&
لئن نجح البلاشفة الروس بقيادة لينين في النصف الأول من القرن الحشرين بتفجير ينابيع التقدم والسلام للبشرية من خلال الشروع بالثورة الاشتراكية 1919 التي استشرفها ماركس وإنجلز في العام 1847، فقد نجح الرأسماليون الانجليز بقيادة مخابراتهم القذرة بالمقابل بإغراق مسارات تقدم الانسانية بالألغام والقوى الظلامية . فحال إعلان لينين الثورة الاشتراكية العالمية في مارس آذار 1919 قامت وزارة الحرب البريطانية وعلى رأسها ونستون تشيرتشل بارسال ثلاثة جيوش للتدخل في روسيا وخنق البولشفية في مهدها كما أعلن تشيرتشل في مجلس العموم . نجح البلاشفة في إنزال هزيمة مذلة بجيوش بريطانيا وستة عشر جيشاً أجنبياً &أخرى . الرأسمالية العالمية لم ترض بالهزيمة وانثنت بقيادة المخابرات الانجليزية تخصيصاً تقيم سوراً حديدياً يعزل الثورة في موسكو عن باقي العالم وتبني مصدات قوية لأمواج الثورة الشيوعية الهادرة . أقامت المخابرات الانجليزية الفاشية بقيادة رجلها بنيتو موسوليني في إيطاليا في العام 1922، وفي العام 1927 أقامت في مصر منظمة الاخوان المسلمين الرجعية بقيادة رجلها حسن البنا، وكانت أكبر جرائمها هي إقامة النازية في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر، وعاونها في ذلك موئل خيانة الطبقة العاملة الحزب الاشتراكي الألماني بقيادة المرتد كاوتسكي وقد رشت المخابرات الانجليزية قادة هذا الحزب كيلا يتحالفوا مع الشيوعيين في انتخابات 1933 ليفوز بالتالي الحزب النازي بأكبر عدد من النواب في البوندستاغ (البرلمان) . &
&
ما يتوجب التوقف عنده هنا هو نهايات المؤامرة الكبرى التي بدأت تحيكها المخابرات الانجليزية ضد الاتحاد السوفياتي منذ العام 1921 وهزيمة جيوشها على يد البلاشفة . الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا هما من صناعة المخابرات الانجليزية غير أن فحوى النظام الإجتماعي والإقتصادي فيهما ليس من خيارها . صحيح أنه في الجوهر معادٍ للنظام الإشتراكي لكنه أكثر عداء للنظام الرأسمالي أيضاً . انه تعبير صارخ عن فشل الدولتين في بناء نظام رأسمالي إمبريالي نظير لما في انكلترا وفرنسا . كان هتلر صادقاً عندما أعلن مراراً وتكراراً عداءه للنظام الرأسمالي . معاهدة فرساي 1919 لم تثقل على ألمانيا فقط وجردتها من مستعمراتها وفرضت عليها تعويضات هائلة حالت دون تطورها في مسارها الرأسمالي الإمبريالي كما كان قبل الحرب، بل أنكرت أيضاً أية حقوق لإيطاليا لقاء مشاركتها في الحرب بجانب الحلفاء وخسارة حوالي نصف مليون من جنودها وديون هائلة للولايات المتحدة ؛ حنثت بريطانيا وفرنسا بوعدهما ولم تمنحا ايطاليا الأرض الموعودة على شاطئ الأدرياتيك .
النازية والفاشية اللتان خلقتهما المخابرات الانجليزية من باب التآمر على وجود الإتحاد السوفياتي والقضاء على الثورة الاشنراكية دون أن تتحسب من أن الفاشية لا تتواجد داخل إطار نمط الإنتاج الرأسمالي وأنها ستكون بنيوياً أكثر عداء للرأسمالية منها للإشتراكية، إنهما خلافاً للمفهوم العام السائد بأن الفاشية أو النازية إنما هما ظاهرة ناجمة عن أزمة حادة لنظام الانتاج الرأسمالي، إلا أن العكس هو الصحيح . تخلى النازيون في ألمانيا عن النظام الرأسمالي وحولوا كل قدرات الانتاج الرأسمالي البضاعي إلى إنتاج الأسلحة التي هي ليست بضاعة إذ لا قيمة تبادلية لها في السوق . وحولوا فائض قوى العمل إلى جنود يتدربون على الأعمال الحربية بدل التدريب على أعمال الانتاج، هم بهذا وذاك تخلوا نهائياً عن نمط الإٌنتاج الرأسمالي . الفاشيون في إيطاليا كانوا قد انتهجوا ذات المنهاج . انتهجت الدولتان، ألمانيا وإيطاليا، نهج روما القديمة الكولونيالي، ما قبل الرأسمالية والإقطاع، وهو نهب الشعوب دون مقابل . الإمبريالية تصدر فائض الإنتاج للمستعمرات لكن النازية والفاشية لا يصدران إلا القتل والدمار &للشعوب الأخرى .
عندما أحس الامبرياليون في بريطانيا وفي فرنسا بخطر النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا عليهم سعوا لإرضائهما استكمالا لمخطط المخابرات الاتجليزية في محاربة الشيوعية والقضاء على الاتحاد السوفياتي فكان مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 بحضور تشمبرلن عن بريطانيا ودالادييه عن فرنسا وهتلر عن ألمانيا وموسوليني عن إيطاليا حيث مُنح هتلر جوائز ترضية ومنها احتلال منطقة السوديت من تشيكوسوفاكيا وضمها إلى ألمانيا، بالرغم من أن بريطانيا وفرنسا متعهدتان بحماية استقلال تشيكوسلوفاكيا، والاعتراف باحتلال هتلر للنمسا وضمها إلى ألمانيا أيضاً ؛ أما موسوليني فقد اعترفت بريطانيا باحتلال موسوليني للحبشة وأجزاء من الصومال وكانت من مستعمراتها . تلك الجوائز الثمينة إنما كانت عربون الحرب على الاتحاد السوفياتي . التحالف الضمني غير المعلن الذي عقد في ميونخ بين الرأسمالية الإمبريالية في بريطالنيا وفرنسا من جهة والنازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا من جهة أخرى كان موجهاً ضد الإتحاد السوفياتي وهو ما رتب على قيادة الحزب الشيوعي أن تعد البلاد لمواجهة أخطار هذا التحالف غير المقدس ضد الثورة الإشتراكية وأول تلك الإستعدادات كان تطهير الحزب من عناصر البورجوازية الوضيعة عملاً بالمبدأ اللينيني القاضي بالتطهير الدوري للحزب من عناصر البورجوازية الوضيعة والتي لا تستطيع أن تتخلى عن عدائها للإشتراكية، فكانت سنتا التطهير 1936 و 37 حيث كشفت التحقيقات عن عناصر تروتسكية معادية حتى داخل قيادة الحزب والدولة لها اتصالات ليس بتروتسكي فقط بل وبألمانيا الهتلرية أيضاً .
لقد دلت التحقيقات على أن اغتيال سكرتير الحزب في لينينجراد سيرجي كيروف في العام 1934 وهو من قادة الحزب الكبار كان من تدبير مدير الأمن بالتعاون مع عضوي المكتب السياسي للحزب زينوفييف وكامينيف، كما أن تسميم مكسيم غوركي في المستشفى في العام 1936 كان أيضاً بأمر من مدير الأمن عضو اللجنة المركزية للحزب ياغودا (Yagoda) . ومن جهة أخرى فقد اعترف نيكولاي بوخارين عضو المكتب السياسي ورفيقه ألكسي روكوف رئيس الوزراء في العشرينيات اعترفا باتصالهم بتروتسكي وبألمانيا الهتلرية . كما أُكتشف من جهة ثالثة أن رئيس أركان القوات المسلحة مارشال الإتحاد السوفياتي ميخائيل توخانشوفسكي كان على وشك أن يقوم بإنقلاب عسكري في العام 1937 . جميع هؤلاء كانوا من خيرة البلاشفة غير أن عيبهم الوحيد كان إيمانهم أن الاتحاد السوفياتي لن يقوى على مواجهة ألمانيا النازية ولذلك استبقوا المواجهة لتأمين مراكز لهم في التفاوض مع الهتلريين لدى استسلام الاتحاد السوفياتي . معلمهم تروتسكي كان يعد لذلك وقد أكد للمجلة الأميركية (Post-Dispatch) في عدديها الصادرين في يناير ومارس 1940 أن الإتحاد السوفياتي إنما هو مارد ساقاه من فخار وهذه الصورة هي التي دفعت بهتلر لتخطيط حملة (بربروسا) لغزو الاتحاد السوفياتي في 22 يونيو 1941 منتهكاً اتفاقية عدم الإعتداء .
فيما بعد الحرب أكد ستالين بأن الإتحاد السوفياتي ما كان لينتصر في الحرب لو لم يطهر الحزب والدولة من تلك العناصر المتقلقلة التي لا تؤمن بمستقبل الاشتراكية حيث لم تتطهر من قيم البورجوازية الوضيعة بل كانت على استعداد لمفاوضة هتلر على استسلام الاتحاد السوفياتي إقتداءً بالجنرال الفرنسي بيتان . وأكد ستالين في ذات السياق بالقول .. أن الدولة لم تظلم أحداً فكل ما قلته لأندريه فيشنسكي ـ وهو مدعي عام الدولة والحقوقي الأبرز في العالم ـ هو أن تجرى محاكمة المتهمين علنياً وفق قوانين الدولة وألا تؤخذ بهم أية رحمة . كانت التحقيقات تتم وفق القوانين التي تحرم التعذيب الجسدي والنفسي للمتهم مما حدا بوزارة الداخلية أن تطلب الى مجلس الوزراء السماح بالتعذيب الجسدي للعسكريين الذين رفضوا الاعتراف بمشاركتهم في الاتقلاب العسكري ؛ وفعلاً قرر مجلس الوزراء السماح بالتعذيب الجسدي للعسكريين فقط وعندما يتعلق الأمر بأمن الدولة حصراً . جرت محاكمة الجميع علناً بحضور مراسلي الصحف والسفراء بما في ذلك السفير الأميركي الذي شهد على عدالة المحاكمات، باستثناء محاكمة العسكريين فقد جرت بسرية تامة نظراً لما يتعلق الأمر بأسرار الدولة العسكرية .
في المؤتمر العام الثامن عشر للحزب في مارس 1939 خطب ستالين يقول أن بريطانيا وفرنسا منحت هتلر النمسا ومنطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا بالرغم من أن البلدين كانا في حماية الدولتين وذلك من أجل أن يتوجه هتلر يأطماعة الاستعمارية نحو الاتحاد السوفيتي لكن لخيبتهم توجه هتلر نحو الغرب ؛ ولئن فقد عقولهم الألمان وتوجهوا للشرق للإتحاد السوفياتي فسنجد لهم قيوداً للمجانين (Straitjackets) نقيدهم بها . الدول الغربية رفضت الدخول في معاهدة أمن جماعي تحول دون أن يركب الفاشيون رؤوسهم فترتب علينا أن نعنى بقواتنا المسلحة ونوفر لها أفضل التجهيزات .
&
إنطلقت سياسة ستالين في تلك الأجواء المضطربة من منطلق واحد وحيد وهو تأمين الحياة السلمية لقوى الاشتراكية تبني كل يوم مدماكا آخر في البنيان الإشتراكي فلا تعود تقوى عليه أقوى العواصف والهزات ؛ كان يشتري الحياة السلمية يوماً بيوم ويدفع أغلى الأثمان لليوم الواحد . ولذلك وبعد أن رفضت الدول الغربية جميعها التحالف لمحاصرة الهتلرية في ألمانيا لم يجد بداً من مفاوضة هتلر لتأمين أطول حياة سلمية للمجتمع السوفياتي تساعده على الاستعداد للحرب وقد بدت حتمية لا مناص منها .&
في أوغست آب 1939 أرسل ستالين رئيس وزرائه فياتشسلاف مولوتوف إلى برلين ليفاوض وزير خارجية هتلر يواكيم روبنتروف على اتفاقية عدم إعتداء بين الطرفين . وهكذا تم توقيع اتفاقية (مولوتوف – روبنتروب) في 23 أوغست آب وتنص على أن أياً من الطرفين، الاتحاد السوفياتي وألمانيا، لا يعتدي على الطرف الآخر . وقد استقبل ستالين تلك الاتفاقية برضى تام . لكن ستالين اعتقد لنفس الوقت أن هتلر سبنتهك الإتفاقية لكن ليس قبل نهاية ديسمبر 1941 أو قبل احتلال بريطانيا ـ وهنا تجدر الإشارة إلى أنه أثناء تواجد مولوتوف في برلين قابل هتلر الذي اقترح عليه أن يتشارك الاتحاد السوفياتي وألمانيا في احتلال بريطانيا وتقسيمها ومستعمراتها بين الطرفين إلا أن ستالين تجاهل الإقتراح وكأن لم يكن .
&
(يتبع)