قال خبراء لغويون فرنسيون لـ"إيلاف" إن عدم مصادقة المنظمة الفرانكوفونية على التعديلات المطروحة على اللغة الفرنسية يعرض هذه اللغة لفقدانها عالميةً تميزها.

&ليال بشارة من باريس: إنقسم الحكماء في الأكاديمية الفرنسية بين مرحب بالتعديلات التي أدخلت على اللغة الفرنسية ومعارض لها، حيث يتم استبدال كتابة كلمات فرنسية عدة ليوافق رسمها مع طريقة نطقها. وستكون أهم التعديلات متعلقة بالكلمات التي نجد فيها ph والتي ستستبدل بالحرف f، كما سيجري الاستغناء عن حركة ^ (أكسون سيركونفلاكس) التي لا تنطق غالبًا، ما يجعلها مجرّد ضرورة في رسم الكلمات، وسيتم الاستغناء أيضًا عن حروف لا تنطق في كلمات عدة.

تدخل هذه التعديلات على اللغة الفرنسية حيز التطبيق في العام الدراسي القادم بعد نشرها في الجريدة الرسمية في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وكان أقرها المجلس الأعلى للغة الفرنسية في عام 1990 بطلب من رئيس الوزراء الإشتراكي آنذاك ميشال روكار، وتم نشرها في الجريدة الرسمية قبل أن يطلع عليها حكماء الأكاديمية الفرنسية في العام نفسه.

واشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بالعبارات الساخرة، فيما احتل هاشتاغ Je suis circonflexe’ (أنا سيركونفليكس) في إشارة إلى حركة سيركونفلكس التي تم حذفها في التعديلات الجديدة، الصدارة وانكب السياسيون بمختلف إنتماءاتهم الحزبية للتنديد بها، واعتبر عضو حزب 'الجمهوريون' (اليمين الوسط) أيريك سييوتي أن هذه التعدلات الجديدة هي مثال آخر على الإنحدار نحو القاع في فرنسا، فيما كتب عضو الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) فلوريان فيليبون: "مقابل هذا الإصلاح الوحشي وسيئ السمعة ولأن الفرنسية روحنا.... أنا سيركونفليكس".

موقف الأكاديمية

تؤكد عضو الأكاديمية الفرنسية هليلين كارير دانكوس أن الأكاديمية الفرنسية ليست وراء الإصلاحات التي أدخلت على اللغة الفرنسية، "ولا يمكننا تطبيق اليوم ما تم إقراره في الأكاديمية في عام 1990، نظرًا إلى إختلاف الظروف، ففي عام 1990، كان الهدف الأساس هو العمل على تسهيل تعلم قواعد اللغة الفرنسية للطلاب، وهو مخالف لما نعيشه في عام 2016 حيث يلاحظُ انحدارُ النظام التربوي الفرنسي وتُجمعُ غالبية الدراسات العالمية على تراجع المعرفة المكتسبة لدى التلامذة في فرنسا مقارنة مع باقي الدول وترى أن المعضلة اليوم لا تكمن في إلغاء أو حذف حركة 'أكسون سيركونفلاكس' ولكن إعادة دراسة النظام التربوي لأن الطلاب الفرنسيين لم يعودوا يعرفون لغتهم الأم.

تؤكد كارير أن الخطأ الفادح الذي ارتكب هو القول إن الأكاديمية الفرنسية وراء هذه التعديلات او قامت بدعمها، لأن الصحيح هو عكس ذلك، فلطالما رفضت الأكاديمية الفرنسية إدخال أي إصلاحات أو تعديلات على طريقة الكتابة في اللغة الفرنسية، لكنها دعمت بشروط العمل على تبسيط بعض الكلمات إن وُجدت ضرورة لذلك على مر الزمن.

رأي الخبراء

يعرض فاسيلي جوانيديس، الباحث الفرنسي والأستاذ المحاضر في جامعة غرونوبل الفرنسية وكوينز لاند البريطانية، لـ "إيلاف" نقاطًا إيجابية وأخرى سلبية للتعديلات التي أقرتها الأكاديمية الفرنسية على اللغة الفرنسية.

يقول: "صحيحٌ أنها ستعيد إحياء اللغة الفرنسية بتبسيطها وجعلها في متناول الجميع، لكن لا يغيب ذلك سلبيات هكذا تعديلات، لأن سحر اللغة الفرنسية كان في التعقيدات التي تتضمنها إن من حيث القواعد المتبعة او كتابتها، والعمل على تبسيطها سيفقد القارىء شغف القراءة لكتّاب كبار ناطقين باللغة الفرنسية".

يجزم جوانيديس بانه سيكون لها تأثير في روح اللغة الفرنسية وفلسفتها، لأن اللغة تظل في الأساس مرآة للروح وخير مثال، على ذلك الفرق السائد بين اللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة التي تشبه مركبة هي في الأغلب أكثر حيادية وتسامحا وقليلة الغموض واللغة الإنكليزية المتبعة في المملكة المتحدة التي ينبع سحرها من تعقيدات القواعد وطريقة الكتابة وهو أمر يجعل منها شعرًا ينثر بريقًا أينما حل.

يؤكد أن مكانة اللغة الفرنسية كلغة عالمية بعد التعديلات التي أقرتها الأكاديمية الفرنسية تظل مرتبطة بكيفية تسويق الفرانكوفونية لها، فإن صادقت عليها المنظمة الدولية ستحافظ الفرنسية على العالمية رغم التحديات القائمة .

في ما يأتي متن حوار "إيلاف" مع فاسيلي جوانيديس:

ما دام قرار التعديل متخذًا منذ 1990، ما سبب التأخير في تنفيذ الأمر؟

لا أعتقد أنه يصح الحديث هنا عن تأخير، لأن تعديلًا بهذا الحجم لا يُمكنُ إقراره بين ليلة وضحاها، ويجب أن تكون موضع بحث من جانب الضالعين باللغة الفرنسية لأن الغرض من إدخال أي تعديل على أي لغة يجب أن يكون إدخال تغييرات شاملة على طريقة استخدام هذه اللغة. وأعتقد أن الحكماء أي الأعضاء في الأكاديمية الفرنسية كان لديهم تصور عام 1990 أن اللغة ستتطور في الإتجاه الذي أقروه دون أن يتمكنوا من تحديد متى وكيف سيتم ذلك. وأعتقد اليوم أن وزارة التربية والتعليم العالي هي من أقرت هذه الخطوة، وفرضت تنفيذ هذه التعديلات في المناهج المدرسية.&
&
انقسام طبيعي

ثمة من يردّ هذا التأخير إلى أنه سبّب انقسامًا في الاكاديمية بين علماء اللغة الفرنسية. فما هو الرأي والرأي الآخر في هذه المسألة؟

نجد من يدعم تنفيذ مشروع او خطوة ومن يعارض ذلك في الطرف الآخر، فهذا جد طبيعي، وأن كنت لست مطلعًا على طبيعة النقاشات التي دارت في الأكاديمية الفرنسية عام 1990 حول هذه التعديلات، لكنني أعتقد أن من أجل العمل المتكامل للأكاديمية الفرنسية، لم يتم الكشف إلى العلن عن الصراعات التي دارت بين اعضائها قبل إقرار هذه التعديلات ودخولها حيز التطبيق.

هل تمثل الاكاديمية الفرنسية الشعب الفرنسي؟

لا أعتقد أن عمل الأكاديمية الفرنسية هو تمثيل إرادة الفرنسيين أو من ينطقون بالفرنسية، وأعزز موقفي بسببين: أولهما أن أغلبية الفرنسيين لم تتساءل حول الهدف أو الغرض من هذه التعديلات، فهي تستخدم اللغة الفرنسية بطريقتها المعهودة طالما يتمكن الآخر من فهمها من دون الحاجة إلى طرح أسئلة. ثانيا عمل الأكاديمية لا يقوم على تمثيل إرداة الفرنسيين، هو في بنية الأكاديمية وأعضائها حيث يتم إختيارهم نظرًا إلى مساهماتهم في تطوير اللغة الفرنسية ونشرها حول العالم .

من هنا، أرى أن ما تعمل من اجله الأكاديمية ليس ما يرغب به الناطقون باللغة الفرنسية، لكن كيفية العمل على تطوير وتقدم اللغة الفرنسية عالميًا.

ما الداعي الفعلي ليناسب رسم الكلمة طريقة نطقها، طالما أن هذا الرسم معروف في كل البلاد الفرانكوفونية، وهو يلفظ عى النحو نفسه منذ بداية تاريخ اللغة؟

أعتقد أن هناك هدفًا معلنًا من ذلك، وآخر غير معلن. الهدف المعلن يتعلق بالعمل على تبسيط اللغة في طريقة تعلمها واستخدامها، وتقليص الهوة بين من يجدون صعوبة في تعلم اللغة الفرنسية والذين يكون مصيرهم في أغلب الأحيان الإنطواء على ذاتهم في المجتمعات الفرنسية وغير الفرنسية. أما الهدف غير المعلن فيرمي وفق نظري إلى جعل اللغة الفرنسية سهلة أكثر، وألا تكون هناك صعوبة في تعلمها.

أعتقد أن هذه التعديلات على اللغة الفرنسية تهدف إلى إعادة إحياء اللغة الفرنسية وإعادة تموضعها عالميًا كلغة لها أثرها على الساحة الدولية. وهذا ما يتعارض مع استخدام النخب المتعلمة في المجتمعات اللغة الفرنسية. وأعتقد أن الهدف من هذه التعديلات هو جعل اللغة الفرنسية في متناول الجميع حول العالم.

تأثير في روح الفرنسية وفلسفتها

ألا يمكن أن يؤثر تنفيذ هذا القرار في روح اللغة الفرنسية وفلسفتها بأي شكل من الأشكال؟

نعم، سيكون هناك من دون شكل تأثير في روح اللغة الفرنسية وفلسفتها، وللأسف الشديد لا يمكنني أن أضيف الكثير حول ما ستكون عليه تداعيات هذه التعديلات لكنني أعتقد أن اللغة تعكس الروح وخير مثال على ذلك اللغة الإنكيزية المتبعة سواء في الولايات المتحدة او في المملكة المتحدة، حيث نشهد طريقة وروحًا مختلفتين جدًا، ففي المملكة المتحدة، أرى أن سحر اللغة الإنكليزية نابع من تعقيدات القواعد وطريقة الكتابة، وهذا ما يعطي اللغة الإنكليزية في المملكة المتحدة الفكاهة التي نستأنسها في طريقة إستخدام ونطق الإنكليزية والذي يجعل منها عبارة عن شعر ينثر بريقًا أينما حل. اما في الولايات المتحدة، فإن اللغة الإنكليزية هي أشبه بمركبة هي في الأغلب أكثر حيادية وتسامحًا وقليلة الغموض. أجزم غالبًا أن تبسيط اللغة الفرنسية يؤدي إلى تغيير في روحها وفلسفتها ولأن الفرنسية هي لغة معقدة، نجد شغفًا في القراءة لكتّاب كبار مثل ريمون ديفوس وريمون كينو وألفونس ألليس. وأعتقد أنه مع لغة أكثر بساطة سنفقد شيئًا من ذلك.

ترفض الاكاديمية تسمية ما يجري بالحركة الاصلاحية في اللغة الفرنسية، وتقول إنها مجرد تصحيحات لا أكثر. فما حقيقة ذلك خصوصًا أن 2400 كلمة ستتأثر بهذه التغييرات؟

أعتقد أن الأكاديمية لاحظت تغييرات في استخدام اللغة الفرنسية. والسؤال الذي ينتابني كناطق باللغة الفرنسية هو هل تعكس هذه التغييرات موضوعية في اللغة الفرنسية... هذا ما يجعلني أتساءل إن كانت هذه التغييرات سابقة لأوانها.

هل يُخشى أن تُعيق التغييرات هذه قراءة الأدب الكلاسيكي الفرنسي المكتوب بحسب الطريقة الفرنسية القديمة؟

يتعلق ذلك في ما سيغدو عليه معجم ومراجع اللغة الفرنسية. هل ستتم إعادة كتابتها من جديد بطريقة تراعي الإصلاحات، لكن المحتوى صعب تغييره، وأرى أن التعديلات التي أُقرت ستؤدي إلى صدمة عند كل من قرأ الأدب الكلاسيكي الفرنسي بحسب الطريقة القديمة. أعتقد أن قراءة الأدب الكلاسيكي الفرنسي في يومنا ستتم على طريقتين إن لم يتم إدخال تعديلات او تغييرات على معجم اللغة الفرنسية ومراجعها الكلاسيكية. تتعلق الطريقة الأولى بقراءة الأدب الكلاسيكي الفرنسي وفقًا للطريقة التي عهدناها، والثانية تراعي أكثر تاريغ اللغة الفرنسية، وهذا سيدفع الطلاب إلى قراءة الكتب التي وُضعت بحسب التقويم القديم. هذا لا ينفي أن الصعوبة ستكون في مكان آخر ألا وهو طريقة تعلم اللغة الفرنسية خاصة إذا ما كانت ستقوم على قراءات توضيحية مختلفة وأرى ايضا صعوبة لدى الإعلاميين في التحول نحو طريقة جديدة.

اللغة إرث لغوي وثقافي

كانت هناك ردات فعل من الدول الفرانكوفونية، حكومة كيبيك وقفت ضد هذه التغييرات من منطلق أن اللغة الفرنسية ليست ملكًا للفرنسيين وحدهم.

كي أكون صريحًا، أنا لم أطلع كثيرًا على ردة فعل الدول الناطقة بالفرنسية او التي تستخدم اللغة الفرنسية، لكنني بالمقابل لست مندهشًا من رفض حكومة كيبيك لهذه الإصلاحات لأن حكومة كيبيك نجحت في المحافظة على الفرنسية كلغة منطوقة ومكتوبة من قبل الفرنسيين المتواجدين هناك منذ القرن السابع عشر مع انهم كانوا محاطين او محاصرين بلغتين قويتين هما الإنكليزية والإسبانية وقد نجحوا في ذلك لسبب جوهري وهو عبر المحافظة على إرث لغوي وثقافي وهنا يكمن جوهر الإختلاف مع الفرنسيين الذين لم يكونوا يوما في مواجهة تحديات أو قضايا مشابهة. أعتقد أن الفرانكوفونية الحالية تعكس رغبة في تعلم هذه اللغة الجميلة التي تعطي عامل تميز واختلاف لمن ينجح في تعلمها. من هنا، لم يدهشني أن تعارض حكومة كيبيك هذه الإصلاحات مع انني أرى نفسي عاجزًا عن تفسير قرارها.

هل هي بداية نهاية الفرنسية العالمية Le Français Universel ؟

يكمن الجواب عن هذا السؤال في كيف ستوفق الفرانكوفونية بين اللغة الفرنسية كلغة عالمية والإصلاحات التي تم إقرارها في فرنسا... إذا وافقت وأدخلتها في آلية عملها فسيكون بلا شك هناك ثغرةٌ إذا لم يتم مواءمة ذلك مع تغيير معجم ومراجع اللغة الفرنسية وهذه الثغرات ستتضاءل على مر السنين، وصحيح اليوم أننا لا نكتب كما كانت عليه الكتابة في بداية القرن العشرين.

في المقابل، لم تصادق المنظمة العالمية للفرانكوفونية التي ترأسها شخصية غير فرنسية، على هذه الإصلاحات فإن اللغة الفرنسية ستفقد العالمية أو في أقسى الحلول سيكون هناك لغتان فرنسيتان، منها ما هو مستخدم في فرنسا والآخرى خارج فرنسا فالفرنكوفونية ستبقى دائما ولكن اللغة الفرنسية في فرنسا ستفقد شعاعها.

في النهاية، أرى أن الأمر يتعلق بالأساس في كيفية تعامل منظمة الفرانكوفونية العالمية مع هذه الإصلاحات على اللغة الفرنسية.

هل توافقون الرأي أن هذه الإصلاحات ستُفقد اللغة الفرنسية التعقيد الذي اكتسبته على مر الزمن، والذي شكل سحرها وغناها؟

نعم ولا. لست من داعمي نظرية استخدام او تعقيد شيء من أجل التعقيد، لكنني أرى في المقابل أن ما تتميز به اللغة الفرنسية من تعقيد كلغة يعكس تاريخ الفرنسيين وأرى انه يمكن تبسيط عدد من الأشياء على مر الزمن، وأرى قبول الأكاديمية الفرنسية خرط كلمات جديدة في المعجم الفرنسي لافتًا، لأنني أعتقد أن اللغة تتطور وتطور أدواتها، لكنني لا أعرف أن ذلك يتطابق مع الإصلاحات التي تم إقرارها كالتخلي عن حركة ^ (أكسون سيركونفلاكس) واستبدال الكلمات التي نجد فيها ph بالحرف f، وأن يتم استخدامها بطريقة منهجية.

لأن المشكلة الأساسية هي في الطريقة المنهجية للإصلاحات التي تم إتباعها، لأن اللغة، حتى الألمانية على سبيل المثال، ليست منهجية مثة بالمئة.

إعادة تموضع

هل ستؤدي هذه الإصلاحات إلى إعادة تموضع للغة الفرنسية عالميا بعد أن أطاحتها الإنكليزية؟
&
لا أعتقد أن الإنكليزية أو الإسبانية هما السبب الأساسي وراء تراجع اللغة الفرنسية ولكنني أرى أن ذلك يتعلق خاصة بعدم نجاح العالم الفرانكوفوني في نشر اللغة الفرنسية وثقافتها كما نراه في هوليوود او هيئة الإذاعة البريطانية اللتين ساهمتا بتقدم اللغة الإنكليزية الأميركية والإنكليزية البريطانية في العالم.

هل ستساهم هذه الإصلاحات في مساعدة التلامذة على إكمال دروسهم خاصة بعدما أظهرت إستطلاعات للرأي أن تلميذًا من أصل خمسة يترك المدرسة كل عام في فرنسا؟

أعتقد انه يمكن لهذه الإصلاحات أن تساعد التلاميذ الذين يعانون صعوبة في القراءة والكتابة، ويمكن أن يكونوا أقل تعقيدًا في تعلمهم اللغة، لكنني لا أعتقد أن هذه الإصلاحات ستؤدي إلى تغييرات جذرية في معدل الفشل الدراسي والأمية التي تعانيها فرنسا، وهو واضح خصوصًا أن معظم الدول الناطقة بالفرنسية لا تقاسم فرنسا ذلك.&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&