تعيش حركة النهضة لحظات دقيقة من تاريخها في إطار الإعداد لمؤتمرها العاشر، ما قد يؤدي إلى تغيير هويّتها، برأي البعض من أنصارها، وتأثير ذلك&في موقعها في الداخل والخارج، وربما على حركات الإسلام السياسي في المنطقة.
&
تونس: يتجه قادة حركة النهضة في تونس للفصل بين السياسي والدعوي، وعلاقة ذلك بمناصريها، الذين يرى بعضهم: "أنّ حركتنا ستتحوّل إلى حزب غريب عنّا"، وقال آخرون: "ستكون مثل حزب السبسي: نداء تونس".
&
"إيلاف" تتبعت استعدادات حركة النهضة، اكبر فصيل اسلامي تونسي، لمؤتمرها العاشر الشهر المقبل، وسألت قادة في الحركة ومتابعين لمسيرتها.
&
وفي هذا الإطار، أكد المحلل السياسي كمال الشارني أنّ أمام قياديي حركة النهضة تحدّياً كبيراً يتمثل في إعادة هيكلة الحركة، وهذا ما قصده راشد الغنوشي بـ "الإصلاح والتعديل"، مشيراً إلى أنّه بالتعديل سيتقرر هل أن المكتب التنفيذي سيبقى على حالة يختار أعضاءه بالتعيين، أم سيكون بالانتخاب، فمن يصل إلى رئيس الحركة يكون له القدرة على تعيين المقربين منه في المكتب التنفيذي، ولكن عندما يكون المجلس منتخباً، يصبح الحديث ممكناً عن صراعات وفق توازنات معينة.
&
المجلس الوطني
&
وأضاف الشارني لــ"إيلاف" أنّ النقطة الثانية المهمّة، المنتظر مناقشتها في المؤتمر المقبل، تتمثل في تسمية "مجلس الشورى"، فحركة النهضة تريد أن تبعث برسائل طمأنة إلى الخارج كما الداخل، بأنها تختلف عن الإخوان المسلمين في مصر وليبيا والأردن وسوريا، ليؤكدوا أنهم ليسوا بتنظيم سري ولا يستخدمون ما يحيل على الدولة الدينية، لأن التسمية الحالية "مجلس الشورى" تحيل على ذلك.
&
وأضاف أنّ قياديي حركة النهضة يفكرون في إحياء "المجلس الوطني" ليأخذ مكان "مجلس الشورى"، وبالتالي فهم يريدون الابتعاد عن صورة الحزب الديني، وكل ما له علاقة به، في اتجاه تركيز حزب سياسي مدني، خاصة وهم يرتعدون من تهمة "أسلمة الشعب التونسي" التي تمّ إلصاقها بهم، واستغلالها في الانتخابات التشريعية الماضية، لإخافة التونسيين من "تعدد الزوجات"، و"قطع الأيدي".
&
منعطف استراتيجي
&
من جهته اعتبر نائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، المؤتمر العاشر لحركته، "منعطفاً استراتيجياً" ينبثق منه حزب سياسي وطني كبير.
&
وأضاف الجلاصي لـ"إيلاف" أنّ القواعد كانت تتباحث منذ سنتين تقريباً حول الإعداد للمؤتمر العاشر للحركة، مشيراً إلى أنّ جزءاً كبيراً من التونسيين غير مدركين للعمق النظري والفكري لحركة النهضة، وخاصة العلاقة بين السياسي والدعوي، موضحاً أنه لا يخيّر لفظ الدعوي اعتباراً إلى أنّ الدعوة تكون في مجتمع غير مسلم.
&
وقال الجلاصي: "لهذا الموضوع أبعاد عديدة، في علاقة الديني بالسياسي، وفيه جوانب ترتيبية هيكلية، بمعنى كيف يدار الشأن الديني في البلاد، وهو ما تمّ التطرق له في الدستور الجديد، فهو شأن الدولة، والأحزاب السياسية، ولكنه كذلك شأن يهمّ المجتمع المدني، وذلك من خلال اهتمامات الجمعيات والمنظمات المدنية، وهذا يتمّ تحت غطاء الدستور".
&
وتأكيداً على مبدأ الإصلاح الذي تمّ الاتفاق عليه داخل حركة النهضة، في مؤتمرها المقبل، خلال شهر أبريل 2016، قال القيادي العجمي الوريمي: "إنه منعطف إستراتيجي سينبثق منه حزب سياسي وطني كبير مؤهل لصياغة مشروع وطني لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وإنجاز الإصلاحات الكبرى وإحداث النقلة الاقتصادية والتنموية التي تحتاجها البلاد بالشراكة مع أحزاب وسطية أخرى".
&
بين السياسي والدعوي
&
إلى ذلك، أكد الشارني أنّ الخوف من حركة النهضة، بعد الفوز في انتخابات 2011 لم يقتصر على التونسيين، بل أنّ فرنسا، مثلاً، رفعت يدها عن تونس، طالما أن النهضة في الحكم، بينما بقيت ألمانيا تنتظر، وكذلك أميركا، ولم تنطلق في مساعدة تونس إلا لما تأكدت من حسن نوايا حركة النهضة، وخاصة قيادييها، وأساساً راشد الغنوشي.
&
واليوم، تتجه حركة النهضة نحو فصل السياسي عن الديني والدعوي، و"إخفاء" الموروث، في علاقة بالدين، ويتمّ التركيز الآن على بعث مركز ثقافي للدراسات، يضمّ باحثين من النهضة ومن غيرها.
&
وأكد وجود أجنحة داخل حركة النهضة، ترفض الفصل بين السياسي والدعوي، لأنهم يرون أنّ النهضة بهذا "الثوب الجديد"، تخرج عن مبادئها وثوابتها، لتتحول مثل أي حزب علماني.
&
وأكد نائب رئيس حركة النهضة أنه مقتنع تمام الاقتناع بعملية الفصل بين الدعوي والسياسي، ولكنها، برأيه، لا تلخص المطلوب، فالإمام الذي يحمل بطاقة انخراط في أحد الأحزاب، في مسجده، لا يمكن أن يقدم مادة حزبية، لأن ذلك الفضاء، يجمّع المسلمين ولا يفرّقهم، فالدين هو شأن المتدينين وشأن غير المتدينين كذلك.
&
واعتبر أنّ الإشكال الحقيقي يتمثل في العلاقة بين السياسي والديني من جانب المرجعية، معتبراً أنّ كل عمل سياسي له منطلقاته الفكرية والعقائدية، بمعنى أنّ الحزب السياسي عندما يتقدم إلى الشعب ببرنامج حول التشغيل أو التنمية، يكون تبريره مختلفاً.
&
لا للقطع مع الإخوان
&
وحول إمكانية تبرّؤ النهضة من حركة "الإخوان المسلمين" لتكون القطيعة نهائية، قال المحلل السياسي كمال الشارني: "هذا مستحيل"، قبل أن يضيف: "هناك حقيقة لا يمكن تناسيها، وهي أنّ "الأمر" عندما طالب المتشددون أو "الصقور" في الحركة بالابتعاد عن المجال السياسي، والاهتمام بالجانب الدعوي، تمّ ذلك فعلاً، &ولم نعد نرى بعض الوجوه المتشددة، من مؤسسي حركة النهضة، الذين ابتعدوا دون إثارة أيّ ضجيج لأنهم تأكدوا من أنّ هذه المرحلة ليست للدعوة بل بإقناع الداخل والخارج بأن الحركة هي حزب مدني، لا يخيف أحداً، ولا يتبنّى أفكار الإرهابيين، ولن يشجع على ذلك.
&
وأكد الجلاصي أنّ حركة النهضة تنطلق في العمل السياسي بمرجعية إسلامية وفق رؤية تجديدية، مشدداً على أنّ كل الدول لم تنهض إلا بإحياء تراثها واهتمامها بثقافتها، مشدداً على أنّ الإسلام، هنا بالذات، يتحول من مجرد القيم والشعائر كما هو في الشأن الديني، إلى ثقافة تجديدية.
&
وأكد قيادي في حركة النهضة أنّه"لن تقع قطيعة معرفية أو ابستيمولوجية داخل الحركة، والمراجعات هي من قبيل التطور الفكري للحركة".
&
انشقاقات محتملة
&
ولا يستبعد الشارني حصول بعض الانشقاقات داخل حركة النهضة، على خلفية "الإصلاح" الذي يدعو له رئيسها راشد الغنوشي، مشدداً على أنّ ثلث "النهضويين" غاضبون، ومذكّراً بانسحابات سابقة لقياديين لعل أبرزهم الأمين العام السابق حمادي الجبالي.
&
وأكد أنّ مناضلي حركة النهضة منضبطون، حيث تربوا على الطاعة، والوفاء لحركتهم، خوفا من "الفتنة"، مستدركاً أنّ التأثير السلبي على الحركة لن يكون حينيّاً بسبب "احتياطي الانضباط" لديهم. &
&
وكشف الوريمي عن وجود مقترحات لتقييم تجربة حركة النهضة في الحكم وتطويرها، مشيراً إلى إمكانية عقد ندوة سنوية، في شكل مؤتمر مصغّر، على أن يعقد المؤتمر مرة في كل أربع سنوات، أو إنشاء مركز للدراسات لإعداد الخيارات الكبرى والتوجهات السياسية والإستراتيجية واقتراح لتغيير مجلس الشورى بمجلس وطني وتصوّر لتوزيع السلطة وتقاسم التوازن داخل حزب حركة النهضة.
&
وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أكد وجود "جوانب كثيرة في حركتنا تحتاج إلى الإصلاح والتعديل حتى نكون أكثر التصاقاً بالواقع"، مضيفاً لدى افتتاحه المؤتمر الجهوي لحركة النهضة في ولاية تونس، أنّ "الوقت حان للتوجّه إلى نوع من التخصص".
&
وقال الغنوشي: "لقد أنشأنا حركة شمولية، شمولية الإسلام، ولكن تغيّر الزمن"، وأضاف: "نتجه إلى حزب عصري متخصص في شؤون الدولة".
&

&