طرابلس: في 30 مارس دخل رئيس حكومة الوفاق فايز السراج طرابلس وافدا على متن زورق عسكري ليبي الى ميناء المدينة، رغم عداء السلطات الموازية غير المعترف بها دوليا التي كانت تسيطر على العاصمة منذ أغسطس 2014.

واعلن السراج (56 عاما) انذاك تشكيل حكومة جديدة بدعم من المجتمع الدولي، لا سيما اوروبا والولايات المتحدة، حازت لاحقا تاييد قسم من السلطات غير المعترف بها.

وانعش تشكيل حكومة الوفاق الوطني الامال بانهاء الازمة السياسية والامنية والاقتصادية التي تمزق ليبيا منذ الثورة التي اطاحت بسلطة الزعيم السابق معمر القذافي في 2011.

فالبلد الذي يبعد 300 كلم عن سواحل اوروبا غرق في الفوضى بعد الثورة وشهد تفاقم نفوذ الفصائل المسلحة واعمال العنف، فيما تنافست سلطتان على حكمه، احداهما في الشرق والاخرى في طرابلس، ما اجاز لتنظيم الدولة الاسلامية انشاء قاعدة له في مدينة سرت.

لكن بعد شهرين على انشاء حكومة الوفاق تحولت الامال الى خيبة وقلق. فالحكومة التي ينحصر مقرها الحالي ضمن حدود قاعدة طرابلس البحرية حيث تدير شؤون البلد وتستقبل المسؤولين الاجانب، تواجه صعوبات في تهدئة البلاد وطرد الجهاديين من معاقلهم ومصالحة الليبيين.

"لا دعم في الشرق"

تسيطر حكومة الوفاق على عدد من المطارات وتلقى دعم البنك المركزي وشركة النفط الوطنية، ناهيك عن حيازتها قدرات عسكرية (طائرات، مدرعات) ودعم الفصائل المسلحة المتمركزة في الغرب.

لكنها "لا تحظى باي قاعدة في الشرق" حيث تدعمها بلدة وحيدة هي اجدابيا، على ما اوضح الخبير الليبي في مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط محمد الجرح لوكالة فرانس برس.

وتصطدم حكومة السراج بالحكومة المعترف بها السابقة المتمركزة في الشرق التي ترفض تسليم السلطة بلا تصويت البرلمان الملحق بها على الثقة بالحكومة الذي ارجئ تكرارا.

تسيطر هذه السلطات الموازية في المناطق الشرقية بدعم مجموعات مسلحة محلية ووحدات موالية لها في الجيش بقيادة اللواء خليفة حفتر، المعارض الشرس لحكومة الوفاق.

قال المتخصص في شؤون ليبيا في مجموعة الابحاث "المجلس الاوروبي للعلاقات الدولية" ماتيا توالدو ان "ليبيا وحكومة الوفاق خسرتا شهرين ثمينين لتعذر اجراء تصويت الثقة في البرلمان".

كما لفت الى ان السراج، البارز جدا على الساحة الدولية "غائب عن الاضواء في ليبيا" ناهيك عن انه "لم يجد الوقت، او الشجاعة، لمخاطبة الشرق" لاقناعه بقضيته.

كذلك يركز خبير شؤون المغرب والحركة الاسلامية في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في باريس قادر عبد الرحيم على عدم تنظيم تصويت الثقة في برلمان الشرق.

وقال ان حكومة الوفاق عليها "ان تجمع الليبيين حول مشروع مشترك وتضمن امنهم وتبدأ مفاوضات مع الفصائل المسلحة المختلفة كي تلقي السلاح" وهي عملية قد تستغرق "عدة اشهر".

"تقصير الحكومة"

تحول الخلافات مع الشرق دون تنظيم حملة موحدة ضد تنظيم الدولة، وسط سباق بين قوات الطرفين لطرد التنظيم المتطرف من معقله في سرت على بعد 400 كلم شرق طرابلس.

ولتحسين فعاليتها في مكافحة الجهاديين طالبت حكومة الوفاق برفع الحظر على الاسلحة الذي تفرضه الامم المتحدة منذ 2011. وفي 16 ايار/مايو تعهدت القوى الكبرى دعم تخفيف الحظر.

كما ان الخلاف مع الشرق يجعل تشارك الطرفين في ضبط الحدود مستحيلا ما يسهل عبور مئات الاف المهاجرين الى اوروبا.

اقتصاديا عاني حكومة الوفاق من صعوبات جمة في اطلاق التحسن رغم الموارد النفطية الهائلة، فيما شهدت الاسعار ارتفاعا قياسيا منذ 2015 خصوصا في المواد الغذائية والصحة والنقل.

هذا بالاضافة الى ان اقتراب بدء شهر رمضان في مطلع يونيو وسط استمرار نقص السيولة لشراء الاغذية ولاعداد مصادر كهرباء بديلة بسبب انقطاعها خصوصا وسط درجات حرارة مرتفعة، "بقي تقصير حكومة السراج ماثلا في اذهان الليبيين"، بحسب توالدو.

بالتالي يبدو "المكسب الوحيد الذي غنمته حكومة الوفاق هو الدعم الدولي"، على ما افاد العضو في السلطات الانتقالية بعد الثورة عثمان بن ساسي اسفا.

اما عبد الرحيم فاكد "ان الليبيين ضاق صدرهم لتدخل الغربيين المتكرر، وفرضهم فايز السراج بالقوة سيضعفه لا محالة".