&
&
نعم حتى الحرب لها قواعد وضوابط واخلاقيات. الشعوب الاوروبية المتحضرة كانت صاحبة المبادرة في تحديد ضوابط و قواعد واصول الحروب من خلال معاهدات جينيف المعروفة في القرن الماضي.
&اليوم في 28 نيسان نقلت شاشات التلفزة خبرا يتعلق بالمعارك الدائرة في سوريا بين قوات الحماية الكردية وبين بعض القوات الجهادية ذهب ضحيتها العشرات. طبعا الخبر هو اعتيادي ويحدث كل يوم.
ولكن الصور المرافقة مع الخبر كانت غير عادية بتاتا لاسيما بالنسبة للكرد.
في الصور المرافقة للخبر كانت تشاهد شاحنة ضخمة محملة بالجثث العائدة لاشخاص ينتمون الى منظمات ارهابية. الشاحنة كانت تسير في شوارع مدينة عفرين الكردية والواقعة الى الشمال من حلب.
الشاحنة كانت تطلق اصوات صاخبة تصم الآذان وتدور في شوارع المدينة &منتشية بالانتصار!.
&الملفت للنظر كان عدم انسجام السكان المارة مع هذه الاحتفالية المقيتة واعتقد ان ذلك اثلج صدور الكثيرين من المشاهدين من الكرد.
في عام 1957 كنت حينها في التاسعة من العمر. دارت معارك وقتها بين الجيش التركي والقرويين الكرد في منطقة ديرونا قلنكا على الحدود وعلى بعد خمسين كم من القامشلي شرقا. السبب كان اعتداء العسكر التركي على قريتي كيل حسناك وكرديم باني وذلك بحرق حقول القمح والاستيلاء على مواشي القرويين تحت ذريعة التهريب في الليل الفائت وكانت النتيجة مقتل ثلاث او اربعة عساكر اتراك بينهم واحد برتبة ضابط .
في اليوم التالي جاءت هيئة حكومية من تركيا لاستلام الجثث. الخبر الهام الذي تناقله السكان في ذلك &اليوم كان ان الجثث التي تم نقلها من ارض المعركة الى ساحة جامع القرية كانت موضع احترام فائق حيث كانت تحت اغطية نطيفة ومكان لائق و تفوح منها روائح العطر التي تم رشها عليهم.&
انا واقراني من الصغار كنا نستغرب هذا الاحترام والاعتناء بجثث العدو الذي كان يهددنا بشكل دائم في على الحدود المزروعة بالالغام ولا تزال والتي حصدت ارواح الآلاف من الفقراء من الذين كانوا يعتاشون على تهريب مواد بسيطة من الشاي والتبغ والالبسة المستعملة وغيرها لسد الرمق.
طيلة عقد الستينات وحتى ثمانينات القرن الماضي &اثناء ثورتي ايلول وكلان في كردستان العراق بقيادة الزعيم الراحل مصطفى برزاني ومن بعده نجله السيد مسعود برزاني الرئيس الحالي لاقليم كردستان لم تتعرض اية جثة من الجيش العراقي الى اي اذى او تشهير على الاطلاق.
لقد مرت خمس سنوات على الحرب الاهلية السورية ولم نر او نسمع في يوم من الايام ان قوات الحماية الكردية في سوريا اقدمت على التعرض لجثث القتلى في المعارك التي خاضتها ضد المنظمات الارهابية من داعش وغيرها.
كل هذا كان مصدر فخر واعتزاز لكل الكرد لهذه الاخلاق والمثل الانسانية النبيلة علما ان ذلك واجب انساني قبل اي شيئ آخر.
عندما يقتل او يموت اي انسان في المعارك يتحول الى جثة ومنذ تلك اللحظة لن يحاسب كخصم او عدو .
الجثة يجب ان تحترم وان تقدم لها كل الواجبات اللازمة من ساحة المعركة وحتى الدفن. كذلك يجب ان تدفن اذا سمحت الظروف حسب الاصول والواجبات الدينية التي ينتمي اليها القتيل سواء كان مسيحيا او ايزيديا او يهوديا او مسلما.....الخ.
بل الاهم هو تثبيت هوية المتوفى ومكان دفنه في جداول موثقة بعناية ومهما كان القتيل مجرما وسفاكا حتى وان كان ينتمي الى داعش باعمالهم النكراء ووحشيتهم وهمجيتهم لاسيما ضد الكرد الازديين فان لصاحب الجثة اسرة واقارب يتوجب اخذهم في الاعتبار و الاهتمام بها حتى يأتي اليوم الذي تنقل فيه الرفاة الى الاهل ومثواه الاخير.
الديانة الازدية السمحاء ــ والتي يجهلها الكثيرون ــ لا تسمح بتشويه وتشهير الجثث حتى وان كانت تعود الى الدواعش بالرغم من الجرح العميق في قلوبنا و الذي لن يندمل الى ابد الآبدين لما اقدمت عليه داعش من ابادة وسبي يعرفها العالم .
المشاهد التي رايناها في عفرين اثارت حفيظة الكرد جميعا وهو عمل شنيع ونحن جميعا نتحمل مسؤوليته الاخلاقية بالكامل.&
مما لا شك فيه ان ماحدث في عفرين هو عمل فردي اهوج لامسؤول و لا علاقة له بقيادة قوات الحماية الكردية بتاتا والدليل اننا لم نشهد حادثة واحدة من هذا القبيل طيلة السنوات الخمسة المنصرمة بالرغم من آلاف المعارك والضحايا اليومية مع داعش وغيرها.
لذلك نتوجه الى قيادة قوات الحماية الكردية ان تضع يدها على الموضوع وتحاسب المسؤولين عنه وانزال العقوبات اللازمة بحق الفاعلين ليصبح درسا لكل من تسول له نفسه الاساءة الى الشعب الكردي وقوات الحماية الكردية من خلال العبث باخلاق وقواعد واعراف الحروب.
لا يمكن ان نقبل لانفسنا الرقص على الجثث والاحتفال بالموت......نحن بشر قبل ان نكون كردا او عربا او يهودا او ازديين او مسيحيين أو مسلمين......
28 نيسان 2016-04-28

طبيب كردي&