رغم الدمار الذي حلّ بقطاع غزة وجنوب لبنان وتهجير مئات الآلاف من سكان غزة وجنوب لبنان وموت عشرات الآلاف من الأبرياء والجرحى وهدم البيوت بسبب الغارات الإسرائيلية المستمرة، إلا أنَّ معظم دول العالم تقف بكل قوة مع إسرائيل وتقدم العون والدعم الإعلامي والسياسي وحتى المادي لإسرائيل في ظاهرة غريبة لم تحدث في التاريخ. هل يعزى السبب إلى قوة نفوذ اليهود في دول العالم، أو إلى الإعلام الإسرائيلي القوي والمؤثر، أو إلى خوف دول العالم من إسرائيل وحليفاتها؟ كل هذه الأسباب وغيرها لا علاقة لها بدعم دول العالم لإسرائيل.
السبب الرئيسي والوحيد الذي يدفع دول العالم إلى دعم إسرائيل هو أن الطرف، أو الأطراف، التي تحارب إسرائيل ليست دولًا، بل هي منظمات مسلحة مصنفة بأنها منظمات إرهابية؛ فإسرائيل تحارب الإرهاب في نظر شعوب ودول العالم، ولا يوجد نظام سياسي أو حكومة في أي دولة من دول العالم قادرة بشكل صريح على دعم هذه الأطراف التي تقاتل إسرائيل لأن عنوانها الإرهاب. بل كل ما تستطيع دول العالم فعله هو توجيه النقد واللوم لإسرائيل ألا تفرط في القتل وأن تتجنب المدنيين جهد الإمكان، لذلك، فإن إسرائيل تقاتل بأريحية تامة وبدعم دولي واسع بحجة الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب.
هذا هو ملخص الحكاية، ومما يزيد الطين بلة أنَّ حكومات الدول التي تنطلق منها هذه التنظيمات لمحاربة إسرائيل هي نفسها غير مساندة لهذه التنظيمات بشكل علني، فالحكومة اللبنانية غير مساندة لحزب الله، والحكومة العراقية غير مساندة للفصائل المسلحة التي تقاتل إسرائيل، والحكومة اليمنية الشرعية غير مساندة للحوثيين، والسلطة الفلسطينية غير مساندة لحماس، وهذا ما أعطى لإسرائيل اليد الطولى لأن تفعل ما تشاء. فلو تعرضت إسرائيل للانهيار والهزيمة أمام هذه التنظيمات المسلحة ستقوم عشرات الدول من أنحاء العالم بإرسال جنودها وتسخير إمكانياتها للدفاع عن إسرائيل ضد الإرهاب، بينما لو تعرضت هذه التنظيمات للهزيمة والانهيار فلا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تتجرأ أن ترسل جنديًا واحدًا للدفاع عنها، حتى إيران، الراعي الرسمي لهذه التنظيمات، لا تستطيع إرسال جنودها لمحاربة إسرائيل دفاعًا عن التنظيمات والفصائل المسلحة بل ترسل رجالات الحرس الثوري لتقديم الدعم والمشورة لهذه الفصائل، وهناك فرق كبير بين الحرس الثوري والجيش الإيراني في القانون الدولي.
إقرأ أيضاً: لماذا مقتل السنوار صدفة؟
إيران هنا أخطأت ثلاث مرات؛ مرة عندما أسست الفصائل والتنظيمات المسلحة داخل الدول ورفضت تقليدها مواقع القيادة الرسمية لحكومات الدول التي نشأت فيها هذه التنظيمات، بل جعلتها تتحرك تحت مظلة وعباءة الحكومات الشرعية المنتخبة لتلك الدول، فبذلك سحبت الشرعية من هذه التنظيمات وتركتها في خانة التنظيمات غير الشرعية، وأخطأت مرة ثانية عندما دفعت بهذه التنظيمات المسلحة للحروب دون إذن من حكوماتها الشرعية فأصبحت تنظيمات خارجة عن القانون، والمرة الثالثة التي أخطأت فيها إيران عندما صدقت الدعاية والإعلام الغربي بأنها دولة بمصاف الدول العظمى وأن قادتها أذكياء جدًا، وما زلت أتذكر وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس باراك أوباما عندما التقى بوزير الخارجية الإيراني في اجتماعات (5+1) حول الملف النووي الإيراني وأخبره حينها بأنه يود ملاقاة شخص القائد قاسم سليماني (قائد فيلق القدس ومؤسس الفصائل المسلحة) الذي يكن له الاحترام والإعجاب ويعتبره أحد القادة المميزين في هذا العصر. بمثل هذه الخدع ابتلع الإيرانيون الطعم ليستمر قاسم سليماني بنهجه في تقوية المليشيات غير الشرعية وبثقة عالية مثلما ابتلعها قبلهم صدام حسين عندما توسلوا به أمام العالم كي ينسحب من الكويت ليظن صدام بعدها بأن أميركا والغرب تهابه.
إقرأ أيضاً: كيف ستنتهي حرب لبنان؟
إيران صارت ضحية غرورها، فسلكت الطريق الخطأ بتأسيس هذه التنظيمات المسلحة التي أصبحت اليوم، ومع سكان المدن الذين يعيشون في كنفهم، وقودًا للنار التي أضرموها. فقد استطاعت إيران تأسيس هذه التنظيمات واستطاعت أن تجعل كلمتها وسلطتها داخل الدول التي تأسست فيها فوق قرار وسلطة الحكومات الشرعية، ولكنها لم تستطع أن تجعل من هذه التنظيمات هي القيادة الفعلية للدول لأن الذكاء الأميركي كان حاضرًا لمثل هذا اليوم. إلى هنا الموقف أصبح واضحًا للجميع ولا إشكال فيه، ولكن الشيء غير الواضح للجميع أن هذه التنظيمات والفصائل لا تقاتل وجهًا لوجه مع إسرائيل بل تجعل المدنيين جزءًا من ساحة المعركة ولا تستطيع هذه التنظيمات أن تتجنب إشراك المدنيين في المحرقة لأن ذلك يعدّ جزءاً من تركيبتها التدريبية في فن الاختباء ولتؤكد للعالم أنها حركات لا تمتلك مبادئ ولا قيم وأنها من حيث تدري أو لا تدري أعطت الفرصة الذهبية لإسرائيل بأن تبدل ديموغرافية المناطق السكانية التي يحاربون فيها بسحق وتهجير أكبر عدد من المدنيين بحجة مطاردة الإرهاب. فهل يدرك قادة التنظيمات والفصائل المسلحة هذه الحقائق؟ لا أظن أنهم أذكياء إلى هذا الحد ليدركوا الأمور بهذه الشاكلة.
التعليقات