام السوري ولمجمل المثقفين السوريين المناهضين لحقوق الشعوب بوجه عام، وذلك عندما قال أوجلان بأننا نعيد الكرد إلى أماكنهم، وكل ذلك لكي يُرضي أوجلان عنصرية النظام العفلقي برئاسة المقبور حافظ الأسد وفقط مقابل سماح الأسد لحزبه العمل بحرية في سوريا!

وفي الختام بودي أن أختم المقالة بهذه الكلمات التي قد يراها البعض جارحة بعض الشيء، ولكن ياما من جروح تُفضي إلى محاكمة الضمير وليس إلى تأجيج مشاعر الحقد والكراهية، وهي أنه في الاشتباكات الشخصية في الشوارع، فالأخ أو مَن كان بمقامه إذا ما راح بعضهم يتهجم عليه، فيقوم الأخ من فوره بإسناد ظهره ليحميه من ضربات الغدر من الخلف، وذلك لكي يبقى الأخُ مطمئناً من ناحية ظهره، بينما الأخ الغبي أو الصديق الخائن فبدعوى وقف القتال بين الأخ أو الصديق وخصومه، وبدلاً من صد المعتدين يمسك بتلابيب أخيه/ صديقه، بحيث يمنع حرصه الأقرب إلى الغباء على أن يتحرك الأخُ أو يناور في الصراع والمناوشة، فيتمكن عندئذ الخصم منه ويطعنه أينما يريد، وبكل سهولة ينال منه، وللأسف فذلك المثال أقرب إلى تصرفات حزب الاتحاد الديمقراطي في مجمل تصرفاتهم مع اخوتهم، إذ وبدلاً من إنقاذ الكرد من مخططات وبراثن الأنظمة الاقليمية التي تسعى لخناقه، فيقوم هذا الحزب الشعاراتي بضبط الكردي بدلاً من إسناده أو دفع البلاء عنه، فيعرقل حركة أخوته، بل ويقدم كل المبررات لأولئك المهاجمين لينقضوا عليه بكل يسر، وفوق ذلك استمرار تبجحه بخطاباتٍ لا تمت للمنطقٍ بصلة في زمن الحرب، وطرحه لشعارات خلبية لا فائدة من إطلاقها وقت احتدام الصراع، ويبقى الدليل على الأوهام والفكر الدونكيشوتي لهذا الحزب، هو أنهم فوق كل إعتداءاتهم وعدوانيتهم وإجحافهم بحق اخوانهم، وخدماتهم المجانية لأعداء قضية الشعب الكردي في سوريا، وتحقيق غايات المستفيدين من تقليل عدد الكرد الى صفر بالمئة من خلال إجراء الإحصاء الأخرق، إلا أن ما يُقهر المرء أكثر هو أن يافطاتهم الإيكولوجية المزعومة تجاوزت حتى افلسفة السيد المسيح الذي بالرغم من خطابه الإنساني العفيف والسمح والمليء بالعفو والغفران، إلا أنه لم يقل قط بأن على المرء أن يتجرد من قيم الأخوة ويساعد الأغيار ضد الأخيار، أو يتجرد من سلاحه في زمن الحرب تحت مسميات وشعارات هلامية لا طعم لها ولا رائحة، حيث قال السيد المسيح بما معناه "من له كيس فليأخذه ومن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفاً"، ولم يقل السيد المسيح قط بأن علينا أن نحقق كل ما يريده منا مَن كان بمقام العدوِ على حساب أو أنقاض مَن كان بمنزلة الأخ أو الصد