أثار وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، جدعون سار، جدلاً في مؤتمره الصحفي الافتتاحي عندما أعرب عن قلقه العميق إزاء "استمرار القمع للکرد من قبل العديد من دول الشرق الأوسط". وقال إنَّ "إسرائيل تشعر بالقلق إزاء الوضع الصعب الذي يواجهه الكرد في العديد من البلدان"، مضيفاً أنه "يجب على الشعب الكردي الحصول على حقوقه المشروعة في تقرير المصير والعيش في سلام، ونحن نعتبر القضية الكردية واحدة من هذه القضايا التي تستحق الدعم الدولي".
ويبدو أن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد تتعارض مع مواقف بلاده الاستراتيجية تجاه القضية الكردستانية، مما يشير إلى أن إسرائيل ربما تحاول الاستفادة من هذه القضية المشروعة في إطار مصالحها السياسية. ومن هذه التصريحات يمكن استنتاج أنه ربما تهدف إسرائيل إلى:
1. ممارسة الضغط على المنافسين الإقليميين: من خلال دعم الكرد، يمكن لإسرائيل أن تخلق مصدراً لعدم الاستقرار للمنافسين الإقليميين مثل العراق وسوريا وإيران وتركيا. ويجب أن يُفهم ذلك أيضاً على أنه محاولة لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع هذه الدول، خاصة في ضوء التوترات التاريخية بين إسرائيل والعديد منها.
2. التحالفات الاستراتيجية: تعاونت إسرائيل في بعض الأحيان مع الجماعات الكردستانية، خاصة في القتال ضد داعش، حيث لعب المقاتلون الكردستانيون (البيشمركة والشرفانيين) دوراً حاسماً.
وتطرح أسئلة مهمة: إذا كانت إسرائيل تدعم بالفعل القضية الكردستانية، فلماذا لم تدعم ثورة أيلول (سبتمبر) 1975 بعد اتفاق الجزائر؟ ولماذا دعمت مساعي تركيا لاعتقال الزعيم الكردستاني البارز عبد الله أوجلان؟ ولماذا صمتت عندما أُجري استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان عام 2017؟
التحول الاستراتيجي: من الحذر إلى التعاون
تصريحات الوزير ليست جديدة في سياق دعم إسرائيل للقضايا الإنسانية في بعض "المناطق الساخنة". لكن هذه التصريحات تحمل دلالات سياسية، خاصة في ظل التغيرات الائتلافية في المنطقة. وعلى الرغم من موقفها التقليدي الحذر تجاه الكرد في الماضي، بدأت إسرائيل مؤخراً في تعزيز علاقاتها مع بعض الأحزاب الكردستانية، خاصة في ظل التوترات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. قد يكون هذا التحول مرتبطاً بمصالح أمنية واستراتيجية تتعلق بمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة، إذ ترى إسرائيل في دعم الكردستانيين حليفاً لها في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. من ناحية أخرى، قد لا تكون هذه التصريحات سوى تعبيرات عن موقف يهدف إلى التضليل الإنساني، خاصة وأن إسرائيل قد استخدمت مثل هذه التصريحات في الماضي لبناء صورة دولية تُظهر التزامها بحقوق الإنسان.
يبقى موقف وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد تجاه اضطهاد الكرد قضية تستدعي المزيد من التحقيق. ورغم أن تصريحاته قد تعكس موقفاً إنسانياً، إلا أنها تحمل أيضاً أبعاداً استراتيجية قد تكون مرتبطة بتوازن القوى الإقليمي في الشرق الأوسط. بالنسبة للشعب الكردستاني، تبقى القضية الكردستانية في قلب الصراع الإقليمي والدولي ومن الأهمية بمكان أن تتضافر الجهود الدولية لدعم حقوق الكردستانيين في المنطقة بعيداً عن استخدامهم كورقة ضغط سياسية.
يمكن ملاحظة كيفية تأثير هذا الموقف الإسرائيلي على المنطقة بشكل أكبر، مثل تبعات الدعم الإعلامي الإسرائيلي للكرد على علاقاتها مع دول مثل تركيا وإيران، وخاصة في ضوء ما يجري في تركيا حالياً، حيث يثار الجدل حول الإفراج عن عبد الله أوجلان. يمكن أن تكون هذه القضية بمثابة ضغط على الحكومة التركية واهتمام إيران بالكرد في سياق مشاركتهم في السلطة، خصوصاً بعد مقتل الرئيس الإيراني الأسبق إبراهيم رئيسي. في ظل التغيرات السياسية الأخيرة في إيران، ازدادت أهمية مشاركتهم السياسية في السلطة، مما يزيد من تعقيد العلاقات الإيرانية مع الكرد في ظل التوترات الإقليمية.
التعليقات