لم يعانِ الشعب الإيراني وحده من حقبة الشاهنشاهية البغيضة؛ فقد عانت دول وشعوب المنطقة أيضاً، عندما جعل الغرب من شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي شرطياً مستفزاً ومتغطرساً في المنطقة تحت حمايته. وعلى الرغم من دكتاتورية الشاه وطغيانه، لم يكن مستعداً لتقديم أدنى التضحيات على المستوى الشخصي أو العائلي من أجل إيران، ولم يُدرك قيمة العرش الذي أجلسوه عليه بعدما خُلِع ونُفِيَ أبوه خارج إيران. ولما قامت الثورة الوطنية الإيرانية، حمل ما استطاع من النعم المالية ليغطّي نفقات حياة البذخ التي اعتادها، مصطحباً معه أشخاصاً من أتباعه، تاركاً إيران هارباً غير عابئ بما قد يحدث للبلاد. وكان هذا أكبر دليل على عدم شرعية حكمه، إذ لم تكن تلك المرة الأولى التي يهرب فيها من إيران وقت الأزمات، أما الذين كانوا يحمونه بالأمس فقد خذلوه؛ إذ سقط هو ونظامه قبل سقوط عرشه، ورفضوا إيواءه. وكما كان يفرق بين الأب والأم وأبنائهم وقت طغيانه، فُرِقَ بينه وبين أبيه وبينه وبين أبنائه أيضاً وهو حي. لم يُدرك ببصيرته الميتة أن الدنيا دين، وأن الإنسان يحمل أوزاره حياً وميتاً، وغاب عنه أن العدل أساس المُلك؛ فلم يعدل ولم يبقَ سلطانه. وعلى كل مدين أن يسدد ما عليه من دين، وفي هذا الصدد يقول ابن سيرين ما معناه: "انتظرت عقوبة ربي أربعين عاماً على قولي متعجلاً يا فقير، انتقاصاً من شأن أحد الفقراء. ولما شاء الله وجاء الأجل ونزل أمر الله كان أحد الفقراء".
أن تكون مواطناً صالحاً ووطنياً تريد تغيير النظام الدكتاتوري الحاكم في إيران أمر طبيعي ومشروع، وتكون تضحياتك من أجل ذلك في مكانها الصحيح، أما أن تأتي مطالباً بحقك في عرش أو سلطان لا شرعية له ولا وجود اليوم وأنت ابن الشاه صاحب تلك الحقبة الدموية السوداء، وأنت وعائلتك مُدانون بجرائم بحق أبرياء سجنوا وعذبوا على آرائهم وآخرون أُعدموا لنفس التهمة، فضلاً عن آخرين قُتلوا بدم بارد في الشوارع والميادين بثورة شباط (فبراير) الوطنية عام 1979 التي أطاحت بالشاه وأسقطت نظامه، فهذا ما فعله الشاه ونظامه بالشعب الإيراني خلال فترة حكمه؛ إذ لم ينجُ أي مواطن إيراني من دكتاتورية نظامه. فكيف لابن الشاه، الذي يعيش في منفى فاسق يمول من مليارات أبناء الشعب الإيراني، أن يطالب من حين لآخر بعرش أبيه، العرش الذي لم يكن شرعياً؟ لم يصدر عنه اعتذار للشعب الإيراني وضحايا حكم أبيه، ولم يعترف بثورة شباط (فبراير) 1979، واليوم يريد الجلوس على عرش إيران ليستمر سيناريو الاستبداد من حاكم لآخر؛ من جده لأبيه، ومن أبيه للملالي، ومن الملالي إليه، وكأن هذا الشعب وما يملك ملكٌ لهم يتصرفون به كيف يشاؤون.
هل يسعى أولئك الذين يعبثون بعقل ابن الشاه المخلوع لإعادة كابوس الشاهنشاهية أم لتثبيت حكم الملالي؟ شخصياً، لا أعتقد أن ابن شاه إيران المخلوع يريد عرش أبيه إلا في الأحلام التي تراوده، ويدرك أنها مجرد أضغاث أحلام، لكن هناك فئة متسلقة طفيليّة منتفعة من الإيرانيين وغير الإيرانيين تطمح لعودته إلى عرش الشاهنشاهية في إيران، بينما لا يرى هو شخصياً في لحظات الرشد بموضوع العودة لحكم إيران سوى أنها عودة إلى المجهول.
إن حقيقة ما يقوم به ابن الشاه من تحركات سياسية مفروضة عليه ليست سوى مساعٍ لتثبيت حكم نظام الولي الفقيه ليس إلا، وهي تحركات ليست بالجديدة؛ إذ اعتدنا عليها كلما اختنق الولي الفقيه ونظامه، خاصة مع وجود صلات وثيقة بين ابن الشاه ونظام الملالي. وليست صلات وصل بينه وبين الملالي فحسب، بل هي عاطفة قائمة بين الملالي والشاهنشاهية. ففي بعض الأحداث، عندما يشتد الصراع بين الملالي والشعب الإيراني المنتفض عليهم، نرى الملالي يستحضرون رضا شاه من قبره ويخرجون جماعة من مرتزقتهم يهتفون بشعار "رضا شاه طابت روحك". وفي هذا الاستحضار مبرر آخر، وهو إظهار شرعية حكمهم وتثبيت سلطتهم، والطعن في ثورة المنتفضين ضدهم على أنهم دعاة لعودة الشاهنشاهية، مبررين بذلك قمعهم. تحركات ابن الشاه لا تعدو كونها وسيلة لإنقاذ الملالي وتثبيت حكمهم، وفي الوقت نفسه مناورة من الغرب لمحاولة إعادة الملالي إلى سربهم بعد تعاظم قدراتهم التسليحية وعربدتهم الإقليمية.
إقرأ أيضاً: لو دامت لغيرك لما وصلت إليك!
الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم هي أن الشعب الإيراني يرفض كلا النظامين الدكتاتوريين: نظام الشاهنشاهية المخلوع وخليفته نظام الملالي القائم، وقد قالها الشعب الإيراني في شعارات انتفاضاته: "لا للشاه ولا للشيخ"، و"لا للدكتاتور سواء كان الشاه أو الشيخ". بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية التعبئة الفكرية والثقافية التي قامت بها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية والقوى الوطنية الإيرانية على مدار أربعة عقود ونصف كان لها الأثر الكبير في تغيير نمطية فكر الشعب الإيراني، الذي بات يبحث عن تحقيق مبدأ التعايش السلمي الطبيعي بين مكوناته كافة، وإن أفضل البرامج التي تضمن حقوق جميع مكونات الشعب الإيراني وحقوق الإنسان هو برنامج المواد العشر الذي تبنته وطرحته السيدة مريم رجوي، زعيمة المقاومة الإيرانية، متضمناً قيام جمهورية ديمقراطية غير نووية تؤمن بحقوق الأقليات ومبادئ المساواة وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي وحسن الجوار.
انهيار وسقوط وتلاشي نظام الملالي مسألة وقت، ولن يعود ابن الشاه إمبراطوراً كما يوهمه البعض، وإن أراد أن يعود بعد سقوط الملالي وزوال وجودهم، خاصة أنه لم يعتذر عن جرائم أبيه ولم يعترف بالثورة ليبرئ نفسه من حقبة أبيه وما جرى فيها، فقد يعود في حالتين: الأولى كمواطن عادي، والثانية للمثول أمام محاكمة عادلة شأنه شأن الملالي. وفي كلتا الحالتين سيخضع للمحاكمة ما دام هناك مُدّعون بالحق الشخصي مطالبون بدماء ذويهم.
إقرأ أيضاً: زيارة بزشكيان إلى نيويورك تؤكد الوقوع في المحظور
من يريد إسقاط الملالي واحترام مطالب الشعب الإيراني، فليقف إلى جانب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية، داعماً لبرنامج المواد العشر، والكفّ عن محاربة المقاومة الإيرانية استرضاءً لنظام الملالي. أما أبناء المنطقة وخاصة جوار إيران، فلا يوجد فيهم من يقبل ببقاء الملالي أو يرحب بعودة الشاهنشاهية، وتبقى تحركات ابن الشاه ومن معه ووراءه أضغاث أحلام وشرٌّ هزيلٌ دُبِّر بالليل، وستمحوه ضياء النهار.
التعليقات