&
في تركيا، جرت العادة ان يفقد رؤساء الوزراء مناصبهم عندما يخسرون في الانتخابات العامة او يفقدون اغلبية المقاعد البرلمانية بسبب انشقاق او تصدع احزابهم. و لكن رئيس وزراء تركيا الحالي السيد داود احمد اوغلو لم يكن يعاني من اي من هاتين المشكلتين، بل و بالعكس، كان قد حاز على نصر انتخابي سلس قبل ستة اشهر و حزبه كان متماسكاُ اكثر من أي وقت مضى. و مع هذا كان عليه ان يقدم خطاب توديع امام جمهور حزبه في الخامس من الشهر الحالي عندما اعلن انه سيكون هناك مؤتمر طارئ للحزب خلال 17 يوم لاختيار رئيس جديد للحزب و انه سوف لن يكون من بين المرشحين، و أردف قائلاً " هذا ليس بقراري و لكنه ضرورة"!.&
تركيا بأكملها كانت تعرف ما هي "الضرورة" التي تستوجب استقالة اوغلو: الرئيس رجب طيب اردوغان الذي كان قد عيًن اوغلو في هذا المنصب في شهر آب من عام 2014، قد غير رأيه في الفترة الاخيرة. في العشرين شهراً الماضية، كان الشرخ و الاختلاف في الرؤى قد بدأ يتعمق اكثر بين الرجلين، و كانت الشائعات حول قرب تغيير اوغلو تسمع بوضوح في انقرة قبل عدة أشهر. وقبل أيام من استقالة أوغلو، نشرت مدونة من قبل احد صقور اردوغان أظهرت كل التفاصيل المتعلقة بالاستقالة المحتملة للسيد أوغلو كما كان قد نشر في موقع (المونيتر)، في الثالث من الشهر الحالي. استناداً الى ما نشر في هذه المدونة فإن "أوغلو قد خان السيد اردوغان" من خلال تعامله و تعاونه مع القوى الغربية و عملائها التي تتآمر معاً ضد " الرئيس". في الحقيقة، كانت الطريقة الوحيدة التي تآمر فيها اوغلو ضد أردوغان هي محاولته ان يكون اكثر ليونة و أعتدالاً و أقل تسلطاً و دكتاتوريةً. على سبيل المثال، و بالعكس من اردوغان، كان اوغلو يحبذ و يشدد ان يقوم حزبه بتشكيل حكومة إئتلاف وطنية مع حزب المعارضة الرئيسي عندما كان حزب العدالة و التنمية قد فقد أغلبيته البرلمانية في انتخابات السابع من حزيران، 2015. و بالعكس من اردوغان ايضاً، عارض اوغلو سجن الصحفيين و احالتهم الى المحاكمات. و بالعكس من اردوغان، حاول اوغلو الوصول الى اتفاق مع انصار البيئة المتظاهرين بدلاً من تشويه سمعتهم من خلال وصفهم بالمشاغبين السياسيين. و لهذه الاسباب وبالمقارنة مع اردوغان، اصبح اوغلو اقل سلبية و تطرفاً في عيون المجموعات المعارضة لسياسات اردوغان. و لكن بالنسبة للاردوغانيين، كل ما كان يحاول ان يفعله اوغلو "خيانةً".&
في آب اغسطس من علم 2014، كان اردوغان يفضل السيد عبدالله غول و الذي &كانت مدته الرئاسية على وشك الانتهاء و يخطط للترشح لرئاسة حزب العدالة و التنمية الاردوغاني. و لكن، ظهر لأردوغان، ان السيد غول معتدل و ليبرالي اكثر من اللازم و غير مناسب لخوض قتال شرس ضد "المؤامرات اللامنتهية" التي يعتقد اردوغان ان تركيا تتعرض لها دوماً!. السيد غول، و كأحد مؤسسي حزب العدالة و التنمية، كانت له شخصيته و كاريزميتهه الخاصة و غير مستعد ان يكون مطيعاً أعمى للرئيس أردوغان. ألآن، و بعد أقل من سنتين، تحول اوغلو هو الآخر الى "مشكلة" بسبب عدم ولائه المطلق للرئيس!. و لهذا كان واضحاً لكل المراقبين السياسيين في تركيا انه سوف يتم تبديل اوغلو بشخص آخر أكثر ولاءاً و طاعة للرئيس. المرشحين الثلاثة &الأكثر إحتمالاً ان يخلفوا أوغلو في منصبه هم:&
1- بيرات البيرق:وزير الطاقة الحالي. الشئ الذي جعل من السيد بيرات البالغ من العمر 38 عاماً، أكثر من مجرد وزيراً للطاقة، هو كونه زوج بنت الرئيس و أحد اقرب المقربين في الحلقة الداخلية المقربة من الرئيس. و لهذا السبب، و بالنسبة للعارفين بخفايا السياسة الداخلية لحزب العدالة، يبدوا ان السيد بيرات هو المرشح المثالي لتولي منصب رئاسة الوزراء. مشكلته الرئيسية فقط هي صغر سنه و قلة خبرته.&
2- بينالي يلدرم: كوزير مخضرم للنقل في تركيا، يبدوا ان السيد يلدرم و البالغ 61 عاماً، أحد أوفر المرشحين حظاً. انه ليس ذات كاريزما شخصية، و لكن سمعته الجيدة كأحد أبرز المخططين و المنفذين لمشاريع النقل العظمى في تركيا خلال السنين الماضية، جعلته من اقرب المقربين للرئيس.&
3- بكر بوزداق: خدم السيد بكر وزارة العدل منذ العام 2013، يبلغ من العمر 51 عاماً، و معروف انه الرجل المثالي الذي يطلق عليه في تركيا "السيد نعم"، و يدعم بشدة كل التغييرات التي طلبها اردوغان من السلطة القضائية و التي أدًت الى تدمير استقلال القضاء في السنوات الثلاث الاخيرة. لا يملك اية شهرة سابقة و لا كاريزما شخصية و لكنه يمتلك ثقة اردوغان الكاملة.&
النقطة المحورية في شخصية رئيس الوزراء التي يريدها اردوغان ان يكون عليه و كما صرح بذلك احد مستشاري اردوغان في حديث متلفز بعد مغادرة اوغلو هي "ان لا يكون رقماً بارزاً" ، و الكتاب الموالون لاردوغان يعللون هذا بقولهم (ان هذه الصفة لدى رئيس الوزراء تخلق نوعاً من "الهارموني" اي التناغم و الانسجام بين الرئيس و رئيس حكومته. و لكن المصطلح الاكثر دلالةً على هذه الصفة، هو ان يكون "مطيعاً" ، لان التناغم المثالي يحصل فقط بعد الطاعة المثالية ان لم يكن الخنوع التام. &
الرئيس الجديد لحزب اردوغان سيتم تعيينه في منصب رئيس الوزراء ايضاً. ومن ثمً، سيقدم رئيس الحكومة قائمة بأسماء كابينته الوزارية لأردوغان للحصول على موافقته و بدء اعمال الحكومة. في الكابينة الجديدة، سيتم على الارجح استبعاد الوزراء المحسوبين على رئيس الوزراء السابق احمد داؤد اوغلو. احدهم قد يكون لطفي ايلفان نائب رئيس الوزراء الحالي و محمد شمشك، النائب الاخر لرئيس الوزراء و المسؤول عن الملف الاقتصادي التركي و احد القلائل من المتبقين الذين يثق بهم المستثمرون الدوليون.&
هل ستحل هذه التغييرات مشاكل اردوغان الحالية اذا كان لا يمتلك القوة الدستورية الكافية؟ الجواب، في الحقيقة لا، لان السيد اردوغان يريد ان يحول سلطة الامر الواقع التي يمارسها حالياً الى حقيقة دستورية. و لهذا السبب يكافح اردوغان لتغيير نظام الحكم في تركيا الى نظام رئاسي مطلق. و لتحقيق ذلك يحتاج الى تغيير شامل في الدستور، و لكن حزب اردوغان لا يمتلك المقاعد البرلمانية الكافية لاحداث هذا التغيير الدستوري.&
و لهذا السبب فانه يتوجب على اردوغان احد أمرين: إما السعي حثيثاً للحصول على اصوات نيابية كافية في البرلمان الحالي، او الدعوة الى اجراء انتخابات جديدة عندما يدرك ان الفرصة مؤاتية و الوقت مناسب. بالنسبة للخيار الاول، يتوجب عليه التعاون مع حزب الحركة القومية الذي كان زعيمه دولت باغجلي يغازل فعلاً حزب اردوغان في المرحلة الاخيرة لقمع الاعضاء المتمردين من اعضاء حزبه. او من خلال سجن عدد لا بأس به من اعضاء البرلمان المنتمين الى حزب ديموقراطية الشعوب المحسوب على الكورد بحجة ارتباطاتهم ب"ارهابيي حزب العمال الكوردستاني" على حد زعمه، و اجراء انتخابات محلية لملأ المقاعد التي ستبقى شاغرة بعد سجن هؤلاء و التي يعتقد اردوغان ان حزبه سيفوز بها.&
الخيار الثاني وهو خيار الانتخابات العامة الشاملة و التي يعتقد حكام انقرة انها ممكنة الحدوث ايضاً. اي ان انتخابات مبكرة في الوقت المناسب و هو على الارحج في الخريف القادم، قد تدفع بكل من حزب الحركة القومية و حزب ديموقراطية الشعوب الى ما دون سقف العشرة بالمائة الانتخابي و بالتالي ضمان حصول حزب اردوغان على اصوات هذين الحزبين ايضاً و التي ستمكنه من الحصول على مقاعد برلمانية مريحة و كافية لاحداث التغيير الدستوري المنشود و تغيير نظام الحكم البرلماني! الحالي الى نظام حكم رئاسي بين ليلة و ضحاها.&
إذن، السيد أردوغان ماضٍ في طريقه للحصول على السلطة المطلقة. السسيد اوغلو كان من الممكن ان يكون مجرد مصدر إزعاج بسيط فقط لاردوغان في مسعاه الحالي. و لكن اردوغان لا يتحمل أي ازعاج مهما كانت بساطته؛ انه يريد كل السلطة السياسية و القوة التي تمكنه من التحكم في القضاء و الاعلام اضافة الى السياسة و العسكر و الاقتصاد، و هو ماضٍ في هذا المسعى دون هوادة او تعب او ملل &وقريب جداً من الفوز بها. &انه قد يفكر بعدئذٍ في تغيير اسم تركيا الى "أردوغانستان" اسوةً ب "الاستانات الاخرى" والتي تملاً الشرق الاوسط و اسيا الوسطى!؟.&
&
&