أدخلني ما قرأته حول مطالبة عضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصر الله إعادة النظر في التعرفة الجديدة للمياه بما يتناسب مع دخل المواطنين في تساؤل مع نفسي حول الحيثية التي قامت بها وزارة المياه برفع قيمة فاتورة المياه علي المستهلك، الأمر الذى تسبب، كما يقول عضو مجلس الشورى الموقر، في ارتفاع فواتير المستهلكين بنسبة 500 %؟!

&

***
ولزيادة التوضيح اقول ان ما اعرفه، كعضو سابق في مجلس الشورى، ووفق ما أطلعت عليه من أنظمة الدولة المتوجة بالنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى لا يجوز فرض رسوم من أي جهة في الدولة دون عرض مشروع هذه الرسوم على مجلس الشورى مُسبقاً.&
وأبني هذا الرأي على ما يلي:
تقضي المادة (20) من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية بأنه “لا تفرض الضرائب والرسوم إلاَّ عند الحاجة، وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها، أو تعديلها، أو إلغائها، أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام”
كما تنص المادة (67) من النظام الأساسي للحكم “تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح، فيما يُحقق المصلحة، أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة، وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، وتُمارس اختصاصاتها وفقاً لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى”.
بينما تنص المادة (15) في الفقرة (ب) من نظام مجلس الشورى على أن من اختصاصات مجلس الشورى “دراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها”. وتعطي الفقرة (ج) المجلس حق “تفسير الأنظمة”. كما تعطي الفقرة (د) للمجلس حق “مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها”.
وتنص المادة (18) من نظام مجلس الشورى على أنه “تصدر الأنظمة، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، وتُعدل ، بموجب مراسيم ملكية ، بعد دراستها من مجلس الشورى”.
بينما تقضي المادة (23) من نظام مجلس الشورى علي أنه “لمجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد ، أو أقتراح تعديل نظام نافذ ، ودراسة ذلك في المجلس ، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك”
&
***
وهكذا، ووفق النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى فإنه:
- لا رسوم ولا ضرائب إلا بموجب النظام،
- تختص السلطة التنظيمية (مجلس الشورى) بدراسة ووضع الأنظمة واللوائح،
- أن مجلس الشورى هو من له حق “تفسير الأنظمة”،
- أن لمجلس الشورى أيضاً حق “مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها”.
***
وبناء على كل ما ذُكر إعلاه فإن قيام وزارة المياه بفرض رسوم، أو زيادة الرسوم هو خارج إختصاصاتها يعود الأمر فيه لمجلس الشورى الذي يرفع مرئياته إلي الملك الذي يقوم، بموجب المادة (17) من نظام مجلس الشورى بتقرير ما يحال منها إلى مجلس الوزاراء، وفق الآلية التالية:
&- &إذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها .
- &إذا تباينت وجهات نظر المجلسين يعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه .
***
وهكذا فإن تفرد وزارة المياه في رفع تعرفة المياه، التي تسببت في إرتفاع فواتير المستهلكين بنسبة 500 % هو أمر غير نظامي خرجت فيه الوزارة عن النظام الأساسي للحكم وأحكامه.
لذا فإني أطالب، وفق ما أوردته عاليه من أسانيد نظامية، بإلغاء قرار وزارة المياه لأنه قرار باطل لا يستند لأنظمة الدولة. وعلى الوزارة أن تقوم برفع مشروع زيادة الرسوم إلي مجلس الشورى، الجهة التنظيمة المسؤولة عن تشريع الرسوم والضرائب أو زيادتها ليأخذ مساره النظامي وفق الإجراءات التي ينص عليها النظام الأساسي للحكم (دستور الدولة).
***
يبقي في النهاية أن أوجه اللوم مجدداً لمجلس الشورى، كما لمته من قبل عندما كنت عضواً فيه قبل 13 عاماً حين كتبت مقالي في جريدة “الحياة” بعنوان: (نظرة الى الواقع والطموحات: لا يمكن استبعاد الانتخاب في مسيرة مجلس الشورى السعودي) بتاريخ 5/3/2001، حيث ناقشت في المقال، وفي مقالات لاحقة، ضرورة قيام المجلس بدوره الذي يتحرج أعضائه عن القيام به على الوجه المطلوب، كما تعرضت للدور التشريعي الذي تنازل عنه المجلس حيناً، وتقاسمه حيناً آخر مع مجلس الوزراء على رغم أن مجلس الشورى يفترض أن يكون هو الجهة التنظيمية للدولة.&
وأجد أنه قد حان الوقت أن يتحرك المجلس إلى الأمام، كي يأخذ دوره الطبيعي في التطور من مجلس استشاري محدود الصلاحيات إلى مجلس تشريعي يضاهي المجالس المماثلة. ولا أري أن هناك وقت للأنتظار فالمجلس نضج بما فيه الكفاية لتحمل مسؤولياته التشريعية الكاملة والمماثلة للمجالس المشابهة، على وجه يؤكد أن مجلس الشورى هو السلطة التنظيمية التشريعية في البلاد، وأن مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية.
وأعتقد أنها فرصة كي يضع مجلس الشورى بصمته ويثبت وجوده بتفعيل المادة (22) من نظام مجلس الشورى بإستدعاء وزير المياه ليقف أمام المجلس للرد على استجوابات الأعضاء حول ما أتخذته الوزارة ، حيث تنص هذه المادة على الآتي: "وعلى رئيس مجلس الشورى أن يرفع لرئيس مجلس الوزراء بطلب حضور أي مسؤول حكومي جلسات مجلس الشورى إذا كان المجلس يناقش أمورًا تتعلق باختصاصاته، وله الحق في النقاش دون أن يكون له حق التصويت”.
إن ستجواب الوزراء في البرلمانات يعتبر من الأدوات الهامة التي بواسطتها يستطيع النواب القيام بمهمة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية حيث يتمكّن النواب من مساءلة الوزراء عن المخالفات القانونية والإدارية التي تقع منهم أثناء تأدية الوزير لمهمته الوزارية. وأعتقد أن على مجلس الشورى إتخاذ قراره هنا وإلا عليه أن يصمت للأبد!!
&
&سفير وعضو مجلس شورى سابق
&