من الصحف العملاقة الأميركية خاصة مثل الغارديان، نستشرف بعد التأثير المخيف والمرعب لفوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة لهذا العام 2024 على مجمل العلاقات الإنسانية في العالم وفي داخل الولايات المتحدة الأميركية التي عبرت عنها موريا مونيغان، المعلقة في صحيفة "الغارديان" في طبعتها الأميركية، متحدثة عن نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة والتي عاد فيها الرئيس السابق إلى البيت الأبيض ليحكم أميركا ويتسلط على العالم. إن "اليوم هو يوم اليأس لأميركا، وغرقنا في حزن متوقع".

أما تأثير سياسة ترامب على الداخل الأميركي فليس لنا شأن بها نحن العرب والمسلمين، ولكن الذي يهمنا أسس ومنطلقات السياسة الخارجية لهذا الرجل الذي يقف على الضد من تطلعات العرب والمسلمين، وفي أهم قضية محورية تشغل العالم وهي قضية فلسطين.

لقد كانت الأخبار على مستوى التوقع والتحليل والتقييم من داخل أميركا ومن خارجها قبل الانتخابات كلها أنه في جعبة ترامب السياسية الخارجية في حالة فوزه بالانتخابات لا يوجد فيها ما ينفع العرب ولا المسلمين ولا قضية فلسطين ولا جنوب لبنان.

لذلك أرى أن مسار الأحداث بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية سيكون صاحب الحظوة فيه والفائز بالغنيمة الكبرى هو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي سوف يحقق جميع أهدافه الجيوسياسية. بالإضافة إلى عوامل الصداقة القوية الشخصية التي تربط بين الرجلين، فكلاهما متهم بالفساد داخل بلاده ورغم ذلك يحكمها، كما أنَّ ترامب معروف بموقف الثابت في اصطفافه إلى جانب إسرائيل ودعمه لها الذي لا يتغير. وهذا يشكل رافداً قوياً يرفد هدف نتنياهو الأسمى وهو تشكيل الشرق الأوسط طوبوغرافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وفق تصورات ورؤى نتنياهو للعلاقات الدولية والإقليمية في هذه المجالات.

وكذلك، وهو الأهم في أولويات سياسة ترامب الخارجية، والذي سوف تكون له انعكاسات خطيرة على وضع الفلسطينيين السياسي والطوبوغرافي، فلا أنسى والكل معي تأييد ترامب العملي القوي في أن تكون القدس عاصمة إسرائيل الدينية والتاريخية خلال إدارته الأولى السابقة للحكم، وبادر من فوره إلى نقل السفارة الأميركية إليها وأرسل ابنته إيفانكا للذهاب إلى الأرض المحتلة. وهذا أمر يتعلق بموقف ترامب الداعي والمؤيد لتغيير خارطة وزيادة سعة مساحة الأرض المحتلة لصالح الكيان المحتل وله تصريحات مستمرة بهذا الشأن حتى بعد خروجه من عالم السلطة والحكم في أميركا في العام 2020 إلى اليوم.

ولكن ترامب له تصريح أدلى به خلال حملته الانتخابية من أن إسرائيل صغيرة الحجم ولا بد من صيغة لتوسيعها. وهل يوسعها ترامب باتجاه القمر أو المريخ؟ لا بد والحال بهذه الصفة من توسيعها على حساب دول الطوق وهي مصر والأردن وسوريا، علاوة على نية الحكومة الإسرائيلية بضم شمال الضفة الغربية وابتلاع قطاع غزة بالكامل.

إقرأ أيضاً: واقعية هوكشتاين وطوباوية ميقاتي

وهذا ما سيعمل عليه مجددًا ترامب في الأيام القليلة القادمة من طريق ضم أراضٍ فلسطينية وعربية جديدة إلى الحيز الجغرافي لإسرائيل. فهو كان يخطط خلال فترة حكمه الأولى من العام 2016 إلى العام 2020 لضم الجولان إلى إسرائيل بشكل علني، فضمها، وربما في ولايته الراهنة سيسعى إلى ضم سيناء ومحور فيلادلفيا وجنوب لبنان وأغوار الأردن. وقد قرأت تصريحًا لأحد الساسة الأردنيين أشار فيه إلى أن الأميركيين أصدقاء الأردن الرسمي، ولكن لا يمكن الاعتماد عليهم، وأكد أن الاجتياح الإسرائيلي للأراضي الأردنية واقع لا محالة.

الرئيس الأميركي الجديد له خط سياسي خارجي شعبوي جديد يفسره البعض من المحللين والمراقبين والعارفين بطبيعة ترامب السياسية من خلال فترة حكمه السابقة على أنه خط (انتقامي)، وهو في جانب كبير منه ينطوي على التنكيل بالعرب والمسلمين على مستوى الأنظمة الحاكمة وعلى مستوى الشعوب.

إقرأ أيضاً: الهجوم الإيراني على إسرائيل من زاوية عسكرية

وباختصار، ونحن في انتظار استلام ترامب دفة إدارة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية بعد شهرين من تاريخ فوزه بالانتخابات الرئاسية وهو سياق نمطي معتمد في نظام الحاكمية للإدارة الأميركية، نسأل: هل ستكون لإدارته تداعيات خطيرة كما يتوقع البعض على الديمقراطية وحكم القانون في أميركا، وهو الذي حطم هيبتها وكسر شوكتها عندما خسر الانتخابات الرئاسية السابقة أمام الرئيس الحالي المنتهية ولايته جو بايدن بعد أن أمر أنصاره بمهاجمة مبنى الكابيتول في الكونغرس، مما أدى إلى مقتل بعض الأشخاص وإلحاق أضرار بالمبنى؟

غير أن المخاطر الكارثية لحكم ترامب على منطقة الشرق الأوسط والعالم ستكون بحجم متعاظم لا تعرف حدوده، خصوصًا تجاه الصين التي تنافس أميركا على قطبيتها الواحدة في زعامة العالم. ولكن روسيا أرى أنه سيغض النظر عنها لأن الاستخبارات الروسية لديها أوراق ضده تتضمن فضائح كان هو بطلها شخصيًا قد تفضحه بها، وقادم الأيام سيكشف المستور.