الدكتور عودة أبو ردينة

لكي تكون سفيراً فاعلاً ونافذاً في واشنطن، يجب أن يرى المعنيون الأميركيون أن لك صلات ومداخل مع صانعي القرار في عاصمة بلادك. كذلك يجب عليك أن تثبت أن حكومة بلادك تصغي الى ما تقول، فتستمع الى آرائك وتوصياتك. وعلى السفير وحكومته التي يمثل أن تكون لديهم استراتيجية واقعية ليكون للسفير في واشنطن مداخل مجدية ذات معنى الى مختلف مراكز القوة في العاصمة الأميركية، سواء في البيت الأبيض أو الكونغرس، أو وسائل الإعلام، أو مراكز البحوث والدراسات. فالديبلوماسية لا تعمل في الفراغ، وليس سبيلها الى الإقناع أن تكون بليغة الخطاب في ممارساتها، بل بإقامة توازن بين الحوافز والمخاطر. وبالتالي فإن السفير في واشنطن يجب أن يكون عالي الكفاءة ويعرف كيف تعمل واشنطن.

فالديبلوماسي الناجح في واشنطن عليه أن يسير بموجب «قانون لوفتوس»، نسبة الى الصحافي جو لوفتوس الذي عمل طيلة ربع قرن في جريدة «نيويورك تايمز». والقانون الذي وضعه هذا الصحافي العريق بغية كسب ثقة وسائل الإعلام يتلخص بالنقاط الخمس التالية:

1 إياك أن تكذب أو تحاول التضليل. فالصدقية أمر ثمين للغاية، فلا يجوز إساءة استخدامها. فإذا فُقدت يتعذَّر استرجاعها.

2 يجب أن ترد على الأسئلة بأجوبة مباشرة، ولا تخشى أن تقول لسائلك أنه ليس لك تعليق على كلامه.

3 إياك أن تدعو الى مؤتمر صحافي ما لم تكن لديك أخبار تريد إذاعتها. فالصحافيون يحصلون على معيشتهم بالحصول على عناوين لصحفهم، خصوصاً إذا كانت تصلح للصفحة الأولى. ولذلك فإنهم يتوقعون التقاط قصة مثيرة عندما تدعوهم الى مؤتمر صحافي. فإذا خاب ظنهم، فإنهم يحاولون خلق قصة باستدراجك الى التفوه بكلام تافه.

4 ساعد المراسلين الصحافيين على تصويب الوقائع. فالصحافة هي من أهم وسائل الاتصال مع الرأي العام، فلا تتصرف على أساس أن الصحافيين معادون لك، حتى لو كان ذلك مغرياً في بعض الأحيان.

5 كن مبادراً في الكشف عن الأخبار، بمعنى أن تجعل نفسك جزءاً من القصة الأصلية، لأن أحداً لا يقرأ قصة قوامها ردة الفعل. ولذا، عليك أن تكون سريعاً ولا تتردد أو تُحجم.

لا يكفي أن يجيد السفير التكلم باللغة الإنكليزية. فالشيء المهم هو أن يكون قادراً على الإقناع العقلاني بالمهارات التحليلية. ولا يسعفه البروز الاجتماعي والظهور في وسائل الإعلام الاجتماعية لكي ينظر اليه صانعو القرار في واشنطن على أنه سفير جدِّي.

إن السفير الممتاز هو الذي يُظهر التواضع المرافق لحب الإطِّلاع والاستطلاع، فلا يجوز خلط الديبلوماسية مع سلاسة الكلام وزلق اللسان.

يضاف الى ذلك أن السفير الممتاز من الدرجة الأولى يجب أن يكتسب العادات التالية، لأن «الفاعلية» كما يقال هي «عادة»:

1 أن يكون «نشطاً».

2 أن يبدأ وفي ذهنه مبتغاه في نهاية المطاف.

3 أن يسعى أولاً الى الفهم ثم الى الإفهام.

4 أن يتعلم العمل مع الآخرين.

&5 أن يفكر بحالات الربح المزدوج.

أما العناصر الأخرى للنجاح فهي:

1 أن يقوم بالاستعدادات والتحضيرات لمهماته.

2 أن يفكر ملياً قبل أن يتكلم.

3 أن يكون له حلفاء نافذون.

4 السفير الناجح هو نتاج اقتران التحضير والاستعداد بالفرصة السانحة.

إن السفير الاستراتيجي هو الذي يقيم «شبكة كثيفة من العلاقات مع أناس يكونون معه في بعض الأحيان وقد لا يكونون معه مرات». ويقول جورج شولتز وزير الخارجية والمالية الأسبق إن أحد أفعل المخططين الاستراتيجيين في واشنطن هو برايس هارلو الذي «كان يقوم بتشكيل وإعادة تشكيل التحالفات لبلوغ مواضيع محددة".

وكان يعتقد بأن الناس يجب أن تعرف أنك خصم عنيد وتقاتل بشدة وبمهارة للدفاع عن وجهة نظرك. ويضع هارلو نصب عينيه بعض القواعد البسيطة، منها: أن ترد على المكالمات فوراً، أن تتعامل مع أعضاء الكونغرس تعاملاً مستقيماً، وأن لا توافق أبداً على فعل شيء تعرف أنك لا تستطيع فعله. ومن أبرز شعارات هارلو وأهمها قوله: «إذا أعطيت كلاماً أو وعداً فإنه يجدر بك أن تفي بكلامك ووعدك، لأنك بذلك تبني الثقة». أو كما قال: «الثقة هي العملة الرائجة في هذه البلاد».

فإذا قال سفير من السفراء إن هناك أمراً غير مقبول، وليست هناك رغبة في فرض النتائج عندما يحصل الأمر، فإن كلماته تفقد معناها ويفقد معه صدقيته. «فأن تقابل خصمك ليس دليل ضعف، لأن الشيء المهم هو ما تقوله».

أما السفير الحذق فإنه يفهم «أن التبجح بادعاء القرب من أهل السلطة هو شيء خطر، وأنه من النادر أن تكون هناك صداقات حقيقية غير قابلة للانفكاك».

وفي نهاية الأمر، فإن واشنطن هي مكان يدور حول السلطة وبلوغ السلطة. في ذلك المكان الذي يدعى واشنطن إما أن تكون «من الدائرة الخارجية» أو تكون «من الدائرة الداخلية» ولا ثالثة لهما.

والنقطة الأخيرة، وربما الأهم، أن على السفير العامل فيها أن لا ينحاز الى أي فريق في السياسة الداخلية الأميركية، لا في السر ولا في العلن. ذلك أن الهمس في أذن وسائل الإعلام الأميركية سوف يجد طريقه دائماً الى الطرف الآخر. إنه خطأ فادح ومدمر للسفير ولبلاده أن يُنظر اليه بأنه يحابي سياسة فريق ضد فريق آخر. هذا الأمر يلحق ضرراً هائلاً ببلاده ويسد الطرق في وجهه لانعدام الثقة به.

------------------------------
هذا المقال تنشره "إيلاف" بالاتفاق مع تقرير "الديبلوماسي" الصادر في لندن