سارة الشمالي من بيروت: ثمة مسلسل رمضاني فرض نفسه ووتيرته وحتى كلماته على الجمهور اللبناني على الأقل في رمضان الماضي. فاليوم، أينما تولي فثمة قميص معلق في مكان ما، وعليه "ما تهكله للهم". هذا عادي في بيروت. إنها الجملة الشهيرة التي شاعت على لسان جبل شيخ الجبل، شيخ عشيرة شيخ الجبل في "الهيبة" الحدودية بين لبنان وسوريا.
منعطف حقيقي
إنتهى مسلسل "الهيبة" واللبنانيون عرفوا أن ثمة جزءًا ثانياً حتى قبل أن يتم الإعلان عن ذلك في المشهد الأخير. انتهى والمشاهدون في لبنان يشهدون أول مرة في تاريخ المسلسلات نوعًا مختلفًا من النص الدرامي.
فمما لا شك فيه أن "الهيبة" مثل منعطفًا حقيقيًا في الدراما اللبنانية-السورية المشتركة، إذ ثمة إجماع على أن المسلسل أفضل تمثيل لواقع معيش أولًا، وأمثل توظيف لثنائية الصوت والحركة، اللبنانية والسورية، بعد مسلسلات هي أشبه بخليط غير منطقي أو مفروض على المشاهد. لكن ماذا بعد هذه الكتابة "الإنعطافية".
في دردشة إلكترونية، يقول هوزان عكو، السيناريست السوري المعروف وصاحب نص "الهيبة" لـ "إيلاف"، إن ثمة عوامل عديدة من أبرزها الإستراتيجية الواضحة لـ "الصباح للأعلام"، منتجة المسلسل، "تدفعنا إلى العمل بجدية على الجزء الثاني من ’الهيبة‘، كون المادة الدرامية غنية بما فيه الكفاية للاستمرار بجزء ثانٍ، نراهن على أن يكون مختلفًا، ويجيب عن الأسئلة التي بقيت معلقة من الجزء الأول".
لا تجميل.. لا تسويق
لكن، في التحضير لغد "الهيبة"، من المآخذ على المسلسل تجميله صورة "تاجر المخدرات والسلاح" في منطقة يسود فيها حكم الفوضى ومنطق "القوة". يعارض عكو هذا القول: "تحمس جزء من المتابعين للصورة التي يظهر عليها كبير عشيرة يتاجر بالسلاح لا يعني تجميلًا لصورة موجودة في الواقع، فقد هاجم جزء آخر الصورة ذاتها ورفضها. تعادلت الأصوات في تقييم صورة جبل شيخ الجبل بين محب وكاره، وهي الحالة الواقعية، وإنكارها أو الهروب منها أشبه بدفن الرأس في الرمل. وفريق الهيبة أعلنها صراحة: لا توجه ولا نوايا لدينا لتلميع أي صورة كانت، بقدر ما كان هاجسنا سرد حكاية هذا الرجل وحياة عشيرته".
ويسوق عكو الدليل فالدليل على ألا تسويق لهيبة رجل خارج على القانون، في مقابل إحراج هيبة الدولة، خصوصًا في الحالة الأمنية المتفلتة التي تسود في منطقة الحدود السورية-اللبنانية، "فالرجل، جبل شيخ الجبل، مطارد من الدولة، يتحرك بحذر وخفاء، وحين تمرض أمه يعجز عن إسعافها، وحين تتحرك الدولة نحو بيته يتركه ليطفر إلى الجبال. إنه يتحرك ضمن مساحة ضيقة يُجيد المراوغة فيها، لكنه يعلم جيدًا أن لهذه المساحة حدودًا، وللدولة كل القدرة على اكتساحها. وهذا ما شهدناه في الحلقة الأخيرة".
فلتكن ثنائيات
في سياق الحديث عن الإنتاج المشترك، لا مفر من الاعتراف بغلبة الدراما السورية على اللبنانية في العموم، وفي "الهيبة" في الخصوص. فهل هذا يخدم المسلسل ما دام الأمر يتناول واقعًا لبنانيًا؟
يقول عكو لـ "إيلاف": "التشارك والتعاون عنوان العمل في فريق عمل ’الهيبة‘، إنتاجًا وكتابة وإخراجًا وتمثيلًا، وغاية الجميع إيصال العمل إلى كل بيت يُعرض فيه العمل. تلاقح الخبرات عامل نجاح، و’الهيبة‘ أثبت أن إعطاء الفرصة للموهوبين يؤتي ثماره وبقوة، وعبدو شاهين- أويس مخللاتي خير مثال على هذا التشارك".
إنها ثنائية أشار إليها عكو عرضًا، فعل يؤمن بالثنائيات الدرامية، كثنائية تيم حسن – نادين نسيب نجيم، أو ثنائية هوزان عكو – سامر البرقاوي، أنموذجًا؟ يؤمن أن لكل عمل شروط نجاح، "تتمثل باستراتجيتي إنتاج وتسويق ناجحتين، تدعم ثلاثية النص-الإخراج-التمثيل. فإذا كانت الثنائيات جزءاً من هذه الإستراتيجية فلا ضير، طالما أنها تحفظ معادلة النجاح. والجمهور هو الأساس وهو الحكم، ومراقبة تفاعل الجمهور يؤدي دورًا في استمرار تلك المعادلة أو توقفها".
اللحظة المأساوية
هوزان عكو بعد "الهيبة" هو نفسه قبل "الهيبة"، بلا أدنى شك. وهو المستقر في لبنان، لعلاقته ببيروت نصيب من عمله. يقول: "بخلاف الهيبة الذي كان موضوعًا مقترحًا من شركة الصباح للإعلام، فإن أغلب النصوص التي عملت عليها إبان إقامتي في لبنان (بنت الشهبندر، سفر سنة) انطلقت من العلاقة المباشرة مع بيروت، من وجهة نظر المقيم المراقب. فازدواج المنشأ يتيح زاوية نظر واسعة، وموضوعية إلى حد كبير".
لكن هذه الإقامة ما أبعدته البتة عن الحرب الدائرة في بلاده. وفي الآن نفسه، هو القائل إن الحروب تحتاج إلى سنوات طوال قبل تحويلها مسلسلات. والحرب السورية، على مآسيها الإنسانية، غنية جدًا بما يمكن أن يكون مادة "مشهدية" ملائمة لسيناريوات لا عدّ لها. لذا، وعلى الرغم من رأيه هذا، لا يتوقف عكو عن توثيق اللحظات، "والأفكار والصور التي تردني والتقطها، أضعها في صيغ مختلفة سترى الطريق إلى العرض التلفزيوني والسينمائي في الوقت الملائم".
يضيف عكو لـ"إيلاف": "يطرأ الكثير من المتغيرات في زمن الحرب تفقد بعض الأفكار والمشاهد صلاحيتها. الصورة غير واضحة حتى الآن، الواضح الأبرز هو معاناة السوريين من ويلات الحرب. المشهدية المأساوية تكتسح شاشات الأخبار، ولن تجد طريقها سريعًا وببساطة إلى المواسم الدرامية. لكن هذا لم يبعدني تمامًا عن اللحظة السورية، إذ عملت في عام 2017 على تحرير مشروع دراما إذاعية مع فريق عمل من الكتّاب والكاتبات لصالح إذاعة بي بي سي العربية باسم ’حي المطار‘، يتناول قصص السوريين وحكاياتهم في زمن الحرب، ولا يزال العرض مستمرًا، كما كتبت النسخة الانكليزية منه وعرض على أثير BBC4. ومسرحيتي ’ساعة القناص‘ التي تنشر قريبًا تقع في صلب هذه اللحظة المأساوية.
التعليقات