«الموظفون هم السياسة»، قول مأثور ينطبق على السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يحدد مفاصلها الاساسية خمسة هم الأكثر تأثيراً بقرارات الرئيس.

خاص بإيلاف من واشنطن: لو أردت فهم ما يدور في فلك السياسة الخارجية الأميركية، ما عليك سوى النظر الى الشخصيات الرئيسة الأكثر تأثيراً، والمحيطة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويؤكد عهد ترامب صحة القول الأميركي المأثور: «الموظفون هم السياسة».

وبنظرة معمقة الى سياسة ترامب للأمن القومي، تبدو الأمور تقليدية، وتتلاشى التوجهات نحو أميركا أولا، والانعزالية الجديدة. 

وعلى الرغم من استمرار اطلاق الرئيس للإشارات المربكة، إلا أن بعضاً من الشعارات التي اطلقها الرئيس بدأت تغيب، بينما يطغى على قراراته ما يمكن وصفه بالمتوقع والعادي.

على هذا الأساس، تحولت حملة المودة الزائدة تجاه روسيا إلى خبر كان. ولم تقع حرب تجارية فورية مع الصين، ولا ألغي الاتفاق النووي الإيراني، ولا انتقلت السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس. 

في المقابل، تعد حاملات الطائرات، التي تقترب من كوريا الشمالية كتحذير من الخلافات النووية التي يشنها النظام، علامة إضافية على تبني دور عالمي بدلاً من التراجع عنه.

هذه التحركات كانت لتبدو متوقعة لو أقدم عليها رئيسٌ جمهوري أكثر تقليدية، أو حتى المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وخصوصاً أنها خطوات أقل من عادية، ولا صلة لها بالخطوات «الاستثنائية» التي كان يترقبها الأميركيون من ترامب.

هل كانت اللهجة التي بنى عليها ترامب حملته موسمية؟

من السهل أن نرى بصمات مجموعة اللاعبين الخمسة الكبار، الذين يؤدّون دوراً في تشكيل نهج الإدارة: وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وزير الدفاع جيمس ماتيس، مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر، ووزير التجارة ويلبر روس، وصهر الرئيس المستشار جاريد كوشنر.

 

وزير الخارجية ريكس تيلرسون

 

أولئك الخمسة تعاونوا على جعل استراتيجية الإدارة مستقرّة ودفعوها إلى مسار أكثر تقليدية. 

في الوقت نفسه، إنّ المستشار الأول لشؤون الأمن القومي في الإدارة، مايكل فلين، لم يعد موجوداً؛ والمساعد الاستراتيجي الرئاسي الأول ستيف بانون أصبح خارج لجنة مديري مجلس الامن القومي، وتراجعت صورة المستشار التجاري بيتر نافارو. ولكل منهم آراء مختلفة، لكنّهم يظهرون إجماعاً في إبقاء توجّهات النظام التقليدية.

تقل العناصر المشتركة بين اللاعبين الرئيسيين في السياسة الأميركية اليوم، تيلرسون وماتيس، فوزير الخارجية تيلرسون هو الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، وقد اكتسب خبرته من خلال التمرس في مجموعة من الشركات عوضاً عن بناء الخبرة من البنتاغون او من أرض العراق. أما وزير الدفاع، ماتيس، فجنرال متقاعد من البحرية الأميركية، شكلت سنوات النقاش واتخاذ القرارات الأمنية خبرته.

 

وزير الدفاع جيمس ماتيس

 

وعلى الرغم من قلة العناصر المشتركة بين الرجلين، الا أن الجامع بينهما عنصر أساسي: الرجلان عازمان على الاتفاق في نقاشات الإدارة الأميركية حول قضايا الأمن القومي الأميركي الهامة. ويترجم عزمهما هذا في عملهما معاً لإعفاء العراق، الدولة التي تحالفت معها الولايات المتحدة في الحرب، من الحظر الاولي الذي فرضه ترامب على المسافرين الوافدين من مجموعة من الدول ذات الغالبية المسلمة. وكلاهما متشدد بشأن إيران، ولكنهما لا يعتبران أنّ خرق اتفاق إدارة أوباما النووي مع طهران سيكون خطوة حكيمة؛ لذا بقي على حاله.

كما أنّهما تعاونا إداريًا لإعادة التأكيد على أهمية الحفاظ على التحالفات التقليدية، ولا سيما حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من تعليقات حملة ترامب التي قللت من أهميتها هذه التحالفات.

لكن ما الوضع الدولي الأكثر خطورة الذي يواجهه ترامب؟ 

في خضم التهديدات المتعددة في جميع أنحاء العالم، يحلل البعض لماذا يجب أن تكون كوريا الشمالية، بدلاً من سوريا، على رأس القائمة.

ولعل أكثر ما يفاجئ هو استخدام تيلرسون لهجة أكثر صرامة تجاه روسيا، وخصوصًا أنه كان قد طور نوعاً من الصداقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مسيرته المهنية. (قد يحصلون على فرصة جديدة للتقارب عندما يزور الوزير موسكو يوم الأربعاء المقبل).

وفي الأيام الأخيرة، واظب تيلرسون على توجيه الانتقادات العلنية الى روسيا، في أعقاب الضربة الأميركية الصاروخية ضد نظام بشار الأسد السوري، الذي يدعمه الكرملين. وقال تيلرسون في مقابلة مع شبكة (سي بي اس) الاحد الماضي إن الهجمات السورية الاخيرة على الاسلحة الكيميائية تظهر ان الروس إما «متواطئين أو غير كفوئين أو أنهم أقل دهاء من نظام الأسد». أضاف: «على اي حال، فشلت روسيا» فى التزامها بتخليص سوريا من الاسلحة الكيميائية.

وفي الوقت نفسه، يعيد الجنرال ماكماستر تشكيل مجلس الأمن الوطني وموظفيه حسب رغبته. فلم يعد بانون عضواً رسمياً في المجلس، وكذلك سيغادر نائبة مستشار الأمن القومي، ك. مكفارلاند، لتصبح سفيرة في سنغافورة.

 

مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر

 

من ناحيته، وجّه روس خطابًا تجاريًا بعيدًا عن التهديدات باتخاذ إجراءات أحادية الجانب، وأقرب إلى القنوات الأكثر تقليدية. وقد نتج عن اجتماع القمة الاسبوع الماضي مع الصين، اتفاق على بعض المحادثات الثنائية الصعبة، بيد انه لم يتم التوصل الى اي انقطاع فى العلاقة.

 

وزير التجارة ويلبر روس

 

ولا يزال هناك نهج جديد إزاء التجارة، ولكن يبدو أن الإدارة تستخدم القنوات التقليدية للاستجابة إلى سوء السلوك الصيني الملموس. إضافة إلى ذلك، ساهم روس في تخفيف حدة التوتر التجاري مع المكسيك؛ وسيجري تنقيح اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

 

صهر الرئيس المستشار جاريد كوشنر

 

ويصعب تحديد دور كوشنر بوضوح، لكنه أنشأ تحالفات مع اللاعبين الرئيسيين الآخرين.

لا يزال الوقت مبكراً لتكوين تصور دقيق حول اتجاهات السياسة الخارجية في عهد ترامب، لكن بعض المؤشرات بدأت تظهر. أما من ناصر ترامب لشعاراته الاستثنائية، فلا يشعر بالرضى التام عن ميله اليوم نحو النهج التقليدي. فلنقل إن هذا الميل يعطي الادارة الاميركية مساحة للتنفس قليلاً.

ترجمة ابتسام الحلبي