عندما ينبري رجل الدين عبادي زادة، ممثل الولي الفقيه، قائلاً في صلاة الجمعة: "أكثر من أن تأتي طائرات العدو وتقصف نقطة ما، نخشى من الحرب النفسية داخل البلاد، ونخشى أن يحاول أذنابهم وأنصارهم سحب البلاد نحو الفوضى والاضطراب"، فإن هذا الكلام، ولا سيما لو أخذنا في الاعتبار توقيته من حيث الأحداث والتطورات الجارية في المنطقة والمتداعية أساسًا عن الحرب الدامية في غزة والتي لا يمكن للنظام الإيراني أن ينأى بنفسه عن أسباب اندلاعها، فإنه يؤكد ويثبت حقيقة بالغة الأهمية، وهي أنَّ النظام لا يخاف من العامل الخارجي بقدر خوفه من العامل الداخلي. مع ملاحظة مهمة أخرى وهي أن الخطب التي يلقيها أئمة صلاة الجمعة في إيران خاضعة لتوجيه النظام وإرشاداته وليست من عنديات رجال الدين.

الخوف من العامل الداخلي، أو بتعبير أكثر وضوحاً، الخوف من اندلاع الاحتجاجات وانفجار الغضب الشعبي بوجه النظام، ليس مما يصفه رجل الدين بـ"الفوضى والاضطرابات"، بل هو الخوف من الصبغة السياسية الفكرية التي باتت تطغى على الاحتجاجات الشعبية بمطالبتها بإسقاط النظام من جهة وبرفض الدكتاتورية سواء كانت للولي الفقيه أو للشاه، كما حدث من خلال الشعارات التي تم ترديدها في الاحتجاجات التي اندلعت في أيلول (سبتمبر) 2022.

والحقيقة أنَّ الأزمات العميقة التي يواجهها النظام الإيراني داخل إيران، والضربات القاسية التي تلقاها في المنطقة، أدت إلى إضعاف النظام وجعلت سقوطه مرئياً في الأفق، بل إنَّ الانتفاضات الشعبية في إيران خلال سنوات 2018 و2019 و2022 أثبتت أن الشعب الإيراني يطالب بإسقاط هذا النظام، وحتى خبراء النظام الآن يعترفون بحالة الانفجار الداخلي في البلاد، وهو وكما عبر رجل الدين عبادي زادة، أكثر ما يخشاه النظام هو انتفاضة الشعب.

لكن النظام يدرك جيداً أنه إذا لم يكن هناك بديل بقاعدة شعبية وذي مصداقية دولية، فلن تؤدي الانتفاضات داخل إيران، أو حتى الضربات الخارجية، إلى نتيجة. لذا يحاول باستخدام جماعات الضغط في وسائل الإعلام العالمية أن يظهر وكأنه ليس له بديل، وأن على العالم التعامل مع هذا النظام. بينما الواقع عكس ذلك، إذ يوجد بديل منظم يتمثل في "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، الذي يتمتع باعتبار دولي، وداخل إيران تشكل القوة الرئيسية لهذا المجلس، أي مجاهدي خلق، شبكة واسعة تتألف من وحدات الانتفاضة التي لعبت دوراً حاسماً في الانتفاضات الأخيرة، وتسير بالوضع الحالي نحو انتفاضات أكبر مما يسبب الخوف والذعر للنظام.

وهناك أمر آخر له علاقة وثيقة بسياق الفكرة الأساسية لهذا المقال، وهي الوثيقة السرية للنظام الإيراني التي نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، وتشير إلى أن "إيران تخطط لإنشاء 'شبكة من النخب' في الولايات المتحدة تكون قادرة على التأثير على إدارة ترامب المحتملة". وجاء في الوثيقة: "إنَّ إنشاء شبكة من هؤلاء الأشخاص الذين يمكنهم الترويج بشكل غير مباشر لنوايا ومصالح إيران والسيطرة على الرأي العام في حالة توتر بين إيران والولايات المتحدة أمر حيوي". وأضافت "تلغراف": "تقترح الوثيقة الإيرانية الاستفادة من رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران. في حين يعتبر رضا بهلوي، المقيم في واشنطن، أحد معارضي النظام الصريحين، إلا أنه يعتبر أداة مفيدة لتعزيز قضايا مثل تخفيف العقوبات الأميركية ضد النظام".

إقرأ أيضاً: مظاهرة نيويورك صرخة الشعب الإيراني ضد بزشكيان

غير أن الذي يجدر التنويه عنه هنا هو أن النظام ونجل الشاه ومؤيدوه يجمعهم هدف مشترك وهو مواجهة المعارضة الديمقراطية المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق. في 8 شباط (فبراير) 2023، أعلن أنَّ 166 نائباً في مجلس النواب الأميركي قد دعموا قراراً لدعم الانتفاضة في إيران ولإقامة جمهورية علمانية وديمقراطية وغير نووية في إيران. فوراً، شن اللوبي التابع للنظام الإيراني في الولايات المتحدة، المعروف بـ"ناياك"، إلى جانب عناصر مؤيدة لنجل الشاه، حملة تضليل واسعة لإقناع أعضاء الكونغرس بالعدول عن دعم هذا القرار.

كما أن نجل الشاه ومؤيدوه لفكرة شوفينية معادية للعرب والإسلام، مما يعمق الخلافات بين الشعب الإيراني والشعوب العربية. وإن الشاه السابق نفسه كان يلعب دور "شرطي المنطقة" ويشجع على ذات الفكرة الشوفينية المعادية للعرب. تبلغ شوفينية نجل الشاه إلى حد أنه حتى في القرن الواحد والعشرين، لا يعترف بوجود قوميات مختلفة داخل إيران مثل الأكراد، البلوش، العرب وغيرهم، ويصفهم بقبائل وعشائر. فكيف يمكنه إذاً أن يقبل حقوقهم كقومية داخل إيران؟ وفي أيار (مايو) 2023، اتخذ موقفاً ضد عمليات شباب البلوش ضد الحرس الثوري!

إقرأ أيضاً: ما خفي من نوايا النظام الإيراني هو الأعظم

وفي النتيجة، فإن هناك في إيران الحالية ثلاثة خيارات: العودة إلى الماضي ونظام الشاه، أو الحفاظ على النظام الحالي، أو التحرك نحو مستقبل يجلب الديمقراطية والتقدم في إيران والسلام والصداقة مع شعوب المنطقة. ولا يمكن التصور والاعتقاد بأن الشعب الذي أسقط بالأمس دكتاتورية الشاه وقدم تضحيات جسيمة من أجل ذلك، سيقبل اليوم بعودة تلك الدكتاتورية لتحل مكان الدكتاتورية الدينية الحالية!