بغداد: يعاني العديد من مدن الجنوب العراقية ﺷﺤﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻭﺟﻔﺎﻑ ﺍﻷنهار، ما يهدد ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻧﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ والنخيل ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭآﻻﻑ ﺍﻟﻤﻮﺍﺷﻲ ﺑﺎﻟﻬﻼﻙ، فيما كشفت الأزمة عن نزاعات بين ادارات المحافظات بسبب التجاوزات التي تحصل على حصص البعض منها من المياه.

وبدأت أصوات الاستغاثة والاحتجاج تتعالى في العديد من مدن وسط وجنوب العراق بسبب شحة المياه في الانهار، التي تفاقمت بشكل كبير وواضح، ما دعا البعض إلى التحذير من هجرة جماعية لسكان القرى والارياف ومناطق الاهوار وبالأخص مربي الجاموس من مناطق الاهوار الى مناطق أخرى منها الغربية للحفاظ على ثروتهم الحيوانية، فيما الفلاحون في المحافظات الجنوبية يعانون حالياً بسبب أزمة المياه التي شكلت عائقاً لانتاج المحاصيل الزراعية، والتي تنذر بحرب بين المحافظات الجنوبية.

ويرى البعض أن ما يحدث هو (حرب مياه) سواء التي بين العراق وتركيا او بين المحافظات العراقية ذاتها، وهو الامر الذي دعا الى تدخل المرجعية الدينية بالدعوة إلى وضع الخطط السريعة لمعالجة مشكلة المياه في العراق.

ويرى البعض أن موضوع شحة المياه يرجع إلى أسباب عديدة منها إقامة دول أعالي الأنهار (تركيا - سوريا - إيران) للسدود والمشاريع الخزنية وعدم إطلاق الحصة المقررة للعراق من المياه ، والتجاوزات الحاصلة على الحصة المائية من قبل المحافظات المجاورة وكذلك التجاوزات في البحيرات المنشأة والدوش وانحباس الأمطار، ويستغرب البعض شحة المياه في وسط وجنوب العراق في فصل الشتاء، لان هذا يشكل خطراً غير مسبوق في نهري دجلة والفرات اللذين يعتمد عليهما كمصدر لمياه الشرب والسقي معاً، مما أدى بوزارة الموارد المائية لإنجاز حفر 13 بئرًا مائية في محافظات ذي قار والنجف الأشرف والبصرة بهدف توفير المياه للمناطق التي تعاني من الشحة المائية.

وتفاقمت أزمة شح مياه نهري دجلة والفرات بسبب مشكلة التلوث بأغلب المحافظات الجنوبية، حيث تصل ذروتها في محافظة البصرة الجنوبية ومناطق الأهوار الجنوبية، التي أصبحت مقرًا للملوثات الصناعية، وذلك نتيجة رداءة المياه التي تصل بعد أن تمر بعدد كبير من المناطق، فضلا عن قلة الإطلاقات المائية التي تصل إلى الأهوار.

شكوى عامة

 واذ تتشابه أعراض المشاكل التي تتعرض لها محافظات الفرات الاوسط والجنوب مع تفاقم معاناة المزارعين والأهالي من الاخطار التي تتعرض لها اراضيهم بسبب شحة المياه التي أدت إلى هجرة الكثيرين منهم ونفوق ثروتهم الحيوانية، فقد وصف مزارعو محافظة بابل ان الوضع اصبح لا يمكن السكوت عنه، كما اشتكى مزارعو محافظة الديوانية من ان أراضيهم ما زالت خارج الاستصلاح وتحولت معظمها الى أراضٍ سبخة في حين يؤكد المزارعون في محافظة واسط أن المشكلة ألحقت بهم ضرراً كبيراً، والتي شملت نحو 70 ألف دونم مزروعة بالقمح.

كما تهدد شحة المياه في محافظة المثنى بإلغاء الخطط الزراعية وهدّد بعض المحتجين باستخدام السلاح للحصول على حصصهم المائية، فيما سجلت محافظة ذي قار نفوق أعداد من الثروة الحيوانية والسمكية وتضرر القطاع السياحي في مناطق الاهوار الوسطى ، ما اعتبره السكان المحليون بمثابة جرس الانذار الذي يهدد واقعهم المعيشي.

وكذلك ضربت ازمة المياه الحادة محافظة ميسان التي تسببت بتصحر الأراضي الزراعية وهجرة الفلاحين، وقد شهدت بعض الانهر شحة كبيرة ما ادى الى هجرة العوائل لان اكثرها تقوم بتربية المواشي وتعيش على الاسماك والطيور، والنجف هي الاخرى تشهد أزمة مياه حادة قد تستمر خلال السنوات المقبلة وقد تقلّصت مساحات الزراعة الى رقم مخيف بحسب تحذيرات المعنيين في وزارة الزراعة في حال لم يتدارك المزارعون أمرهم ويتبنوا نتائج محطات الأبحاث الخاصة بالوزارة لاسيما بخصوص زراعة الرز لتوفير الوقت والجهد والمياه. 

مؤامرة المياه

 من جهته، حذّر عضو لجنة الزراعة والمياه في البرلمان، منصور البعيجي، من "مؤامرة المياه التي تتعرض لها محافظات الجنوب". وقال في بيان صحافي، إن "العراق بعد انتصاره على داعش، يتعرض لمؤامرة جديدة، وهي حرب المياه التي تقودها دول قطعتها عن البلاد"، مؤكدا أنّ "بناء تركيا للسدود وخزنها للمياه قلّلا نسب ما يدخل إلى البلد منها بشكل كبير، مما أدى إلى النقص الحاصل وتأثر أراضينا بصورة عامة".

وحذّر البعيجي، من "كارثة حقيقية بسبب حرب المياه التي تتعرض لها محافظات الوسط والجنوب، والتي تأثرت بشكل كبير بسبب نقصها، مما أدى إلى هجرة المزارعين وتدهور الزراعة بشكل كبير، بينما لا يوجد اهتمام واضح من قبل الحكومة بهذا الأمر".

 التجاوزات هي السبب

 من جهته، أكد عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، علي البديري، إن "سبب شحة المياه في المحافظات الوسطى والجنوبية هي التجاوزات على الأنهار من قبل مسؤولين وشخصيات متنفذة في الدولة تقوم بسرقة المياه بكميات كبيرة دون رادع أو حرص، حتى تفاقمت هذه الظاهرة وأصبحت تهدد آلاف العوائل بالتهجير والقتل وانتشار الأمراض بين سكان المحافظات" مضيفًا ان "لا احد يجرؤ على إيقاف هذه التجاوزات بسبب التأثيرات الحزبية والوساطات على الجهات الامنية وتمنعها من الوصول الى المتجاوزين".

وتابع أن "السبب الآخر لهذا الامر هو ضعف ضخ المياه من تركيا ولم تعمل الحكومة العراقية على استغلال علاقاتها السياسية والاقتصادية للتحرك على الجانب التركي من خلال النوافذ الدبلوماسية لزيادة الحصة المائية للعراق" مبينًا ان "القائد العام للقوات المسلحة هو القادر على انهاء هذه الكارثة من خلال تحريك قوات عسكرية كبيرة لاعتقال جميع المتجاوزين وإيقاف استنزافهم للمياه".

الوزارة : شحة المياه ظاهرة طبيعية! 

من جهته، أوضح وزير الموارد المائية،حسن الجنابي، أسباب شحة المياه بالمحافظات الجنوبية، وقال: "شحة المياه وضع طبيعي يحدث في جميع دول العالم، والآن النصف الجنوبي في الكرة الأرضية يتعرض الى ظاهر طبيعية خطيرة، ومنها (النينو)، حيث تأتي فترات جفاف قاتلة، نحن لا نتأثر فيها، لذا نجد الحكومة والمجتمع يتكاتفان مع بعضهما من أجل تجاوز هذه الأزمات، ولا يجب لوم جهة معينة.

وتابع: نحن معنيون بتدعيم التنمية الريفية، فالزراعة بالأساس هي زراعة في أرياف العراق، مبيناً أن التنمية الريفية ليست فقط الزراعة، بقدر ما هي تطوير الريف العراقي بكل المجالات الأخرى.

وأشار الى أن قلة الإيرادات المائية ناتجة من سببين، هما الأسباب الطبيعية، والأخرى تتمثل بالسدود والدول المتشاطئة على الأنهر، موضحاً أن الأزمة الحالية التي يمر العراق بها، أسبابها بالأساس قلة إيرادات في أعالي سد الموصل، بأعالي نهر ديالى وسد الموصل، والزاب الأعلى، والزاب الأسفل، فضلاً عن التأخر في التساقط المطري.

وتابع : وفق المعطيات التي يمتلكها، فإن العراق سيتجاوز هذه الأزمة بسهولة. نأمل أن تسقط أمطار لتخفيف الأزمة"، وأكمل بالقول: "حاليا قادرون على انجاز جزء مهم من الخطة الشتوية، لكن قلقنا يزداد في الصيف القادم، لأنه يتعلق بملء سد (أليسو) في تركيا، وعندما نتفق مع الجانب التركي بشأن السد، سنستطيع أن نخفف الأزمة.

أزمة عمرها سنوات

وشحة المياه في العراق ليست وليدة اليوم، فبوادر الشحة بانت منذ العام 2009 وسبقتها شحة في الأعوام 1999- 2003 وأسبابها معروفة منها الانحباس الحراري الذي تسبب بقلة وشحة الأمطار وسياسات دولة المنبع لنهري دجلة والفرات تركيا في إنشاء السدود لتخزين المياه وبطاقات خزنية كبيرة مما تسبب بقلة الواردات المائية في حوضي النهرين، كذلك قيام إيران بقطع جميع الروافد المغذية لنهر دجلة ومن أكبرها الكارون والكرخة وأسباب داخلية بعضها يعود للجهات المعنية والمسؤولة عن الموارد المائية والبعض الآخر يعود لمستهلكي المياه وقلة الوعي والاهتمام بهذه النعمة

واتفق العراق وتركيا في مارس 2017 على تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بينهما في 2014، والتي تضمنت 12 فقرة، أبرزها التعاون في مجال إدارة الموارد المائية لنهري دجلة والفرات، وتحديد الحصة المائية لكل دولة في مياه النهرين، بالإضافة إلى أهمية تقييم الموارد المائية وزيادة استخدام المياه في المجالات الزراعية والصناعية وما يتعلق بمياه الشرب.

وتعد الأنهار في العراق المصدر الرئيسي للمياه، وتليها بدرجة أقل مياه الأمطار والمياه الجوفية، وتقدر كمية مياه الأنهار في العراق بنحو 77 مليار متر مكعب سنويا، في المواسم الجيدة، ونحو 44 مليار متر مكعب سنويا في مواسم الجفاف، في حين يقدر إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق بنحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، مما يعني حدوث عجز في السنين الجافة التي تشهد تناقص مياه الأنهار.