«إيلاف» من لندن: التفسير "المباشر" لنأي حركة #طالبان بنفسها عن تفجير الحي الدبلوماسي الضخم في كابول بهذه السرعة، هو (بقراءة عكسية) أن تنظيم #الدولة_الإسلامية هو من يقف وراءه، وليس مستبعدًا أن يشمل تبني التنظيم لاحقاً أنه "ينتقم من أم القنابل"، التي ألقى بها ترمب على معقله الرئيسي في إقليم نرغنهاري الحدودي مع باكستان، وقتل فيه عشرات من مسلحيه.

التفجيرات من هذا النوع تدفع للبحث في العلاقة التي تجمع بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش الإسم الآخر للتنظيم) في العراق وسوريا، بفرع خراسان في أفغانستان مهم جدًا معرفته، وهو شخصية أبو مصعب الزرقاوي وأبو محمد المقدسي المنظر الأول للتنظيم.

ابو مصعب الزرقاوي الذي التقى بالمقدسي في أفغانستان، عاش في هيرات وحارب ضد السوفيات، وكوّن معسكر "جند الشام" في افعانستان، وبعد 2001 وبسبب الغارات الأميركية التي اعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، هرب مع العشرات من مقاتليه "عبر إيران" إلى العراق، الذي تحول أثناء الغزو الأميركي إلى منطقة جلب للجهاديين من كل أنحاء العالم. وشهدنا جميعًا الحرب التي قادها الزرقاوي ضد العراقيين والأميركيين وسعيه للحرب الطائفية بين السنة والشيعة من خلال ذبح الشيعة وتفجير مقدساتهم ومزاراتهم الخ..

ايدولوجية الزرقاوي والمقدسي

هذه الإيديولوجيا التدميرية أسسها الزرقاوي والمقدسي في أفغانستان، ثم نقلاها إلى العراق وسوريا، يعد "نجاحها" سببًا في نزول نزوح مسلحي القاعدة إلى الشام، واستقطب ذلك أيضا مئات الباكستانيين والأفغان، الذين قدموا من أجل القتال في صفوف الخلافة بالعراق وسوريا، ثم بعد ذلك أعاد تنظيم الدولة الإسلامية تصديرها إلى أفغانستان بعد البيعة وعودة عدد من الأفغان والباكستانيين من مقاتلي الخلافة، إلى المناطق القبلية على الحدود مع باكستان خاصة بصفة مدربين.

في السنة الماضية وبالتحديد في يوليو، قتلت الدولة الإسلامية في أفغانستان 80 شخصًا وجرح 230 في تفجير مماثل استهدف الشيعة من الهزارة في كابول، تظاهروا من أجل أن يشمل مشروع دولي للكهرباء مناطقهم، ولا يهمشها، وتبنى الهجوم جماعة خرسان وهي بالتحديد "تنظيم الدولة الإسلامية فرع افغانستان، كما تبناه تنظيم طالبان باكستان كذلك.

وفي تلك اللحظة أتذكر جيدًا ونحن نعمل من لندن، أننا كنا مذهولين كيف يمكننا أن نشرح لقراء الموقع تبني تنظيمين مختلفين للتفجير نفسه؟ وحدث نقاش معمق داخل غرفة التحرير، وكانت المرة الاولى التي نواجه فيها نحن الصحافيين تنظيمين يتبنيان تفجيرًا واحدًا.

أحد ضحايا تفجير الحي الدبلوماسي في كابول 

 

مشهد مرعب 

المشهد المرعب هو العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية في #العراق و #سوريا وفرعه في #أفغانستان: الهجمات نفسها، والحجم ذاته، والضحايا والأهداف أيضًا ذاتها، ناهيك عن التشدد الذي يفرضه على الأفغان، وبسببه بقيت الدولة الإٍسلامية محصورة في معقلين فقط نرغنهار بالحدود الباكستانية، وجنوب هيلمند جزئيا بعد هزيمة العام الماضي.

ولمعرفة التفاصيل الدقيقة للعلاقة بين الدولة الإسلامية فرع خراسان وحركة طالبان باكستان، يجب قراءة تقرير خاص للأمم المتحدة نشر قبل عام وكتبه كاسييه غاريت جونسون، جاء فيه أن منشقين عن طالبان، ومنهم حافظ سعيد مسؤول ولاية خراسان وخمسة آخرون، بايعوا خلافة البغدادي في 2014

الانتقال الى افغانستان

يوصي التقرير أيضًا أنه في حالة إنهيار الدولة الإسلامية في الرقة والموصل، فإن النية أن ينتقل الجهاديون إلى أفغانستان، ومن هنا يمكن قراءة المحاولات الاستعراضية للتنظيم في أفغانستان للخروج من قوقعته في معقلين لا ثالث لهما، وهما نرغنهار في الشرق وجنوب هلمند قرب خراسان إلى الغرب، والتي انهزم فيها أمام مقاتلي طالبان العام الماضي.

وتوجد بعض النقاط الأساسية يمكن ملاحظتها هنا بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وفرعه في أفغانستان: 

* كلاهما يتواجدان في منطقة حدودية تقطع أوصالهما.

* كلاهما مرتبط بالآخر عضويًا، لأن الإيديولوجيا هي للمقدسي والزرقاوي تعلماها في أفغانستان، وعادا بها إلى الشام والعراق، وبالتالي في حالة الضرورة ستعود إلى منطقة النشأة.

* في أفغانستان تتبرأ طالبان من التنظيم لترفع أسهمها في المجتمع الأفغاني، بينما تتبرأ التنظيمات الإسلامية بما فيها القاعدة من دولة خلافة البغدادي للغرض نفسه أيضًا.

* قام التنظيمان على مساهمة الجهاديين الأجانب، ويتبعان أسلوب الحرب الهجومية الشاملة والإستعراضية.

*غالبية مسلحي تنظيم الدولة فرع خراسان باكستانيون، وقليل جدا بينهم من الأفغان، وكل عملياتهم تنفذ في الداخل الأفغاني، يقابل ذلك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، الذي يتكون من غالبية من الجهاديين الأجانب أيضًا من كل مكان.

جرائم داعش

وتستفيد طالبان أفغانستان من جرائم تنظيم الدولة الإسلامية داخل البلاد، لأنها تذكَّر أن طالبان على مر السنين حافظت على عدم التعرض للطوائف واتباع المذاهب، كما أن عدم شعبية مقاتلي الدولة الإسلامية الأفغانية يعود إلى تشددهم ومنعهم زراعة الخشخاش وفرضهم قواعد متشددة في الدين والمظهر وكل ما يخص المرأة والخ، وإن كانت طالبان لا متشددة إلا أنها لا تمس بالهيكل الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوم عليه المجتمع الأفغاني...

تفجير الحي الدبلوماسي قد يكون له وقع كبير على الاستراتيجية الغربية في أفغانستان، وتوقعاتي أن من شأنه أن يسرع مشروع الحكومة الأفغانية في استمالة طالبان إلى طاولة المفاوضات، والتخلي عن العنف، وقد نجحت أخيرًا في إقناع غلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي.

* عبد العالي رقاد صحافي مهتم بالإسلام السياسي.