&

مع تزامُن التفجيرات الإرهابية التي تحصل في عدة دول من العالم، ومع امتداد الحرب في الدول العربية التي وصلها الربيع العربي ودخولها عامها السادس قبل الوصول لاتفاق يشي بنهاية هذه الحرب في وقتٍ قريب؛ يأتينا دونالد ترامپ، أبرز المرشحين الجمهوريين المحتملين للرئاسة الأمريكية، في القرن الواحد والعشرين بخطاب أقلّه وُصِف بالعنصرية يتناقض مع المجتمع الأميركي المدَني والفِكر الذي يُنِي عليه منذ تأسيس الدستور الأميركي الذي قام على أفكار بعض من أشهر قادة أميركا الأفذاذ من أجل حقوق الأميركيين وحرياتهم في كنف حكومة تسودها الحكمة والعدالة والحرية.&
إلاّ أنّ تفجيرات العاصمة البلجيكية بروكسيل وتفجيرات الپاكستان وغيرها مِمّا سبقهم من تفجيرات وأحداث مِمّا يحصل اليوم في العالم؛ تأتي في صالح خطاب وتوجُّه ترامپ والذي لم يُخْفِ عدائيّته للإسلاميين من ذوي التوجُّه التكفيري من البداية في أكثر من تصريح له حيث لم يَبدُ الخطاب يُفرّق بين المُعتدلين منهم وبين حاملين الفِكر الإرهابي، وقد أتى هذا التعيمم في غير صالح ترامپ ولا أميركا البلد التعددي الديمقراطي، وحيث جاءتْ هذه التفجيرات في وقت يتصارع فيه العالم مع محاربة الإرهاب ومع تغيير يبدو سيطال العالم كله من قوانين دولية وسياسية واجتماعية حتى في أكثر الدول قوانين مدَنيةً.
وفي الوقت الذي توضَع فيه تصريحات ترامپ وأفكاره في خانة التطرّف والعدوانية تجاه ليس فقط الإسلاميين بشكل عام بل وباقي الإثنيات والقوميات المستوطنة في أميركا؛ يَظهر لترامپ مؤيّدون كُثُر في أميركا وأيضاً في أوروپا لا سيما من جماعات الأحزاب النازية. كذلك الأمر بالنسبة للمرشح الثاني تيد كروز الذي عارض مجيء اللاجئين السوريين لذات السبب أو غيره. وقد نسي المرشحان الأميركيان تيد كروز ودونالد ترامپ المبادئ الأميركية التي بموجبها تمّ بناء أميركا الديمقراطية اليوم حين صرّحوا تصريحات اعتُبِرَت مناقضة لمبادئ أميركا بمُجملها.
من هنا، يبدو أنّ التطرّف يعمّ كل الجهات ومن كل الأطراف، الإرهابي متطرف حُكماً، ما دفعَ المُتلقّي الضحية ليصبح أكثر تطرفاً في رفضه لفئة كاملة تنتسب لطائفة هذا الإرهابي ان كان بالإسم أو بالشكل أو بالمعتقد، بالإضافة إلى أنّ المُموِّل كان الأكثر تطرُّفاً ودمويةً والذي غذّى هذا الإرهاب واستغلّ الثغرات في وجود نَص ديني يدعمه. إنه زمن التطرّف بلا منازع!&
ففي الوقت الذي وصلَتْ فيه أميركا إلى أكثر القوانين مدنيةً وإنسانيةً؛ وصل فيه الشعب الأميركي بشكل عام إلى تبنّي الفِكر المدَني ونشأ على تقبُّل الآخر وعلى عدم العنصرية، ما يُفضي إلى أنّ تصريحات ترامپ اليوم ستلعب دوراً سلبياً ليس فقط في التعامُل مع الإسلاميين أو في سمعة أميركا والسياسة الخارجية فحسب؛ بل في تجييش المشاعر العنصرية لدى الأميركيين أنفسهم داخل أميركا، ولا ننسى أنّ أميركا بلد المهاجرين من كل الأطياف والجنسيات وبلد ثورة العبيد والحريات.&
وفي الوقت الذي يحدث فيه كل هذا، يقبع اللاجئون السوريون ضحية بعض هذه التصريحات من جهة، ومصالح الدول من جهة، وتخاذُل المجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة السورية من جهة أخرى مع انتشار الإرهاب في بلدهم والعالم. وحيث توالتْ وتتوالى الإدانات الدولية والعربية عقب التفجيرات التي هزت بروكسل وپاكستان وغيرهم؛ فشل الجميع بمحاربة الإرهاب والقضاء على داعش.&
القضية قد تبدو أكثر تعقيداً لكنها ليستْ متاهةً. لا شك أنّ انهيار البُنى الإجتماعية والإقتصادية في المجتمعات العربية خصوصاً وتسلُّط السياسة وتداعياتها على كل تفاصيل المجتمع والأهم تحكُّم الرأسمالية العالمية لهم الدور الأكبر في الجهل والفقر وتنمية أي فِكر انتقامي مُتطرف؛ بَيْدَ أنّ هناك قوى داخلية ودولية ترعى هذا الإنهيار والتطرف بل وتُوظّف في أجهزة استخباراتها خلايا إرهابية عميلة تعمل بين الجهتين لصالح حكومات ودول وليس فقط بلد أو رئيس. ما يعني أنّ موضوع الإرهاب لا يُنسَب فقط لعامل ديني في جوهره؛ بل لعوامل سياسية واقتصادية ودولية بقالب ديني تستفيد منه مصالح الدول، ما يعني أيضاً أنّ الموضوع ليس إرهاباً دينياً بقدر ما هو إرهاباً سياسياً وعالمياً.
بالمقابل، وبعد كل تفجير إرهابي، ينتظر العالم الغربي والأميركي أن تخرج مظاهرات في العالم العربي تُندّد بهذه الأعمال الإرهابية والفِكر المبنية عليه وتُعلِن رفضها الصريح لداعش وشبيهاتها من المنظّمات الإرهابية وأعمالها. لكن لم تخرج بعد مظاهرة عربية تتنكّر لداعش والتي تُمارس إرهابها على الجميع بما فيهم الإسلام المعتدل، ولم يُعلن الأزهر ـ مثلاً - تنكّره الكامل لداعش واستعمالها الدين دافعاً لهذا الإرهاب، ولا ترامپ بالمقابل أوقف تنديده للإسلاميين وبشكل فيه تعميم جائر بعد كل تفجير ليعود اليمين الأميركي ليرتفع صوته من جديد. إن لم يفهم العالم بشكل عام والإسلامي بشكل خاص هذه المعادلة وما وجَب فعله سريعاً فالأمور إلى تصعيدٍ مُخيف.&
إنّ كل هذا التطرّف والتطرّف المضاد، يتطلّب حلولاً فورية تُفضي بحل أولاً للأزمة السورية ككارثة إنسانية حقيقية في القرن الواحد والعشرين يتلاعب بها الجميع وبمصير شعب بأكمله والتي كان لها تداعياتها على العالم أجمع بما فيها تصريحات ترامپ اليوم والذي قد يُعتبر نازياً أكثر منه متطرفاً. بالإضافة إلى حل لمسألة الإرهاب من كافة الجهات أولّها وليس آخرها الجهات الدينية التي تفتي بالجهاد ضدّ كل مَن هو غير مسلم ولمصلحة الفِكر التكفيري. وجبَ تطبيق القانون بشكل صارم بمحاكمة رجال الدين مِمّن يدعو منهم للجهاد والعمليات الإنتحارية حيث ينشرون دعوتهم تلك ليس فقط في البلدان العربية بل وفي باقي بلدان العالم أيضاً لا سيّما في مساجد بريطانيا وفرنسا وغيرهم. أيضاً من المهم تعديل المناهج التعليمية في العالم العربي بما يتناسب مع الفِكر المدَني الذي يقبل الآخر بغض النظر عن ديانته أو طائفته أو عِرقه أو توجّهه السياسي أيضاً والمطالبة بفصل كامل للدين عن الدولة والسياسة والبدء بشرعنة القانون والنظام العِلماني.&
وأما عن أميركا وأوروپا كحكومات وليس كشعوب، فما وجبَ أن يتضمّن خطاب ترامپ هو في طلب عدم تدخل هذه الحكومات في شؤون الشرق الأوسط وعدم أيضاً دعمهم للمنظمات الإرهابية لصالح أجنداتهم الخارجية السياسية وغيرها. لأنّه لم يكن لهذه المنظمات أن تتكاثر بهذا الشكل المخيف والمُنتشر في كل مكان اليوم لو لم تَحظَ بدعم مادي سياسي بالدرجة الأولى تشترك فيه حكومات عربية وشرق أوسطية بدعم وقالب ديني. أيضاً الكفّ عن دعم الديكتاتوريات في العالم العربي المُسبِّب الأول للتطرّف وترك المجال للشعوب في أن تُقرّر مصيرَها. &
&
ريم شطيح - كاتبة وباحثة سورية&
&