قال المفكر والعلامة العراقي رحيم أبو رغيف إن المرجع الديني علي السيستاني لم يصدر فتوى لتشكيل الحشد الشعبي، بل أطلق دعوة ونداء إلى العراقيين للتطوع في صفوف القوات المسلحة. وفيما شدد على أنه لا يمكن للدولة أن تُدار بميليشيات وبحالة الانفلات الأمني، فإنه وجد أن ذلك كله مؤشرات إلى فشل الإسلام السياسي في العراق.
إيلاف من بغداد: أكد رجل الدين المعتدل رئيس منتدى الوسطية رحيم أبو رغيف، في حديث لـ"إيلاف"، أن الإسلام السياسي أخفق وفشل فشلًا واضحًا على أرض الواقع، بل إنه، وحسب تعبيره صار "مضربًا للسوء والفشل". وقال إن ممثليه تفّننوا بالفساد.&
أبو رغيف، الذي كتب عن ضرورة مراجعة الخطاب الإسلامي والإسلام السياسي المعاصر بين النص والتاريخ، رأى ان الإسلامويين اختطفوا المنبر الديني، حتى غاب عنه خطاب الأخلاق، وبات أسيرًا لرد الفعل على فعل مضاد. وقال إن تجديد الخطاب الديني يتعلق بمنظومة الشريعة، وليس بمنظومة الإيمان، مبيّنًا أن المؤسسة الدينية تتحمل القسم الأكبر من هذه الناحية، وأن عليها أن تعيد إلى أذهان الناس الخطاب الديني الروحي الحقيقي، وأن تشيع ثقافة التسامح.
وفي أدناه نص الحوار:
هل تعتقد أن الحشد الشعبي، الذي تشكل بفتوى من المرجع الديني السيد علي السيستاني، يمكن أن يحلّ بفتوى منه أيضًا؟&
بداية علينا أن نعرف وأن نتوقف ونضبط ضبطًا دقيقًا: هل الذي صدر من السيد السيستاني هو فتوى بحسب معايير الفتوى في الاستدلالات الفقهية، كما هي سائر الفتاوى الدينية، التي تصدر من الفقهاء المجتهدين، أم إنها كانت دعوة ونداء إلى العراقيين، بعدما استشعر أن الخطر لاح في الأفق، وأنه اقترب من بغداد، الأمر الذي تطلب أن يتدخل السيد السيستاني من جهته، فدعا العراقيين بنحو عام مسلمين وغير مسلمين، عربًا وقوميات أخرى، إلى ضرورة التطوع والانخراط في صنوف القوات المسلّحة والأمن للدفاع عن بغداد، وهذا الدفاع له أصل شرعي، نعبّر عنه بالوجوب الكفائي، والوجوب الكفائي صدرت به فتوى أو لم تصدر به فتوى، فإنه موجّه إلى كل مكلف مسلم.
ربيع إخواني
ما مستقبل الإسلام السياسي من وجهة نظركم؟&
الإسلام السياسي أخفق وفشل فشلًا واضحًا على أرض الواقع، ليس في العراق فحسب، وأكثر من تجربة للإسلام السياسي تدلل على ذلك، في عقر دار الإسلام السياسي في مصر، حيث نشأ الإسلام السياسي المعاصر إخوانيًا، وكل التيارات التي تمثله اليوم شيعية كانت أو سنية، فهي تستمد حضورها الفكري والمعرفي من رحم الإخوان، ولذلك فإن حزب الدعوة الإسلامية هو النسخة الشيعية من الإخوان المسلمين، ولا يختلف من الناحية الحركية عن الإخوان، بل إن حتى مسمياتهم تجدها متماهية.
الإسلام السياسي خلال ما عبّرنا عنه بالربيع العربي، في قول بلا دليل، في الحقيقة هو ربيع إخواني، وهذا الربيع أتى على الإسلام السياسي، وأظهره على حقيقته، بمعنى أثبت أن التجربة الدينية إذا ما تسيّست فإنها أنتجت الفشل والفساد والإخفاق، وبات هذا الأمر معروفًا لكل الناس، لاسيما في العراق، حيث التجربة مريرة، وكما تلاحظ الآن فإن الفساد والفشل وعدم المهنية والإخفاق ونقل المجتمع العراقي من المواطنة إلى المكون عنوان حكم الإسلام السياسي في العراق، وأبعد من ذلك، يمكن القول إن آخر وجه من وجوه الإسلام السياسي هو (داعش).
ما الذي تؤشر إليه وأنت رجل دين ومفكر وباحث إسلامي معروف عن هذه التجربة؟&
أخطر ما حصل هو طمس روح المواطنة، ولا يمكن بأية حال لدولة تحترم نفسها إلا أن تكون مثل دول سائر الأرض باعتماد المؤسسات التخصصية في بناء منظوماتها الأمنية والقانونية، وأن يكون الدستور حاكمًا لها، لا يمكن للدولة أن تُدار بميليشيات، وأن تدار بحالة الانفلات الأمني التي نراها اليوم، وهذا كله مؤشرات إلى فشل الإسلام السياسي في العراق.
لماذا تحمّل الإسلاميين هذا الفشل.. أليس هذا إخفاقًا يشترك فيه الجميع؟&
الإسلام السياسي اليوم هو من يحكم وهو الحاكم.. أما لماذا؟. فالجواب لأن من ينتمي إلى الفكر الإسلامي يبقى يتعاطى مع ذاته ومع نفسه، كما يتعاطى مع جدل المقدس والمدنس.. وبالإجمال التجربة الدينية عبر التاريخ لم تنجح.
مضرب للفساد
هل توجّه اللوم هنا إلى حزب الدعوة الإسلامية، وأيضًا إلى المجلس الأعلى الإسلامي، وحزب الفضيلة وغيرها من الأحزاب الإسلامية، كما توجّه اللوم إلى الحزب الإسلامي العراقي؟
لاحظ أن هناك في العراق حلفًا غير معلن بين الإسلام السياسي السني والإسلام السياسي الشيعي، ولذا تلاحظ أن الحزب الإسلامي العراقي، وهو (سني)، يمتلك خمسة أو ستة نواب في البرلمان، ويظفر على الدوام بمنصب رئيس البرلمان رأس السلطة التشريعية في العراق، وساعدته على ذلك "ممالأة" أو الحلف القائم بينه وبين حزب الدعوة الإسلامية والأحزاب الإسلامية التي تشترك معه في البعد الحركي الإسلامي، وبتقديري فإن التجربة كانت جدًا بائسة لمن مثّل المشهد من الإسلاميين.
أجدك تركز على أن الفشل يتحمّله الإسلاميون وحدهم، ماذا عن شركائهم؟
وغير الإسلاميين كذلك، ولكن بدرجة بسيطة، لأن غير الإسلاميين من سائر الليبراليين ما كانوا يمثلون القوة السياسية الكبيرة في إدارة الحكم، حيث إن تمثيلهم في الحكومة والبرلمان لم تكن له قيمة وأثر معيّن.
تحدثت عن الفشل بمعنى الإخفاق في إدارة الحكم، هل عكس ممثلو الإسلام السياسي صورة أفضل عن النزاهة؟
على العكس.. الإسلام السياسي صار مضربًا للسوء والفشل والفساد، بل إن ممثليه تفننوا بالفساد، بدليل أن هذه المنظومة التي انتشرت في دوائر الدولة، وانتمت إلى حركة الإسلام السياسي، فإنها مع الأسف منظومة كانت نسبة الفساد فيها كبيرة، حتى يمكنني القول إن العراق ليس بلدًا فيه فساد، بل هو منظومة فساد فيه بلد!، لكثرة تفشي الفساد في زوايا المؤسسات الحكومية، وهذه قضية بالتأكيد المسؤول عنها هو من تصدى للمشهد السياسي وإدارة الحكومة طوال السنوات الماضية ومسك بدفتها.
مسؤولية جماعية
هل توجّه اللوم هنا فقط إلى الحكومة، في حين أن المتابع للشأن العراقي يجد أن ملف الفساد تتهم فيه معظم الأطراف الفاعلة والمتنفذة؟
لا بل يشترك الجميع في ذلك، المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فهذه الجهات حينما تظهر علامات الفساد بشكل فاقع، فإن الجميع سيكون مسؤولًا عن ذلك، المؤسسة القضائية تكون مسؤولة، وقبلها التنفيذية، وقبلهما التشريعية.
هل يرى السيد رحيم أبو رغيف أن المنبر الديني بات مختطفًا في العراق، ولمصلحة من مع غياب خطاب الأخلاق؟&
اختطفه الإسلامويون، الأحزاب الدينية لها اليد الطولى على حركة الخطاب الديني في العراق، وهذه الحركة تم توظيفها لغالبية الخطباء، وهذا التوظيف ألقى بظلاله على طبيعة الخطاب الذي يؤدّيه الخطباء، ما أدى إلى إفراغ هذا الخطاب والمنبر من روحه المعنوية الأخلاقية.. مقتضى القاعدة في الإسلام يبيّن أن الخطاب الذي يمارسه الدعاة أو الخطباء أو المبلغون إنما هدفه الأقصى هو إشاعة القيم والمثل والمبادئ وإشاعة السلم الأهلي وثقافة التسامح، لكن ما يحدث اليوم هو غياب ثقافة التسامح، فأخذ هذا الخطاب يجري على قاعدة الفعل ورد الفعل، كل جهة ترتب خطابها على ما ظهر من فعل في جهة أخرى، ولم يرتق الخطاب إلى مستوى الموضوعية التي يجب أن تسود الخطاب الديني أبدًا، ولا إلى مستوى الضرورة الأخلاقية التي ألفناها في خطاب الله سبحانه وتعالى هذا بتقديري تقصير المؤسسة الدينية التي يجب أن تعاتب حيال ذلك.
تجديد الخطاب الديني
هناك من يقول إن خطاب التسامح هو الترياق للقضاء على داعش نهائيًا، بعد القضاء عليه عسكريًا في العراق، إلى أي مدى توافق هذا القول؟
لا أستطيع أن أجزم بأن التسامح هو الترياق الحقيقي للقضاء على داعش وما يماثلها، لكنه جزء مهم وأساسي من قطع الطريق أمام المغرر بهم، لكن هذا يحتاج منظومة كاملة، وأول عناصر هذه المنظومة هو تجديد الخطاب الديني.
ماذا تعني بتجديد الخطاب الديني؟
تجديد الخطاب الديني يتعلق بمنظومة الشريعة، وليس بمنظومة الإيمان، ويجب أن نفرّق هنا بأن الدين يقوم على منظومتين، الإيمان والشريعة. الشريعة هي منتج بشري، بمعنى أنها مجموعة أحكام وسنن وآداب حرر أحكامها البشر وأنتجها البشر، بما في ذلك ما صدر من النبي محمد (ص) بلحاظ أنه من جملة البشر، المشكلة الكبيرة في تجديد الخطاب الديني، وواحدة مما أعنيه في التجديد هو أنه علينا أن ننظر إلى الشريعة على أنها خطاب قابل للمراجعة، بمعنى أنه لا بد من فرز بعض الأحكام التي صدرت لدواع ظرفية معيّنة.. ينبغي إجراء مراجعة مهمة لنصل إلى خطاب التسامح بما ينسجم مع عصرنا هذا.
الأنسنة أولًا
ما السبل التي تعتقد المضي بها في إطار المؤسسة الدينية لمحو "الداعشية" في العراق؟
واحدة من أهم الأمور وبتقديري هو أن المؤسسة الدينية تتحمل القسم الأكبر من هذه الناحية، وعليها أن تعيد إلى أذهان الناس الخطاب الديني الروحي الحقيقي، وأن تشيع ثقافة التسامح، وأن تعمد إلى تجديد الخطاب الديني، وأن تعيد أولويات هذا الخطاب، من خلال ملاحظة، وكما قلت، أن الشريعة يمكن مراجعة العديد من أحكامها، داعش توظف في المقام الأول آية السيف، وإن أكثر من 90 % من أعمال داعش ومن مبرراتها التي تسوقها ومن مسوغاتها هي آية السيف، وهنا علينا كعلماء وكفقهاء أن نجتمع ونراجع مراجعة شاملة، طالما المراجعة هدفها الأسمى هو الإنسان، لأنه ضرورة قصوى لله تعالى، وحينئذ يجب أن نلاحظ مصلحة الإنسان ووجوده وبقاءه، حضورًا ووجودًا.
هل تقول إن تفسير آيات في القرآن لا ينسجم مع العصر؟
بكل تأكيد هناك فرق بين الفهم وبين النص، وبالتالي تفسير الآيات.. يمكن لنا أن نحدد تفسيرنا على أساس المصلحة الإنسانية العليا بمعنى أنسنة خطابنا وأنسنة فهمنا وأنسنة علاقاتنا وأنسنة مواقفنا، ومن ثم عقلنة هذه المواقف، وهذا لبّ ما أعنيه بالمراجعة، فالإشكالية الكبيرة التي لم يوضع لها حل لحد الآن هي إشكالية قراءة النص الديني!.. والسؤال الأبرز: هل وضع تعريف عام وجامع للدين؟؛ هناك فرق بين دين النص ودين التاريخ، وأن هذا الفارق وجد منذ الديانة الإبراهيمية، فالديانة العبرية هي أول ديانة كتبت فيها التشريعات الدينية، في حين ذهب البعض إلى أن المسيحية امتداد لليهودية، القديس بولس يرى أن الشريعة ليست من صلب الدين، وهناك فرق بين الإيمان والشريعة، وأن مطلب الأديان الإيمان لا الشريعة، ولذا فإن إطلاق مصطلح الديانات التوحيدية على الديانات الإبراهيمية كان نتاج الإيمان لا الشريعة، التي قطعًا إن مصدرها البشر؛ لأن النص التشريعي الذي كتب قبل ألفي عام لا يمكن أن يسري على زماننا هذا لتغيّر الظروف والزمان.
&
التعليقات