وبعد أيام من اليوم ستدخل هيلاري كلنتون التاريخ خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في فيلادلفيا حين تصبح رسمياً أول امرأة يرشحها احد الحزبين الكبيرين للرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة. ولكنها لن تكون اول امرأة تترشح للرئاسة.

لندن:&في 2 نوفمبر 1872 قبل ثلاثة أيام على توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم التاسع عشر، أُلقي القبض على امرأة كانت تتنافس مع مرشحين آخرين على رئاسة الولايات المتحدة.

كانت التهمة التي اعتُقلت فكتوريا وودهال بموجبها ارسال مطبوعات فاحشة بالبريد. وكانت العربة التي تقل المتهمة حين أُلقي القبض عليها في نيويورك محملة بأكوام من الصحف تحت شعار "تقدم! فكر حر! حياة بلا قيود!". وقالت صحيفة نيويورك هيرالد ان المتهمة كانت هادئة استقبلت اعتقالها بأعصاب باردة وأبدت استعدادها فورا لمرافقة افراد الشرطة.

وبعد ايام من اليوم ستدخل هيلاري كلنتون التاريخ خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في فيلادلفيا حين تصبح رسمياً أول امرأة يرشحها احد الحزبين الكبيرين للرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة. ولكنها لن تكون اول امرأة تترشح للرئاسة. فان هذا الامتياز يعود إلى فكتوريا كلافين وودهال التي اصبحت عام 1872 مرشحة حزب ثالث ضد الرئيس الجمهوري الجنرال يوليسيس غرانت الذي كان يسعى للفوز بولاية ثانية ومنافسه الديمقراطي الناشر النيويوركي هورايس غريلي.

ولم يكن لدى وودهال حق التصويت لنفسها لأن حق الاقتراع لم يُمنح للمرأة الأميركية إلا بعد 50 سنة على ذلك التاريخ. ولكن هذا لم يثن هذه النسوية الرائدة عن القيام بمحاولة تاريخية من أجل التغيير.

شرف الحديث في الكونغرس

بدأت رحلة وودهال وصولا إلى التنافس على الرئاسة، في عام 1871 حين دُعيت إلى واشنطن لتقديم افادة امام اللجنة القضائية في مجلس النواب. وكانت ثاني امرأة بعد الناشطة من اجل حق المرأة في الاقتراع اليزابيث كيدي ستانتون تُمنح شرف الحديث في الكونغرس.

وألقت وودهال كلمة جريئة امام اللجنة قالت فيها "ان المرأة تساوي الرجل أمام القانون وتساويه في كل حقوقه". وساقت أدلة مقنعة على حق المرأة في الاقتراع بعد ان مُنح هذا الحق لجميع المواطنين المولودين في الولايات المتحدة بموجب التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي. ورفض اعضاء اللجنة وجهة نظرها لكن ظهورها اثار اهتمام الأميركيين بآرائها. ونشرت مطبوعات واسعة النفوذ والتوزيع افادة وودهال في الكونغرس.

انهت وودهال كلمتها بوعيد حين قالت انه إذا استمر الرجل في استبعاد المرأة عن الحكم فانها لن تجد امامها من خيار سوى الثورة وأخذ مقاليد الحكم بيدها. ولكن الكونغرس لم يتراجع قيد انملة عن موقفه. وفي مايو 1872 عقدت الجمعية الوطنية من أجل حق المرأة في الاقتراع مؤتمرها السنوي وفيه انبثق "حزب الحقوق المتساوية" الذي انتخب اعضاؤه وودهال مرشحته لخوض الانتخابات الرئاسية.

كانت حياة وودهال حافلة بالتناقضات. فهي ناشطة تعارض الدين التقليدي لكنها كانت تستشهد بنصوص من الكتاب المقدس، وكانت وكيلة اسهم لكنها معجبة بماركس وانغلز، وكانت داعية متحمسة لحق المرأة في اختيار زوجها لكنها معارضة للاجهاض. وكانت مناهضة للمؤسسات الاجتماعية والسياسية بما فيها مؤسسة الزواج لكنها عاشت الثلث الأخير من حياتها زوجة ملاك بريطاني ارستقراطي. وكرست وودهال السنوات الأخيرة من حياتها لدعم علم تحسين النسل البشري.
&
برنامج سابق لزمانه

خاضت وودهال حملتها الانتخابية ببرنامج سابق لزمانه يتضمن المطالبة بحق المرأة في الاقتراع لكنه يدعم ايضا العلاقات العاطفية الحرة وانهاء "عبودية" الزواج. وكانت تؤمن بحقوق العمال والتنظيم النقابي ومساواة اجور الرجل والمرأة وتوفير الخدمات الصحية للجميع واصلاح السجون، كل ذلك في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. ونالت حتى اعجاب خصومها بوصفها مناضلة كاريزمية.

نُشرت دعوتها إلى العمل في الجريدة التي ادارتها مع شقيقتها في نيويورك لمدة ست سنوات. واعلنت وودهال "نحن نطالب بحقوق الملايين الدنيا ضد العشرة العليا". وتردد صدى هذا الاعلان بعد اكثر من 100 سنة في شعار حركة "احتلوا وول ستريت!". وفي عام 1871 كانت صحيفة وودهال وكلافين الاسبوعية اول مطبوع أميركي نشر الترجمة الانكليزية للبيان الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك انغلز.

وعندما رشحت وودهال للرئاسة وُضعت حياتها تحت المجهر وامام محكمة الرأي العام الذكوري على نحو لم يخضع له أي من الرجلين اللذين رشحا معها عن الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. وكانت هناك ضجة في الصحف مثلا حين ذُكر ان بيت عائلة وودهال يضم اطفالها وزوجها الثاني بطل حركة الحقوق المدنية الكولونيل جيمس بلود مع شقيقتها تيني ووالديها واخواتها واخوتها الآخرين وزوج فكتوريا الأول تشاننغ وودهال الذي كان مدمنا على المورفين والكحول. وعلى الغرار نفسه كانت تغطية فعاليات وودهال تشمل التعليق على ملابسها، وهي ممارسة مستمرة في الاعلام الأميركي مع المرشحات منذ ذلك الحين.

قضية المرأة

لم تكن لدى فكتوريا وودهال فرصة لانتخابها رئيسة ولكن ترشيحها عن حزب ثالث في نظام الحزبين الأميركي وتغطية افكارها في الصحافة لفتا الانتباه إلى قضايا كانت ستُهمل أو تُقمع لولا مبادرتها، بينها حركة المطالبة بحق المرأة في الاقتراع. وبلغة اليوم فانها سلطت الضوء على "قضية المرأة".

ولكن البعض من اشد منتقديها كنّ نساء اعربن عن خشيتهن من ان يؤدي نمط حياة وودهال غير التقليدي وادعاؤها القدرة على التنبؤ بالمستقبل وروحانيتها، إلى الانتقاض من جدية الحركة النسائية. وكان اقوى خصوم وودهال الاصلاحي انتوني كامستوك الذي اصبح سكرتير جمعية نيويورك لمحاربة الرذيلة ثم مدير البريد الأميركي. وخاض قبل ذلك حملات ضد الاباحية والمطبوعات الفاحشة.

في 2 نوفمبر 1872، قبل 72 ساعة على يوم الانتخابات الرئاسية، نشرت وودهال وتيني قصصاً في صحيفتهما ادعت فيها الشقيقتان انها تفضح نفاق سياسيين ورجال اعمال يتظاهرون بالنزاهة لكنهم غارقون في ممارسات لاأخلاقية. وجرى توزيع العديد من نسخ الجريدة بالبريد.

وبتهمة التشهير والقذف مثلت الشقيقتان امام المحكمة التي تجمع حشد كبير خارجها، كانوا في حالة هياج، بحسب احد المراقبين. واتخذت الشقيقتان كلافين ووودهال مقعديهما في قاعة المحكمة مرفوعتي الرأس. وكتبت صحيفة نيويورك هيرالد ان احدا من الرجال الموجودين لم يقترب منهما باستثتاء محامي الدفاع.

ارسال مطبوعات فاحشة

كانت التهمة الموجهة اليهما ارسال مطبوعات فاحشة بواسطة بريد الولايات المتحدة. وكانت عقوبة التهمة في حالة اثباتها عليهما السجن مدة تصل إلى عام وغرامة قدرها 500 دولار، وكان ذلك مبلغاً كبيراً على الشقيقتين. وكانت مرافعة الدفاع تستند إلى التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير، وأمر القاضي بحبس فكتوريا وودهال وتيني كلافين في سجن لادلو ستريت. وفي يوم الأحد المصادف 4 نوفمبر استقبلت الشقيقتان حشدا من الزوار في زنزانتهما بينهم الكثير من الصحافيين والأقارب.

وفي 5 نوفمبر 1872، يوم الانتخابات الرئاسية، توجهت المواطنة سوزان انتوني إلى احد مراكز الاقتراع في نيويورك لتصبح أول امرأة في أميركا تنجح في إصرارها على ممارسة حقها في الاقتراع. ومنحت صوتها للرئيس غرانت الذي عمل حزبه الجمهوري على تضخيم استعداده للاستماع إلى مطالب النساء خلال الحملة الانتخابية.

بعد أسبوعين أُلقي القبض على انتوني بتهمة التصويت بصورة غير قانونية ولكنها أوصلت رسالتها. في هذه الاثناء عادت المرشحة الرئاسية فكتوريا وودهال إلى المحكمة مع شقيقتها تيني. وحين وصلتا علمتا ان هيئة محلفين كبرى اجتمعت واصدرت قرار اتهام بحقهما. وتقرر ايداعهما رهن التوقيف فترة أخرى.

لم يوثَّق عدد الأصوات التي حصلت عليها وودهال ربما لأن بعض مراكز الاقتراع اتلفت أي بطاقات انتخابية منح اصحابها اصواتهم لها. ولكن المعروف انها لم تفز في أي ولاية. وفاز غرانت بولاية ثانية بفارق كبير وتوفي منافسه الديمقراطي غريلي بعد اسابيع قليلة على الانتخابات.

أُفرج عن فكتوريا وودهال وشقيقتها تيني كلافين بكفالة بعد شهر على حبسهما، وأُسقطت تهمة نشر مطبوعات فاحشة عنهما في يونيو عام 1873 حين قرر القاضي ان قانون مكافحة المطبوعات الفاحشة لا يسري على الصحف.

ولكن دور وودهال في الحياة العامة الأميركية انتهى. ورغم استمرارها في إلقاء المحاضرات والمطالبة بالاصلاح ونشر جريدتها الاسبوعية فانها كانت تعاني اعتلال الصحة وشح الموارد المادية. وفي النهاية انفصلت عن زوجها الثاني الكولونيل بلود وهاجرت مع شقيقتها إلى انكلترا. وهناك أصدرت جريدة اصلاحية باسم "ذي هيومانتيريان" ورمت ثقلها لدعم حركة المطالبة بحق المرأة في الاقتراع في انكلترا. وبحلول مطلع القرن العشرين تزوجت وشقيقتها من رجلين انكليزيين ثريين وابتعدتا عن الأضواء.

انهت وودهال حياتها المديدة والحافلة في عام 1927. وبعد عام على وفاتها نالت المرأة البريطانية حق الاقتراع.

أعدت إيلاف المادة عن&صحيفة الغارديان

المادة الاصل هنا