جدل إعلامي متشعب قفز إلى الواجهة في السعودية، بعدما نشرت صحف محلية "مشاهد فيديو" مسرَبة من كاميرات المراقبة في الحرم المكي عن حادثة سقوط الرافعة التي وقعت الجمعة الماضية، وراح ضحيتها 107 شخصًا، حيث أثار نشر تلك الفيديوهات نقاشًا واسعًا حول الحق في بث هذا المحتوى من الزاوية الإعلامية والأخلاقية، ومتى يمكن اعتبار بثه ضرورةً وسبقًا صحافيًا، ومتى يجب ممارسة الرقابة الأخلاقية عليه.


حسن حاميدوي: المقاطع المسربة، والتي تم تداولها بشكل واسع، نقلت مشاهد مروعة ومثيرة للألم - بحسب مغرّدين - حيث تظهر إحداها مجموعة من المصلين وهم يسيرون في صحن الطواف، قبل أن تسقط الرافعة، وتسحقهم، لتمتزج دماؤهم بمياه الأمطار، فيما يظهر مقطع آخر مشهدًا لأم وهي تلاعب أطفالها، لتسقط فجأة أجزاء من الرافعة على الأطفال، وتحولهم إلى أشلاء أمام عين الأم التي نجت بأعجوبة.&
&
منافسة أم التزام؟
وفي حين التزمت غالبية الصحف الورقية بعدم نشر أي صور عبر مواقعها الالكترونية، سارعت صحف الكترونية محلية منذ اللحظة الأولى إلى تسريب تلك المقاطع في تناقلها من دون توقف، مما أثار حالة من الاستياء لدى قطاع واسع من القراء، فضلًا عن طرحهم تساؤلات تتعلق بالدوافع المهنية لنشر صحيفة ما لتلك الصور، وما الأهداف المرجوة من نشرها، ناهيك عن احترام خصوصية ومشاعر أهالي الضحايا.
&
وفي ظل عدم وضوح قواعد صحافية لنشر مثل تلك المواد في "الصحف الالكترونية"، وجدت الصحف الورقية نفسها في مواجهة مع الإعلام الالكتروني، ففي حين لا تسمح السياسات التحريرية في غالبية الصحف الورقية بنشر تلك الصور، أخذت صحف الكترونية في نشر تلك المشاهد بشكل متزايد، وهو ما قابله مشاهدات ومتابعات واسعة من قبل القراء، ما وضع "الورقية" في إشكالية بين المنافسة والالتزام بأخلاقيات المهنة.
&
المؤيدون لنشر المشاهد اعتبروا أن نشر مثل هذه الصور أمر متعارف عليه في الإعلام العالمي، مشيرين إلى أن النشر يؤدي إلى تنبيه الرأي العام& لحجم الكارثة، وحجم تساهل المسؤولين بشركات المقاولات العاملة في الحرم المكي بأرواح الحجاج، وبالتالي إنزال أقصى العقوبات.

إيضاح لا إثارة
وقال ناشطون على تويتر إن ما نشرته صحف الكترونية يصنف في الأدبيات المهنية الإعلامية بـ"المحتوى غير الملائم"، مشيرين إلى أن نشر صور الحوادث يظل مرهونًا بما تحمله من مضامين تفيد القارئ، حيث قال عبد الوهاب الشهري، إعلامي سعودي، إن نشر مشاهد القتل فيه عدم احترام لخصوصية الموتى ومشاعر أسرهم، مشيرًا إلى أن الإعلام الحقيقي وظيفته الإيضاح والتفسير، وليس الإثارة.&
&
وقال الشهري، إن قضية بث المحتوى غير الملائم في الصحافة الالكترونية، يعني أن هناك اختلالات في إدارة المحتوى الإعلامي، وهو ما يتطلب من تلك الصحف تطوير قدراتها في مجال إدارة المحتوى المقدم للقراء ،& مبينا ان هناك ضرورة بأن تمنح تلك الصحف القواعدَ المهنية وأصول العمل الإعلامي أولوية؛ بمعنى أن لا تكون الجاذبية وتحقيق المشاهدات والمتابعات على حساب القيم المهنية، على حد تعبيره.
&
&وفي سياق ذي صلة، طالب مغرّدون في موقع "توتير"، بإيقاف ما وصفوه بمقاطع فيديو مسربة من كاميرات المراقبة في الحرم المكي توثق حادثة رافعة الحرم، مشيرين إلى أن المقاطع التي تم تصويرها بالهواتف أظهرت فقط اللحظات الأولى لما بعد الحادثة. أما المقاطع المسربة من كاميرات الحرم، فقد أظهرت لحظات وقوع الحادثة، وما نتج منه من& تطاير لأشلاء الضحايا ومناظر أخرى تقشعر منها الأبدان وتوجع أهاليهم.
&
استحداث وسم
وقال مغرّدون عبر وسم (#اوقفوا_تسريبات_كاميرات_الحرم) إن تسًريب المقاطع يتنافى مع أخلاقيات المهنة، وهي أشبه بنشر معلومات وأسرار حكومية حساسة، قد تكون متعارضة مع المصلحة العامة، فضلًا عن أن "التسريب فيه تعَرض لخصوصيات الشهداء، ويندرج في إطار إهمال مشاعر ذوي هؤلاء الشهداء"، مؤكدين أن تسريب هذه المقاطع هو بمثابة قتل للضحايا مرة أخرى، ونشره غير مبرر بأية حال من الأحوال.
&
تجدر الإشارة إلى أنه تمت يوم الاثنين الصلاة في الحرم المكي على سبعة حجاج ممن توفوا نتيجة سقوط الرافعة، حيث دُفنوا في مقبرة المعيصم في مكة المكرمة بعدما طلب ذووهم دفنهم في السعودية وعدم إرسال الجثامين إلى بلادهم، وكان أول جثمان يٌصلى عليه يعود إلى حاجة أندونيسية توفيت جراء الحادث، ثم توالى بعدها دفن الأموات في مقابر في مكة المكرمة، والذين بلغوا حتى أمس الثلاثاء 16 متوفيًا من جنسيات مختلفة.
&
وأصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم الثلاثاء أمرًا ملكيًا بصرف مبلغ مليون ريال سعودي لذوي كل شهيد توفي في حادثة الحرم المكي، وصرف مبلغ مليون ريال لكل مصاب بإصابة بالغة نتجت منها إعاقة دائمة، فضلًا عن صرف مبلغ نصف مليون ريال لكل واحد من المصابين الآخرين، كما وجّه باستضافة اثنين من ذوي كل متوفى من حجاج الخارج ضمن ضيوف خادم الحرمين الشريفين لحج العام المقبل.
&
&