حلب: بعد فشل ست محاولات للفرار من المعارك في شرق حلب، تمكن عبد الحميد الخميس من الخروج من حي الصالحين مع اسرته، أسوة بمئات العائلات التي اعتبرت أن "عمرًا جديدًا" قد كتب لها بعد نجاتها.

ويقول عبد الحميد (41 عامًا)&بعد وصوله مع زوجته واولاده العشرة الى منطقة العزيزة جنوب شرق حلب بعد السير لساعات، لوكالة فرانس برس، "حاولت الخروج ست مرات منذ شهر ونصف شهر والحمدلله نجحت اليوم بالخروج".

ويضيف بعد تمكنه من مغادرة حي الصالحين غداة استعادة الجيش السوري السيطرة عليه، "كنت كلما تقدمت على الطريق، اشعر بانني اقترب من الحياة".

ومحاطًا بأطفاله وعدد من جيرانه الذين كانوا ينتظرون في حقل موحل تمهيدًا لنقلهم الى مراكز ايواء حكومية او وصول اقربائهم الذين يقيمون في الشطر الغربي من حلب، يروي عبد الحميد كيف اتخذ قراره بالمغادرة.

يقول "سمعنا أن معابر فتحت وقال معظم الناس حولي +نحن ميتون في كل الاحوال، فلنخرج معًا+ وتشجعت"، مضيفًا "تركت منزلي.. لكنني ربحت (حياة) اولادي" مع استمرار المعارك العنيفة في الاحياء المجاورة.

وعلى غرار عبد الحميد، خرجت مئات العائلات الخميس ومعظم افرادها من الاطفال والنساء سيرًا من الاحياء التي تمكن الجيش السوري من السيطرة عليها في شرق حلب، حيث احرز تقدمًا سريعًا وبات يسيطر على اكثر من 85 في المئة من مساحة الاحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة.

- "عمر جديد"-

وضبت معظم العائلات ما تمكنت من حمله داخل حقائب او اكياس ملونة من القماش وجرتها على عربات اطفال او اخرى حديدية كانت تستخدم في نقل البضائع.

ويقول ياسر (40 عامًا) منهكًا خلال جره عربة جلست عليها والدته المقعدة وسط البطانيات والاكياس والحقائب والى جانبه زوجته واطفاله الثمانية: "أحاول الخروج منذ اسبوع" من حي الصالحين.

ويضيف الرجل الذي تغطي التجاعيد وجهه الاسمر "الان كتب لي عمر جديد" بعد أن يروي كيف قتل احد ابنائه (15 عامًا) "جراء قذيفة سقطت على منزلي وادت الى دماره".

ودفعت المعارك التي يشهدها شرق حلب اثر هجوم بدأه الجيش منتصف الشهر الماضي، اكثر من ثمانين الفًا من سكان الاحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ العام 2012، الى الفرار. وتوجه معظمهم الى احياء تحت سيطرة قوات النظام.

واضطر النازحون للسير لساعات طويلة قبل وصولهم متعبين الى معبر العزيزة، حيث كان بعضهم يجلسون ارضًا وآخرون يستريحون على الحقائب والاكياس، فيما يلازم الاطفال المتعبون عائلاتهم من دون حركة.

ومن حي الفردوس الذي لا يزال تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، تمكنت نور (19 سنة) من الفرار مع والدتها وشقيقتها.

وتقول وهي ترتدي وشاحًا ومعطفًا اسودين فيما تجر عربة اطفال وضعت حقائبها عليها "مشينا خمس ساعات، حتى وصلنا الى هنا".

وتضيف "اشعر بسعادة غامرة، كنت اموت جوعًا حتى انني اصبحت ارى الطعام في حلمي".

وجراء النقص في المواد الغذائية في شرق حلب، تروي نور "كنا نطبخ الارز بدون سمنة او زيت ونشتري نصف كيلوغرام للوجبة الواحدة".

وقبل ان تجهش والدتها خديجة (37 سنة) بالبكاء، تقول بحرقة "بقي زوجي علي (50 سنة) في الحي وبدأوا يطلقون الرصاص في الهواء لمنعه من الخروج معنا"، في اشارة الى مقاتلي الفصائل.

- عائلات مقسومة-

كانت خديجة تنتظر مع ابنتيها وصول شقيقتها لاصطحابهم "للسكن معها في حي سيف الدولة" الذي يتقاسم الجيش والفصائل السيطرة عليه.

وتقول الوالدة بتأثر "لم ألتقِ شقيقتي منذ اربع سنوات.. اشتقت اليها كثيراً".

وعلى غرار كثير من العائلات التي كانت مقسومة بين شرق حلب وغربها، تنتظر لمى مليس (34 عامًا) بشوق رؤية والدها المقيم في حي صلاح الدين الذي يتقاسم الجيش والفصائل السيطرة عليه.

وتقول بعد وصولها الى العزيزة من حي الصالحين "لم ارَ والدي منذ عام، حتى ان والدتي توفيت من دون أن أراها".

وتوضح وهي تتناول الخبز الذي وزعه عناصر الجيش على الاهالي&"مرت ساعات طويلة خلال انتظاري لهذه اللحظة"، مضيفة بحماسة تشع من عينيها الخضراوين "ما ان عبرت المعبر حتى شعرت بالراحة".

ولا يختلف حال حسين عافي (53 عامًا) عن الاخرين، إذ ينتظر بدوره وصول ابنته المقيمة في غرب حلب للانتقال والسكن لديها بعد نزوحه مع افراد من عائلته من حي الصالحين.

لكن الرجل الذي كان يعمل خياطًا غصته كبيرة.

ويقول بحرقة "بقيت ابنتي الثانية في الحي لانها لم تعلم بامكان خروجنا. غادرنا ولم نتمكن من الاتصال بها".