تونس: تزور فوزية الزرقي، أسبوعيا ومنذ نحو عام، قبر ابنها وليد دنقير في مقبرة الجلاز وسط العاصمة تونس، متهمة الشرطة بانها "قتلته" بعد "تعذيبه" في حين لم يقرر القضاء حتى الآن النظر في الدعوى التي تقدمت بها.

وقالت المراة الحزينة بعد ان مسحت القبر بيدها، "جئت لزيارة ابني الذي قتلوه (...) آتي إلى هنا الخميس والجمعة من كل أسبوع". وأضافت انها ما تزال تنتظر مصير دعوى قضائية اقامتها ضد الشرطة غداة وفاة ابنها.

ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر2013 اوقفت الشرطة وليد دنقير (34 عاما) عصرا بحسب والدته التي قالت انها تلقت بعد حوالى ساعة اتصالا هاتفيا من ضابط شرطة يبلغها بوفاته. وفي الثالث من الشهر، اعلنت وزارة الداخلية ان القضاء فتح تحقيقا في ملابسات وفاة دنقير الذي كان ملاحقا ب"جرائم مخدرات" و"الانتماء إلى شبكات إجرامية" وفق الوزارة.

وتابعت الوالدة "ابني مات تحت التعذيب (...) لقد هشموا عظامه في 45 دقيقة، وكسروا أسنانه وكانت هناك كدمات في كامل جسمه، كما كان الدم ينزف من أنفه وفمه وأذنه". وأورد تقرير الطب الشرعي الذي اطلعت فرانس برس على نسخة منه ان دنقير تعرض للضرب بـ"آلة حادة" لكنه لم يحدد أسباب الوفاة.

وقالت الوالدة ان ابنها "مات وهو في وضعية الدجاجة المصلية" وهي طريقة تعذيب مارستها الشرطة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتتمثل هذه الطريقة بشد وثاق الموقوف من يديه وساقيه وتعليقه في الهواء مقلوبا والتداول على ضربه حتى يصاب بالاغماء.

ورغم ان احترام "الكرامة" البشرية كان من مطالب الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع فإن شكاوى موقوفين يؤكدون تعرضهم للتعذيب على يد الشرطة لم تنقطع حتى اليوم، في حين لم تشهد اجهزة الامن والقضاء اي عملية اصلاح.

وبحسب احصائيات وزارة العدل، تلقى الجهاز القضائي منذ الاطاحة بنظام بن علي، 250 دعوى من اشخاص قالوا انهم تعرضوا للتعذيب خلال فترة توقيفهم في مقرات الشرطة. وفي الاول من أيلول/سبتمبر 2012 ، توفي عبد الرؤوف الخماسي (40 عاما) بالمستشفى نتيجة تعرضه إلى "التعذيب" في مقر الشرطة العدلية بمنطقة سيدي حسين (وسط العاصمة) حسبما اعلنت الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، وهي غير حكومية.

وكانت الشرطة أوقفت الخماسي في 28 آب/أغسطس 2012 للتحقيق معه في قضية سرقة. وأعلنت وزارة الداخلية انه اصيب بـ"ارتجاج في المخ" ودخل "حالة إغماء شديدة" قبل أن يفارق الحياة. واضافت ان القضاء أمر "بالاحتفاظ بأربعة أعوان من الفرقة التي باشرت البحث مع المتوفي، على ذمة الأبحاث التي لا تزال متواصلة للكشف عن ملابسات الوفاة".

ويوم 14 تشرين الاول/اكتوبر 2014 دعت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات التونسية إلى فتح تحقيق في وفاة الشاب محمد علي السنوسي (32 عاما) الذي "يشتبه في انه تعرض إلى التعذيب والانتهاك عند القاء (الشرطة) القبض عليه" في 24 ايلول/سبتمبر 2014 .

وقالت المنظمة ان السنوسي "أمضى ستة أيام في زنزانات الشرطة، قبل أن تنقله السلطات إلى المستشفى، حيث فارق الحياة بعد يومين". وأضافت "إذا كانت تونس صادقة في المزاعم المتعلقة بالتزامها القضاء على التعذيب والحفاظ على مصداقيتها، يتعين عليها القيام بالمزيد من أجل محاسبة عناصر الشرطة الذين يرتكبون مثل هذه الانتهاكات".

وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب، عقب زيارة الى تونس، أنه "رغم التقدم الحاصل في مكافحة التعذيب، ورغم أن الضحايا أصبحوا لا يخشون رفع دعاوى، إلا أن ما قامت به النيابة العامة والقضاة للتحقيق فيها، لا يكاد يذكر للاسف".

ودعا المقرر الحكومة إلى فتح تحقيقات عاجلة ومعمقة في مزاعم التعرض للتعذيب، ومحاكمة مرتكبيه، وتمكين الضحايا من التعويض اللازم. وقالت آمنة القلالي مديرة مكتب تونس في هيومن رايتس ووتش لفرانس برس "في الواجهة، يمكن أن نقول ان هناك تقدما مؤسساتيا وتشريعيا" لمنع ممارسة التعذيب لافتة إلى أن الدستور الجديد المصادق عليه مطلع 2014 يجرم استعمال التعذيب لانتزاع اعترافات من متهمين، ويضمن الحرمة الجسدية للمتهم.

وأضافت القلالي "لكن المشكل الأساسي هو في متابعة الملفات (المتعلقة بمزاعم التعرض للتعذيب). لدينا اليوم نظام جديد بصدد اخذ مكانه لكنه يعتمد على اسس نظام قديم، ما يعني ان القضاء لم يقم بثورته". ولفتت الى عدم وجود هيئة متخصصة في معالجة ملفات التعذيب.

من جهته، يقر وزير العدل التونسي حافظ بن صالح بـ"بطئ" معالجة شكاوى مزاعم التعرض للتعذيب وبضرورة اصلاح وتاهيل عناصر الامن وحراس السجون "ليقوموا بعملهم دون اللجوء الى طرق غير قانونية".

وقال لفرانس برس "نحن بصدد محاولة وضع عدد من الضمانات للحد من هذه الظاهرة. للأسف، السلوكيات لا تتغير بسرعة وبعض الممارسات واجهنا مصاعب في محاربتها لجعلها تختفي". وأضاف أن وزارة العدل أعدت مشروع قانون ينص خصوصا على "حضور المحامي (..) منذ الساعات الاولى للايقاف" ما سيمكن من "تقليص الحالات والمساحات التي تمارس فيها المعاملات السيئة" بحق الموقوفين.

ويؤيد بن صالح استقلالية أطباء السجون عن ادارة السجون التي يعملون فيها حتى لا تؤثر في التقارير الطبية المتعلقة بالتعذيب. وفي الانتظار، تطالب فوزية الرزقي بالعدالة قائلة "أريد محاسبة قتلة ابني وليد حتى يرقد بسلام في قبره (...) أريد أن أعرف لماذا قتلوه؟ ولماذا التستر عليهم؟ أريدهم أن يدفعوا الثمن".