لا أحد في المغرب، ولا في أي بلد آخر يعرف تاريخ هذا البلد العريق جيداً، له القدرة أو الإمكانية على أن ينكر عبقرية وذكاء الراحل الحسن الثاني وقدرته على إدارة حدث بمستوى المسيرة الخضراء. مسيرة يخلد ذكراها الشعب المغربي بكل فخر واعتزاز في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل سنة. ذكرى تحمل الكثير من الدلالات، ذكرى تغوص في وجدان شعب، لا يزال يتلقى الضربات من قبل من شهد التاريخ أنه كان في طليعة من قدم العون للجيران في كفاحهم ضد استعمار غاشم، احتلال قتل وشرد، وأنهك مقدرات الشعوب سنين وسنين طويلة، بل ساهمت سياساته الاستعمارية في مشاكل بنيوية اقتصادية واجتماعية ولغوية وثقافية، سياسة أصبح من الصعب نزعها من وحل مستنقع اسمه التبعية.

ولعل حكمة قيادة البلاد في إدارة الأزمة المفتعلة والآخذة في السير باتجاه منعرجات كثيرة محفوفة بالمخاطر، عنوانها الاستفزازات المتكررة، بدءاً بقطع العلاقات الدبلوماسية، مع إغلاق طويل للحدود البرية والجوية والبحرية، مروراً بوقف تدفق الغاز عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي، وصولاً إلى الاتهامات الجوفاء والاستفزازات الميالة لجر المنطقة لحرب مدمرة، استفزازات موسومة بسياسات خارجية غير ثابتة، تتوخى لي ذراع البلاد وإطالة أمد الصراع، وذلك بغية استمرار الضغوطات على بلد يشهد له التاريخ أنه ظل موحداً أرضاً وشعباً وديناً وثقافةً. ولعل خطاب جلالة المرحوم المجاهد محمد الخامس كان خير دليل على ذلك، خطاب ألقاه في مدينة طنجة سنة 1947، وأكد فيه على وحدة الأرض والشعب في مجابهة قيم الاستعمار التي أرادت تمزيق الشعب على أساس عرقي مقيت، من خلال ظهير سمي بالظهير البربري، وحدود وهمية لبلاد واحدة، حدود بنتها قوى استعمارية، كان الهدف الوحيد منها هو تصريف أزماتها المتعددة المشارب، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

وحدة المغرب والمغاربة هي تاريخ طويل من الكفاح، لا يحتاج للسرد، ما دامت كل المراجع والمصادر التاريخية جازمة في ذلك، بالرغم من اختلاف الكتابات التاريخية.
كما أن المملكة المغربية لم يسبق لها في تاريخها أن عاكست الوحدة الترابية لبلد ما، فما بالك بالجيران، خاصة الشقيقة الجزائر التي تجمعنا مع شعبها الرائع أواصر الأخوة، والدين، واللغة، والتاريخ المشترك، وزد على ذلك الكثير.

إقرأ أيضاً: الشرق الأوسط و"طبخة" اللغز الغريب

بيد أن بعض الهفوات التاريخية والطموحات الجيوستراتيجية قد تنحرف عن المسار الصحيح، في اتجاه وهم اسمه العظمة، والهيمنة، والحصول على منافع استراتيجية توسعية، على حساب أرض محسوم مصيرها بالتاريخ والجغرافيا، أرض ووحدة أصبحت عقيدة راسخة في كينونة الشعب المغربي المخلص لمقومات دولته المعروفة، والمبنية على أسس اسمها المغرب للمغاربة، والحق لن يضيع ما دام هذا الحق من أسماء الله الحسنى.

تغيير عقيدة العداء للوحدة الترابية من قبل من يتحكمون في زمام الأمور في الجهة الشرقية هو تغيير لمسار طويل من الفراغ، الذي لم يسفر إلا عن التخلف والتقهقر في جميع الميادين بدون استثناء. والشجاعة قد تكون بكلمة واحدة أو عبارة واحدة، عبارة يمكن تلخيصها في أننا كجيران نعترف بأرض المملكة المغربية وبشعبها الواحد، ولا مجال للماضي من الآن، والذي كلف المغرب العربي الكبير الكثير.

إقرأ أيضاً: وهم تقرير المصير وعدالة القضية المغربية

عبارة ستقلب كل شيء، وتعيد الأمل، وتحيي الروابط، وتبني الثقة، وتعيد سكة التنمية إلى مكانها الصحيح، وتمسي البلدان المغاربية آنذاك في نهضة اقتصادية واجتماعية لا مثيل لها.

تحية كبيرة لحكمة ودبلوماسية عاهل المملكة المغربية محمد السادس، هذه الحكمة التي تسعى إلى السلم والسلام في منطقة استراتيجية يعرف أهميتها من له خبرة في دهاليز السياسة العالمية. حكمة عنوانها لا للدفع بالمنطقة نحو المجهول، وتتوخى النهوض بالأوضاع الاقتصادية وتحسين أوضاع شعوب المنطقة المغاربية.