يقول أحد الخبراء إن للتنويم المغنطيسي تأثيرًا فريدًا في الدماغ، ما يجعله طريقة قوية لإزالة الألم، وربما يكون بديلًا للمواد المسكنة للآلام.


ابتسام الحلبي من بيروت: عندما خرج الدكتور ديفيد سبيغل من عملية جراحية في كتفه دامت 3 ساعات في عام 1972، لم يستعمل أدوية مسكّنة في مرحلة الشفاء، عوضًا من ذلك قام بتنويم نفسه مغناطيسيًا.
أثار نجاحه في ذلك دهشة الجميع، وهو يتذكر أن الأطباء ظنّوا أن استعماله القليل للأدوية يعود إلى أنّهم لم يقطعوا الكثير من الأعصاب. ويصرّح سبيغل قائلًا: "تمّ شقّ كتفي من الأعلى إلى الأسفل، وقطعوا الكثير من الأعصاب، لكنّني كنت أتعامل مع الألم على طريقتي".
وتجدر الإشارة إلى أن سبيغل درس التنويم المغناطيسي، الذي يعتبر حالة من الانتباه العالي والتركيز القوي، مدة 45 عامًا.

ميزة خاصة 
وفقًا لسبيغل، يماثل التنويم المغناطيسي ما يحدث حين تكون منسجمًا في مشاهدة فيلم إلى درجة نسيانك أنّك تشاهده، وكأنّك دخلت عالمًا خياليًا. أثبتت البحوث أن هذه الحالة الشبيهة بالنشوة التي تجعلك أكثر انفتاحًا وأسهل اقتناعًا من العادة، ويمكن استخدامها للسيطرة على الألم وتخفيف القلق والإقلاع عن التدخين والتعامل مع التوتر والصدمة وحتى مع الهبّات الساخنة. 

لذلك، أراد البروفسور سبيغل، الدكتور المساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب في مركز ستانفورد، وزملاؤه أن يكتشفوا في دراستهم الجديدة المنشورة في مجلّة سيريبرال كورتكس Cerebral Cortex كيف يعمل التنويم المغناطيسي. 

يلفت سبيغل إلى أن التنويم المغناطيسي ليس مجرّد خدعة تجارية فحسب، بل طريقة نستعمل فيها دماغنا بشكل مختلف. وفي الدراسة، قام سبيغل وزملاؤه بالتحقق من 500 شخص بحثًا عن الأكثر قابلية بينهم للتنويم المغناطيسي، إذ إن القدرة على النوم مغناطيسيًا ميزة ثابتة مثل معدّل الذكاء، يمكن اختبارها من خلال جلسة تنويم مصغّرة لمدّة 5 دقائق يجريها طبيب خبير في هذا المجال.

لا ينجح التنويم المغناطيسي إلا على ثلثي الراشدين، ويشرح سبيغل أن الأشخاص الذين ينامون مغناطيسيًا بسهولة هم الذين يميلون أكثر من غيرهم إلى الثقة بالآخرين، ويكون حدسهم أقوى وينسجمون في مشاهدة أفلام أو مسرحيات جيدة إلى درجة نسيانهم أنفسهم. فهم يجدون من المسلّي استخدام مخيلاتهم وتجربة أمور جديدة والابتعاد عن المنطق.

التغييرات الدماغية 

قام فريق باختيار 36 شخصًا قابلًا للتنويم بدرجة عالية، و21 آخرين يتمتّعون بقابلية خفيفة. ثم خضع الجميع للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في ظروف مختلفة: عند الاستراحة واسترجاع ذكريات معيّنة، وفي خلال نوبتين من التنويم المغناطيسي. وعند تنويمهم، كانت النتيجة حدوث 3 أشياء مثيرة للاهتمام في دماغ الأشخاص الأكثر قابلية للنوم مغناطيسيًا. لاحظ الباحثون انخفاضًا في نشاط الحزامية الظهرية الأمامية، وهي جزء من شبكة النتوء الدماغية، وبمنزلة جهاز لفك ترميز السياق، فتنبّه إلى ما يجب أن تركّز عليه أو تتجاهله، وتتنشّط حين تواجه شيئًا مقلقًا. 

أما التغيير الثاني فكان التواصل بين بعض أجزاء الدماغ بشكل متزامن، ما يجعلها تعمل في الوقت نفسه. هذه الأجزاء، في القشرة الجبهية الظهرية الجانبية هي المسؤولة عن إدارة التخطيط والروتين، أما فص الجزيرة insula فيساعد في تنظيم وظائف الجسم، مثل ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. يشير سبيغل إلى أن هذا يدلّ على ارتفاع التواصل بين الدماغ والجسم في حالة النوم المغناطيسي.

في الوقت نفسه، أصبحت أجزاء دماغية أخرى أقل اتصالًا، فلاحظ الباحثون انقطاعًا في التواصل بين منطقة التخطيط والروتين ومنطقة التأمل الذاتي. ويلفت سبيغل إلى ميل المنومين مغناطيسيًا إلى القيام بأشياء من دون أن يفكّروا، لذلك من الممكن أن يرتكبوا حماقات أو يفعلوا أمورًا محرجة.

بديل للمسكّنات
تساعد هذه التغييرات في تفسير تأثير التنويم المغناطيسي القوي، بما في ذلك تخفيف التوتر والقلق والألم والوعي الذاتي. يعتقد سبيغل أنّه ينبغي استخدام هذه الطريقة في حالات معيّنة، بدلًا من المسكّنات.

وتظهر البحوث التي قام بها سابقًا أن الناس المتألّمين الذين تعلّموا تنويم أنفسهم مغناطيسيًا، قلّ نصف ألمهم واستعملوا نصف كمية الأدوية المسكّنة مقارنة بالأشخاص الذين اعتمدوا على المسكّنات. إذًا، من الضروري استخدام التنويم المغناطيسي بدلًا من الأفيون الذي يسبّب إدمانًا عاليًا.

يضيف سبيغل: "على الباحثين أخذ الموضوع بجدية واكتشاف المزيد عنه، فإذا كان الأفيون يؤثّر في مناطق معينة من الدماغ، لا أرى مانعًا من استخدام نهج مختلف يملك التأثير نفسه ويقوم فعليًا بتخفيف الألم والقلق ويساعد في الإقلاع عن التدخين. إنّه علاج حقيقي يستحقّ الاحترام نفسه الذي نالته أساليب علاجية أخرى على الرغم من أنّها أحيانًا أقل فعالية وأكثر خطورة".


الرابط الأصلي للمادة :
http://time.com/4426856/hypnosis-hypnotism-brain/?xid=newsletter-brief