الرباط: أصدر "مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات"، التابع لجامعة القاضي عياض، كتابا جماعياً تحت عنوان "تجارب العدالة الانتقالية في الدول المغاربية"، أشرف على تنسيقه الدكتور ادريس لكريني، مدير المختبر. 

ويتضمن المؤلف الذي جاء في 252 صفحة من الحجم المتوسط، أشغال ندوة سبق وشهدتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، ساهم فيها عدد من الباحثين والخبراء من الدول المغاربية الخمس باللغتين العربية والفرنسية.

من بين المساهمات المضمنة في المؤلف، يتناول أحمد شوقي بنيوب، الخبير الدولي في قضايا العدالة الانتقالية، والعضو السابق في هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، مسار العدالة الانتقالية في مجموعة من الدول المغاربية، حيث أبرز أن حسن استثمار السياق مكن نخبة العدالة الانتقالية من أن تحرز مكاسب مهمة بالمغرب، أبرزها تمكن الهيئة من صياغة نظامها الأساسي، ومن بلورة قوة اقتراحية وتوصيات تمت دسترتها. 

أما محمد النشناش، الفاعل الحقوقي والعضو السابق في هيئة الانصاف المصالحة، فقد تطرق لتجربته الميدانية في إطار جبر الضرر، وكشف عن المعاناة التي كابدها ضحايا الانتهاكات الجسيمة، مشيرا الى اهميةً النتائج والأهداف الاستراتيجية التي حققتها، وموصيا بضرورة المتابعة النفسية للضحايا ما بعد التجربة. فيما تحدث يوسف البحيري، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش عن صيرورة مسلسل العدالة الانتقالية بالمغرب، منذ إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، كتعبير عن رغبة قوية للدولة والضحايا وعائلاتهم في طي صفحة الماضي، مؤكداً أن الهيئة احترمت مقتضيات المواثيق الدولية في هذا الشأن، وموصياً بأهمية وضرورة العمل على ترسيخ الحكامة الأمنية باعتبارها رافعة أساسية لبناء دولة الحق والقانون.

أما خالد علي أحمد ضو، من جامعة طرابلس في ليبيا، فقدم قراءة مفاهيمية ومعرفية للعدالة الانتقالية. واعتبر أن ليبيا تحتاج فعلاً إلى مشروع للعدالة الانتقالية مبني على رؤية ليبية مستقلة، وليس على أفكار نمطية مستوردة لا تتماشى بالضرورة مع الواقع الليبي.

 

 

من جهته، تحدث محمد البزاز، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، عن جبر الضرر، من حيث مفهومه وشروطه وأشكاله، ملفتاً إلى أن التجربة المغربية اعتمدت مقاربة تقوم على العدالة التصالحية بدل العدالة الاتهامية، والحقيقة التاريخية بدل الحقيقة القضائية، والتي حققتها عن طريق خلق ظروف النقاش الحر والحوار الجاد.

وفي مداخلة مشتركة للأستاذين بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، محمد الغالي والحسين أعبوشي، في موضوع دسترة توصيات هيئة المصالحة والإنصاف، تم التأكيد على أن التوصيات التي خلصت إليها الهيئة تعد من أهم تراكمات الهيئة، باعتبارها كفيلة بتجاوز حدوث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستقبلاً، مع التنبيه إلى ضرورة ضخّ جديد للرغبة والإرادة السياسيتين اللازمتين بما يضمن عدم التكرار.

وسعى علي الحوات، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طرابلس في ليبيا، إلى استعراض تجربة العدالة الانتقالية بعد ثورة 17 فبراير، معتبراً أن الواقع الليبي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يتطلب مفهومًا أوسع من المفهوم التقليدي المعروف في العالم، ليشمل الإنصاف الاجتماعي والاقتصادي للأفراد وللفئات التي تضررت من التشريعات والإجراءات التي نفذت في النظام السابق.

من جهته، حذر نجيب بن عمر عوينات، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلامي بجامعة جندوبة بتونس، من أن تؤول العدالة الانتقالية في تونس إلى انتقام من النظام السابق برّمته، وإلى آليّة ومطيّة لصفية الحسابات الشخصيّة، وتثبيت دعائم دكتاتوريّة جديدة، معتبراً أن المطلوب أولاً، وبالأساس نسبة الفعل الإجرامي إلى صاحبه، وذلك قصد كشف الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة وردّ الحقوق إلى أصحابها.

ورصد عبد الكريم مجري، أستاذ التاريخ المعاصر في منوبة بتونس، العدالة الانتقالية بالدول الإفريقية، مركزاً على حالة سيراليون، خلص فيها إلى أن تجربة هذه الأخيرة حققت، ولو نسبياً، الأهداف التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مثل البحث عن الانتهاكات ومعاقبة المسؤولين عنها ومنح الضحايا تعويضات ووضع أسس للمصالحة والاندماج الاجتماعي.

وفي ورقته حول "إشكاليات العدالة الانتقالية في موريتانيا.. بين فداحة الانتهاكات وتحديات التطبيق"، نبّه ديدي ولد السالك، رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، إلى أن ملف حقوق الإنسان في موريتانيا، ليس ملفاً واحداً ولا يمكن معالجته بنفس الصيغ والآليات، بل ينبغي النظر إليه من زاويتين مختلفتين، لاختلاف الخلفيات التاريخية واختلاف طرق التسوية وإمكانيات الحل وآفاقه.

وسلط ادريس أسوكام، أستاذ القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي، الضوء على مسألة العدالة الانتقالية وكيفية تحقّقها، وسبل إرساء سلم مستدام. وأكد أن الأساس هو إقرار مبدأ المساءلة كما في بعض التجارب الديمقراطية، ودعا إلى ضرورة العمل على التخفيف من سياسة الانتقام بالعمل على بناء الثقة والعمل على المصالحة مع الذات.

وقدّم ادريس آيت لحو، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش، تقييما سوسيولوجيا سياسيا للعدالة الانتقالية، من خلال تحليل سياقها، ورصد مختلف التحولات التي عرفها العالم وساهمت في نشر ثقافة وقيم جديدة في عالم "الحداثة المتّقدة"، حيث تطرق إلى مميزات هذه الحداثة، مشيراً إلى تلك المفارقة القائمة بين ما هو قانوني، من جهة، وواقعي ميداني، من جهة ثانية.

أما سامية قرايش، من كلية الحقوق بالجزائر، فركّزت، في ورقتها، على مفهومي التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية، واعتبرت أن تطبيق مختلف تدابير العدالة الانتقالية سيقوي حركية السعي نحو الديمقراطية، وإرساء السلم داخل المجتمعات، كما اعتبرت أن العدالة الانتقالية تهدف إلى رد الاعتبار لدولة القانون.