توقع تقرير صادر عن مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الاستخبارية أن تعم الفوضى بريطانيا وأوروبا بعد البريكسيت، وأن يخرج جيش الفتح الحرس الثوري من حلب، وأن تواصل الدول الخليجية تعافيها الاقتصادي.

إبتسام الحلبي من بيروت: في إطار تقرير خاص يستعرض التطورات في الربع الثالث من عام 2016، توقّع مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الاستخبارية حصول تغييرات في القارة الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومؤشرات إيجابية في أميركا اللاتينية، وتطورات في الشرق الأوسط وتحديدًا الحرب السورية، وانسحاب الإمارات من اليمن، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والدينية في السعودية، والسباق الرئاسي الإيراني.

غموض في أوروبا

لفت تقرير ستراتفور وعنوانه "توقعات الربع الثالث في 2016" (Third-Quarter Forecast 2016) إلى أنّ من الطبيعي أن تكون بريطانيا من أول مغادري للاتحاد الأوروبي، فهي أساسًا انضمت إليه بفتور، وتوقّع أن تعم الفوضى والغموض وعدم الاستقرار بريطانيا، والقارة الأوروبية بكاملها، في الأشهر الثلاث الآتية.

بالنسبة إلى ألمانيا، توقع التقرير أن يكون خروج بريطانيا كابوسًا ستنهال فيه من كل حدب وصوب اقتراحات لإعادة هندسة الاتحاد. فدول أوروبا الجنوبية ستعمل على زيادة نفقاتها، وستسعى إلى دمج مالي أكبر كي تداوي جراحها. أما بولندا وهنغاريا فستحاولان التركيز على الجوانب غير المثيرة للجدل، مثل الأمن وزيادة فرص العمل. لكنّ حكومة برلين ستضطر إلى تضييق حدود الدعم المالي للدول الأعضاء الأكثر تبذيرًا. ومع ازدياد الانقسامات وارتفاع الهلع الاقتصادي، سيخضع ثبات التحالف الفرنسي الألماني الذي يشكّل العمود الفقري للاتحاد الأوروبي لاختبار حسّاس. 

في ما يخصّ أزمة الهجرة، فمع استقرار الوضع في بحر إيجه، توقّع التقرير أن تنتقل المشكلة إلى إيطاليا إذ سيسلك المهاجرون الطريق الذي يربط شمال إفريقيا بجنوب إيطاليا. 

أما روسيا فذكر التقرير أنّها من البلدان القليلة المستفيدة من تفتت أوروبا وتشتتها. فهذا الوضع يسمح لموسكو بزيادة الضغط على الاتحاد وتطوير اتفاقيات اقتصادية والحد من الاعتداءات على حدودها الغربية. 

سوريا والتدخلات الخارجية

في الملف السوري، توقّع التقرير أن تستمر الحرب الأهلية فتشكّل عنصرًا حاسمًا في الشرق الأوسط، كونها تجمع بين طموحات تركيا، والصراع بين مجلس التعاون الخليجي وإيران حول موازين القوى الإقليمية، والمواجهة بين روسيا والغرب.

يشير التقرير إلى نجاح محاولات موسكو التدخل في سورية لتقوية موقفها التفاوضي مع البيت الأبيض في شأن الأزمات الحدودية وتخفيف العقوبات عليها بعد تدخلها في أوكرانيا الشرقية. يُضيف التقرير أن روسيا والولايات المتحدة تنسّقان الجهود المشتركة للقضاء على الفصائل الجهادية في سوريا، وفرض مناطق حظر للقصف. "هكذا يزول الغموض الذي تستعمله روسيا كحجة لتبرير توسيع قصفها للفصائل المعارضة المعتدلة المدعومة من قبل الولايات المتحدة". في المقابل، ستبدي روسيا تعاونًا لكنها ستصعّد في بعض الأحيان لتعزيز مطالبها.

يلفت التقرير كذلك إلى أن الولايات المتحدة ستعتمد على المصالحة الحديثة بين تركيا وروسيا للحد من الصدامات في أرض المعركة، ما يمنح الأتراك فسحة لاستعادة أنفاسهم والحدّ من توسّع الفصائل الكردية في شمالي سوريا.

ينتظر التقرير أن يتابع جيش الفتح عملياته في جنوبي حلب لإخراج الحرس الثوري الإيراني من المنطقة. أما في وسط حلب والمناطق المحيطة، سيسعى المقاتلون إلى تعزيز مواقعهم في فترة وقف إطلاق النار قبل حدوث أي مفاوضات محتملة. 

في شمالي حلب، سيفقد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المزيد من الأراضي، وستستفيد قوات سوريا الديمقراطية والقوات الموالية للنظام وبعض فصائل المعارضة من هذا الوضع. 

اليمن وإيران

في معرض تناوله التطورات في الشرق الأوسط، توقّع التقرير استئناف المفاوضات في الكويت حول السلام في اليمن، واستعداد الحوثيين لتقديم تنازلات، "لكنّ العنف سيبقى قائمًا في ساحات القتال في المناطق الوسطى من مأرب وشبوة وتعز". أمّا دولة الإمارات العربية المتحدة فستنسحب تدريجًا من العمليات العسكرية في اليمن، لكنّها ستتابع العمليات الأمنية لتجنّب ظهور القاعدة مجددًا.

وذكر التقرير التحضيرات للسباق الرئاسي الإيراني في عام 2017 حيث سيركز المرشحون على فكرة تقليل الفرص الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية باعتبارهم أن الانفتاح يجعل سياسة الحرس الثوري أكثر عدوانية لحماية مصالحه التجارية ضد خصومه السنة. أما قوى الأمن الإيرانية، فستتركز أعمالها حول احتواء تزايد نشاط المتشددين في جميع أنحاء البلاد مستعدة لمواجهة أي تدخل من القوى السنية مع اشتداد المنافسة الإقليمية.

السعودية والخليج

لم يتوقع التقرير حصول تغييرات كبيرة في أسواق الطاقة: سينمو إنتاج النفط الإيراني بشكل أبطأ من النصف الأول من السنة، أما دول مجلس التعاون الخليجي والتكتل الذي تقوده السعودية التي تنتظر التصحيحات التدريجية في الأسواق، فستواصل تعافيها الاقتصادي. 

ومن المرجح أن تصدر السعودية وسلطنة عمان سندات سيادية أو سندات الدين الحكومي من أجل زيادة رأس المال وحماية احتياطاتها من الانخفاض أكثر مع استمرار تراجع أسعار النفط بشكل عام. وستبدأ خطة الإصلاح التي تم الإعلان عنها في السعودية، وسيقع العبء الأكبر على عاتق شركات القطاع الخاص التي ستضطر إلى التشبث بأصولها تحسبًا لمبادرات ربما تتسبب في زعزعة استقرارها قبل نهاية العام. وستستمر مشكلات العمال وموجات التسريح في القطاعات الأكثر تأثرًا، وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي والمقاولات.

توقّع التقرير أن نبدأ السعودية في الحد تدريجًا من نفوذ المؤسسة الدينية من أجل خفض الضغوطات الاجتماعية، لكن بشكل محدود لأنّ هذه المؤسسة تساعدها في مواجهة تزايد النشاط الجهادي. ستواصل الرياض دعم حملة البحرين في مواجهة المعارضة الشيعية، بينما ستستخدم إيران علاقاتها مع المجتمعات الشيعية في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية لإثارة مزيد من التوترات.