إن تقرأ الكتب التي ترشدك إلى العصبية القبلية أو العصبية الدينية أو الكراهية، فهذه ثقافة، لكنها ثقافة خاطئة. أن تجالس المجرمين والمنحرفين لتتعلم منهم، ستتعلم ما يضرك ويضر الناس، فهو تعلم، ولكنه تعلم خاطئ. أن تمارس الرياضة بشكل غير علمي، فإن جهدك سيذهب هباء بلا فائدة. أن تأكل الطعام دون الاهتمام بنوعية الطعام وكمية الطعام والقيمة الغذائية للطعام، فإن جسدك لن يستفيد كثيراً مما تناولت. أن تستخدم الدواء دون استشارة طبية، ستنعكس آثار الدواء عليك بشكل سلبي وقد تتعرض لمضار كبيرة. هذه نماذج لممارسة الثقافة الخاطئة في الحياة اليومية، ودائماً يقع ضحيتها الجاهل.
من أكبر مشاكل الحياة العصرية انتشار الثقافة الخاطئة بين الناس، والسبب كثرة مروجي الثقافة الخاطئة وقلة الوعي عند طبقة كبيرة من أبناء المجتمع. تجد إنساناً يتثقف بقراءة عشرات الكتب التي ترسخ في ذهنه مفاهيم الكراهية والتعصب الديني أو المذهبي أو القبلي، فهو يظن أنه يثقف نفسه ولا يدري أنه يدمر نفسه بتصديق ما لا ينبغي أن يصدق، ثم ينعكس ضرر ذلك على المجتمع. المشكلة أن عقل الإنسان (غير الواعي) يهضم ما يوصل إليه من معلومات كمثل المعدة تهضم ما يصل إليها من طعام، لكن النتيجة هي الانعكاس السيئ للمعلومات السيئة على الصحة النفسية والعقلية. مروجو الثقافة الخاطئة يعرفون نتائج عملهم، ورغم ذلك يصرون عليها لأن دوافعهم الشريرة تحفزهم لفعل ذلك، فهم أنانيون وحاقدون قبل كل شيء، فما يصدر منهم يضر ولا ينفع.
هذه ببساطة هي مفهوم الثقافة الخاطئة التي لم يعتد على سماعها أغلب الناس، لأن الغالبية تعتقد أن قراءة الكتب والاستماع إلى الخطباء والمتكلمين ومجالسة الآخرين هي ثقافة مهما كانت المعلومات التي يطرحونها. في مجتمعاتنا، الناس تقرأ الكتب وتتابع الأخبار وتحضر المجالس بنسبة عشرة أضعاف ما عند المجتمعات المتقدمة، فالمفروض حسب قياساتنا الاجتماعية نحن الآن أن نتفوق على المجتمعات المتقدمة بعشرة أضعاف وفي جميع المجالات، لكن ما نراه على أرض الواقع أننا نتخلف عن تلك المجتمعات بعشرة أضعاف إن لم أقل مئة ضعف، والسبب هو أننا نتعلم الثقافة الخاطئة، نتعلم ما يضرنا ولا ينفعنا، والحال من سيئ إلى أسوأ، والحالة الحضارية تزداد تخلفاً لأن أبناء مجتمعاتنا لا يدركون أن كل ما يتعلمونه من قراءات ومطالعات ومتابعات هي تصب في زيادة جهالتهم، بل وتشغلهم هذه المطالعات والجلسات والمتابعات عن الثقافة الحقيقية النافعة.
إقرأ أيضاً: نظام حكم المحاصصة
الثقافة الحقيقية الصادقة النقية هي التي تنفع الناس ولا تضرهم وتضيف لحياة الإنسان ملكات الأخلاق الرفيعة والتفكير الصحيح ووضوح الرؤية والراحة للنفس والراحة للناس، وتعطي للحياة خطوات إلى الأمام وتضيف الابتسامة والأمان والسعادة، وتعطي الإنسان الجرأة لمواجهة الظلم وترفض نزول الإنسان لمستوى الخضوع والتبعية والعبودية وتحرر عقل وتفكير الإنسان وتطور حياته. أما غير ذلك، فهي ثقافة ملوثة جرثومية ضارة خادعة. يمكننا من خلال المستوى العلمي والقانوني والأخلاقي والصحي والرياضي والفني والاقتصادي للمجتمع قياس نوعية الثقافة التي تتحكم بذلك المجتمع.
إقرأ أيضاً: كيف ستنتهي حرب لبنان؟
المجتمعات التي تتثقف بثقافة صحيحة، فإنَّ ثقافتها تكون ناطقة بسلوكيات أبنائها، وواضحة في ملامح البيئة التي يعيشها أبناؤها، ومنتجة في إبداعات سكانها، وملموسة في تطور أفرادها. أما المجتمعات التي تتشبع بالثقافة الخاطئة، فإنها تعاني، تعاني من كل شيء. تعاني من فهم وجودها في الحياة، تعاني من ضياع الحاضر والمستقبل، تعاني من شغف العيش، تعاني من قلة الخدمات، تعاني من الصراعات القبلية والمذهبية والطبقية، تعاني من ضعف الرعاية الصحية، تعاني من هيمنة الفاسدين على الحياة. للأسف نجد الجهلاء يسمون الثقافة الخاطئة مبادئ وقيماً وتراثاً عريقاً، ولا يسمحون لأنفسهم بالاطلاع على الثقافة الصحيحة لأنها تحرمهم من هذه الموروثات وتعزلهم عنها، فهم متقوقعون على أنفسهم ولا يبصرون معاناتهم، بل ويحاولون أن ينسبوا معاناتهم لطرف خارجي أو ظرف طارئ، وأحياناً ينسبون معاناتهم للطبقة الواعية من أبناء المجتمع، خاصة عندما تكون تلك الطبقة الواعية علمانية التوجه والتفكير ليبعدوا الشبهة عن ثقافتهم الخاطئة.
إقرأ أيضاً: عقولنا مغتصبة
وللتذكير، فإن أتباع الثقافة الخاطئة يحبون ويعشقون ثقافتهم حد الموت، عكس أتباع الثقافة الصحيحة الذين لهم القدرة على تقبل أي أفكار جديدة نافعة حتى وإن كانت بعيدة عن ثقافتهم. لا تجد مثقفاً واعياً يؤمن بالرموز، فهذه صفة أصحاب الثقافة الخاطئة، أما إذا كانت رموز تلك الثقافة الخاطئة هي رموز دينية، فيصبح عشقهم لرموزهم تأليهاً وعبادة.
حاجتنا إلى الثقافة الصحيحة هي بنفس مقياس حاجة المريض الذي يشارف على الموت إلى الدواء الصحيح المناسب لعلاج المرض، وإلا فالموت ينتظره. ولن تبكي علينا شعوب الأرض إذا ما ماتت شخصيتنا بين الأمم. وأظن قد حان الوقت أن يتوقف مجتمعنا عن التشكي من مصاعب الحياة التي هو من صنعها بيده، ويتوقف عن الطلب من الرب ومن السماء أن تغير حياته نحو الأفضل وهو جالس وسط الضلالة ويتغذى من الأفكار المضللة، ويرفض التجديد في حياته ويرفض التجديد في أفكاره. فالحياة الجميلة لا تأتي هبة من السماء، ولا ترى النور بوجود الثقافة المظلمة.
التعليقات