هذه الصراعات التي تدور حول العالم أصبحت هواية ومتعة للكائنات الدموية الوحشية التي تسمي نفسها بشراً. نبدأ الحديث عنها بأبسطها وأكثرها متعة، ألا وهي صراع الديكة. المعروف عن صراع الديكة أنه صراع يتم بين نوعين من الديكة لأجل المتعة والمراهنة، وينتهي هذا الصراع باستنزاف أحد الديكة أو انسحابه. إنها لعبة قديمة وما زالت قائمة. في الحضارات القديمة كالحضارة الإغريقية مثلاً، كانت هذه الصراعات تتم بطُرق أخرى، مثل صراع المتقاتلين لأجل متعة الملك أو الأمير، وتكون نهايتها كنهاية صراع الديكة.

أما في العصر الحديث، فأصبحت هذه الصراعات متشعبة بطرق مختلفة، منها الملاكمة أو المصارعة أو أية معركة قتالية يُتوَّج فيها البطل بالأوسمة والميداليات، بل وأصبحت لها بطولات عالمية وأولمبية. انتقلت لعبة صراع الديكة إلى السياسة، فأصبحت الدول القوية تستخدم نفوذها أو وكلاءها في دول أخرى، أو عبر أحزاب سياسية أو ميليشيات مسلحة للصراع بالنيابة عنها، من أجل الدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية والأيديولوجية.

وبملاحظة سريعة، نجد أن صراعات الدول القوية عن طريق الوكلاء تتم غالباً في الدول التي تعاني نزاعات دينية وقومية وطائفية، وتحت أنظمة حكم ضعيفة وفاسدة، إذ إنها أرض خصبة لمثل هذه الصراعات. وبالطبع، الدول الإسلامية، بما تتسم به من تنوع ديني وقومي ومذهبي، إضافة إلى الجهالة والظلم، هي الأكثر خصوبة لمثل هذه اللعبة، للأسباب التي ذكرناها، إلى جانب رخص دم الإنسان فيها وسهولة سحق كرامته.

أما في الدول المتقدمة، فقد وضعت تلك الأنظمة القوية الحلول لهذه الصراعات عبر تحويلها إلى أسلوب حضاري وديمقراطي، من خلال الاحتجاجات والتظاهرات السلمية. وفي العقود الأخيرة، تحولت كل أنواع المواجهات إلى الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، فتشتد هذه المواجهات لفترات، ثم تخمد بعد زوال أسبابها، خصوصاً في مراحل الانتخابات. أما في مجتمعاتنا، فقد تحولت هذه الصراعات إلى أشكال أكثر دموية، خاصة بعد تدخل العشائر (وهذا ما كان ينقصنا)، وانتشرت بين الأقوام وبين الطوائف، فأصبحت الحياة عبارة عن صراعات دينية، طائفية، قومية، عنصرية، وعشائرية.

إقرأ أيضاً: لماذا يدعمون إسرائيل؟

إنَّ استمرار هذه النزاعات بالوكالة هو استنزاف للطاقات وفقدان للأمن والأمان، وإضعاف للدولة، وتحطيم للبنى التحتية، وتدمير للمجتمع، وإلهاء عن الصراع الحقيقي الذي يجب أن يخوضه الإنسان ضد الأوبئة والأمراض والكوارث الطبيعية والفقر والبطالة والتخلف. أصبحنا ضعفاء أمام أي وباء، مثلما حدث مع جائحة كورونا، أو أمام أي انهيار اقتصادي، مثلما حدث مع انخفاض أسعار النفط، أو أمام أية كوارث طبيعية أو سنوات قحط، فنسارع إلى الدول القوية مرة أخرى، متوسلين لعلهم يسعفوننا ببعض المساعدات الإنسانية لإنقاذ الأرواح من الهلاك.

إقرأ أيضاً: الثقافة الخاطئة

لم يعد لدينا من يملك نباهة نبي الله يوسف لإنقاذ الناس من الجوع أثناء الأزمات، ولم يعد في بلداننا حكماء مثل غاندي ليجعلها سلمية بلا عنف، ولا عقلاء مثل نيلسون مانديلا ينقذون الناس من هدر الدماء. أما آن الأوان لنقف في وجه هذه المهازل المتكررة، وننظر إلى أنفسنا ومستقبل أجيالنا كي نصنع لأنفسنا كرامة البقاء كباقي شعوب الأرض؟ فنحن لسنا ديكة لنتصارع، بل نحن بشر.