مهما تراجعت حدّة الصراع في الشرق الأوسط، تعود مرة أخرى للاشتعال، وتستمر المواجهة بين إسرائيل وقوى المقاومة الشيعية في لبنان.

هذه المواجهة المستمرة تؤثر في تشكيل المشهد الجيوسياسي في منطقة لطالما تم تصوير إسرائيل فيها كقوة عسكرية واستخباراتية هائلة، تدعي امتلاك قوة لا مثيل لها، لكن ما الذي أظهرته الأحداث الأخيرة بين ما يدعيه الكيان وما يحدث فعليًا على الأرض؟

يتفاخر الكيان المحتل بامتلاكه أجهزة استخبارات متقدمة وقدرات عسكرية ضخمة، مع شبكة واسعة من الأسلحة عالية التقنية وسجل طويل من الضربات والاستهدافات. لكن بالرغم من هذه القدرات، أظهر أداؤه خلال الأحداث الأخيرة محدودية واضحة، كاشفةً مؤشرات لتصدعات بنيوية في هذا النظام، الذي كان يُعتبر غير قابل للاختراق.

من هذه المؤشرات حاجته إلى استخدام قوة تفجيرية هائلة، بعملية حملت مخاطر عالية، في محاولة اغتيال الشهيد حسن نصر الله، إذ استهدفت مبنى سكنيًا بهدف اغتياله. ومع ذلك، وبالرغم من تدمير عدة مبانٍ باستخدام 81 طنًا من المتفجرات، لم يُقتل نصر الله في الهجوم، بل استُشهد لاحقًا نتيجة مضاعفات الهجوم، وهذا الفشل في تحقيق الهدف، بالرغم من القوة النارية الهائلة، يبيّن عجز الكيان عن تحقيق نتائج دقيقة.

أمر آخر يظهر عجزًا استخباراتيًا، من خلال عدم القدرة على تأكيد استشهاد السيد هاشم صفي الدين، أحد الشخصيات البارزة في المقاومة الشيعية، الذي كان قد استشهد منذ سبعة عشر يومًا، لكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية فشلت في تأكيد هذه الوفاة المهمة لهم، بالرغم من المراقبة المستمرة والجهود الاستخباراتية البشرية، وبقي هذا الحدث الكبير غامضًا حتى أكده حزب الله.

الإشارة الثالثة المهمة تتعلق باغتيال يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، الذي لم يكن ليحدث لولا خيانة أجهزة استخبارات دولة مجاورة. فقامت الطائرات الإسرائيلية المسيرة بالتأكد من وجوده قبل تنفيذ الهجوم. لكن نجاح العملية لم يعتمد على كفاءة الاستخبارات الإسرائيلية، بل تحقق بتعاون خارجي، وهذا يوضح اعتماد إسرائيل على الفساد والخيانة الداخلية بدلًا من قدراتها الخاصة.

إقرأ أيضاً: شهداء على طريق الحق

هذه الأحداث لا تنكر امتلاك إسرائيل قوة عسكرية قاتلة، لكن لنتساءل: هل لهذه القوة العسكرية تأثير؟

يشير متخصصون في العلاقات الدولية إلى أن نجاح أي شكل من أشكال القوة يعتمد على مستوى تأثيرها. فالقوة التي بدون تأثير هي مجرد صراخ في الفراغ، كما يصفها بعضهم. وفي هذا السياق، فإنَّ العمليات العسكرية للكيان الغاصب، على الرغم من كونها مدمرة، تفشل في تحقيق أهدافها الرئيسية في حالات كثيرة، مما يقلل من تأثيرها الفعلي على الأرض.

إقرأ أيضاً: سيكولوجية التهميش

اعتماد إسرائيل على شراء الولاءات واستغلال الخونة في صفوف أعدائها يكشف اعتمادها على التلاعب بدلًا من التفوق الاستخباراتي. في المقابل، يبدو أن قدرات حزب الله الاستخباراتية قد عادلت نظيرتها الصهيونية، كما حصل عندما تمكن الحزب من تحديد مكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم أرسل الحزب طائرة بدون طيار، والتي كان واضحًا أنها لا تهدف للقتل، بل هي رسالة رمزية، وكأنها باقة ورود تحمل رائحة البارود، وصلت إلى نافذة القاتل، مفادها "نستطيع قتلك متى نريد".

هذه الرسالة تؤكد مستوى التأثير والقدرة التي يمتلكها الحزب، وتوضح أن قوته ليست فقط عسكرية، بل نفسية واستراتيجية أيضًا. وبالرغم من تفوق إسرائيل في الأسلحة، فإنَّ أفعال الحزب تُظهر أن تأثيره العميق يتردد صداه في جميع أنحاء المنطقة، وأن التأثير أقوى من القوة.