تحرك المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين من أجل إيجاد هدنة وتسوية بين حزب الله وإسرائيل لوقف القتال في الجنوب اللبناني، لكن هناك عائقاً إسرائيلياً في طريق هذه التسوية المزعومة، أوردته صحيفة (يسرائيل هيوم) العبرية، التي نقلت عن مصدر سياسي (لم تسمّه) قوله "إنَّ المسودة المشار إليها، والتي تم تسريبها، قديمة وليست ذات صلة".
نعم، هذا أكيد؛ إذ أنَّ القيادة الإسرائيلية أعلنت على لسان الكثير من مسؤوليها أن لا مفاوضات لوقف إطلاق النار، بل المفاوضات ستجري إن تمت الموافقة عليها من قبل إسرائيل، والحرب مستمرة. وهذا المبدأ موجود على مستوى العالم ويستخدمه الأقوياء، فهم لا يقبلون بتسوية من خلال الأساليب والطرق السلمية وإنما من خلال آلة الحرب وفوهات البنادق، وإسرائيل المدعومة من قبل أميركا بأقوى الأسلحة ترى نفسها قادرة على فرض منطقها العسكري هذا.
وهذا يعني أن ما نقلته "يسرائيل هيوم" عن المسؤول الإسرائيلي هو تعبير عن الموقف الرسمي الإسرائيلي الذي يقوده بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، والذي فيه شبهة تأكيد على أنَّ إسرائيل تتنصل مقدماً من تنفيذ مسودة الاتفاق المقرر من قبل الوسيط هوكشتاين، وأنها تريد أن تستمر بالحرب لتحقيق هدف "الشرق الأوسط الجديد" تحت قيادة إسرائيل وبإشراف وتوجيه من أميركا.
وتبقى موافقة حزب الله اللبناني على مسودة القرار ورقة تحمل براءة ذمة هذا الحزب والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تدعمه من الرغبة في استمرار الحرب، وأنهما جهتان تنشدان السلام وتتشبثان به وتسعيان إليه من أجل حماية السلم والأمن العالميين من المخاطر التي تهددهما في استمرار الحرب بين إسرائيل والمقاومة، والتي تؤدي حتماً مع استمرارها وعدم إيجاد حل جذري سريع يساهم في وضع حد دائم لها إلى تصاعد التوتر وتردي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
أقول هذا وأنا أجد في هذه المسودة ثغرة تشير إلى احتفاظ كل من الطرفين بحق العودة للحرب وتجديد القتال إذا ما قام الطرف الآخر بخرق الاتفاق. وهذا يجعل الاتفاق على "كف عفريت"، تتحكم به الرغبة السياسية والأهداف الاقتصادية والطوبوغرافية للطرف الإسرائيلي؛ فالأهداف الإسرائيلية المعلنة وفق منظور استراتيجي ثابت لا يتغير تحتل مكانة مركزية رفيعة في نسيج الفكر والثقافة الدينية الصهيونية اليهودية التي تتشبث بفكرة "أرض الميعاد" و"الوطن القومي لليهود".
إقرأ أيضاً: الثورة ورجالها
وعليه، فإنَّ الأهداف القومية والدينية لإسرائيل تقتضي عدم توقف الحرب، ولا بدَّ لإسرائيل من أن تخرج بنتيجة مربحة من هذه الحرب، كما تعودت على ذلك في حروبها مع العرب منذ العام 1948 إلى اليوم.
ولكن لا بد من أن نقول الحق؛ الجهود الدبلوماسية والسياسية المتواصلة التي يقوم بها الوسيط الأميركي هوكشتاين حقيقية، تلتمس وقفاً سريعاً لإطلاق النار، في ظل الإصرار الصهيوني على مواصلة الحرب. فالرجل لديه مشاعر ومواقف وأحاسيس إنسانية جادة، تلتقط الظلم وتحاول أن تخفف أضراره على الناس الأبرياء، وهذا ما لمسناه منه نحن العراقيين يوم كان وسيطاً بين الإدارة الأميركية والنظام الصدامي، فقد بذل جهوداً كبيرة من أجل تخفيف شروط الحصار عن الشعب العراقي، لكنه لم يفلح؛ فالمواقف السياسية المتشنجة للطرفين لم تسمح بذلك وحالت دونه.
إقرأ أيضاً: الإعلام الخبيث وحرب إيران وإسرائيل
من هنا، فإن هوكشتاين جاد في مساعيه لوقف إطلاق النار في لبنان، وحزب الله كذلك يسعى بجدية لوقف إطلاق النار. لكن هذين الموقفين، إضافة إلى موقف التفاؤل الحذر (الطوباوي) الذي يتبناه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، جميعها تصطدم بالموقف المتعنت لنتنياهو، الذي يرفض أي تسوية ويفرض بالمقابل شروطاً تعجيزية وبالقوة العسكرية للموافقة على وقف إطلاق النار، وليس من طريق الشرعية الدولية والوساطات الحميدة للوسطاء الدوليين، يتقدمهم اليوم السيد هوكشتاين.
التعليقات