أصرّت الفنانة العراقية المغتربة فريدة خلال تواجدها في بلدها على أن تكرّم الجيش العراقي وكل القوى الأمنية التي أنجزت الانتصار على داعش وحررت الموصل عبر تقديمها حفلًا غنائيًا وطنيًا في بغداد كهدية إلى أبناء شعبها كافة.

إيلاف من بغداد: تحت شعار (جميعنا انتصرنا لنينوى)، وفي أول احتفال بالنصر على عصابات داعش الإرهابية وتحرير مدينة الموصل، أحيت الفنانة العراقية المغتربة فريدة، سيدة المقام العراقي، حفلًا فنيًا كبيرًا في المسرح الوطني في بغداد برفقة الفنان المايسترو الدكتور محمد حسين كمر، أقامته دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، وبرعاية الوزير فرياد راوندوزي، وحضور جمهور كبير، امتلأت به قاعة المسرح الوطني. 

للسلام ضد العنف
تغنت سيدة المقام العراقي أولًا ببلدها العراق بـ (نفديك يا عراق)، وهي من ألحان الفنان محمد حسين كمر (عراق.. عراق.. والله يا عراق.. يا عراقي، لبيك يا عراق.. يا عراقي، يا باسق النخيل.. والجبال والمنائر، والعلوم والشعائر، يا سومر والأجداد والأمجاد والأبطال. قل لبابل، على السهول والشفاه والعيون تضحك السنابل، بفكرنا وزندنا وأخوة في الأرض والمصير، بعربنا وكوردنا سواعد قادمة، هاتفة لوحدتنا.. نفديك يا عـراق). 

تفاعل الحضور بشكل مؤثر، وراح يردد معها اسم (عراق) بحماسة مذهلة، قبل أن تقدم عددًا من المقامات والبستات العراقية الشهيرة، حيّت من خلالها مختلف أطياف الشعب العراقي، كما غنّت أغاني كردية، وأخرى باللهجة الموصلية، فانتزعت الكثير من الإعجاب من الجمهور الغفير الذي حضر برنامج الحفل، الذي أعدّ على عجل، ولم يعلن عنه إلا قبل يومين، حيث إن زيارتها لبغداد كانت من أجل الأهل، لكنها وجدت أن زيارتها تزامنت مع الانتصارات، فأبت إلا أن تقدم شيئًا من فرحتها، فكان قولها (إن وجودي في العراق تزامن مع فترة تحقيق انتصارات الموصل، وتزامن مع التحرير، لهذا كانت لي رغبة في مشاركة الجيش والمواطنين العائدين إلى المدينة هذه الانتصارات، فقدمت هذا الحفل، وودت أن تكون الدعوة عامة للجميع، لتكون هذه هديتي إلى الشعب العراقي بمناسبة هذه الفرحة الكبيرة، متأملةً أن يكون ختام كل هذه الأوجاع والمآسي مسكًا، مشاركتي في هذه الفعالية الغاية منها إيصال صوتي إلى كل فرد وطني في هذا البلد، ورغبة مني في ردع الإرهاب، فأنا سأغنّي للسلام وضد العنف).

استعادة حنين
كما أشعلت سيدة المقام العراقي حماسة الجمهور وهي تغني له ما يتفاعل معه، مثل الأغنية الموصلية الشهيرة (يردلي.. يردلي.. سمرة قتلتيني /خافي من رب السما وحدي لا تخليني) التي أهدتها إلى أهلها الموصليين لمناسبة تحرير مدينتهم، كما ابتهج الحضور وتفاعل مع الأغنيات الأخرى التي قدمتها مثل أغنية (عيني ومي عيني يا عنيد يا يابه / تسوه هلي وكل الكرابة يا عنيد يا يابه) أو (يا أم العباية حلوة عباتج / يا عراقية هواي/ زينة بصفاتك/ حلوة نظراتج) أو (للناصرية.. للناصرية) أو (يا كهوتك عزاوي فيها المتيم زعلان)، وقد ابتهج الجمهور الذي أكد أنه استعاد شيئًا من الطرب الأصيل الذي يحنّ إليه.

سرعة قياسية 
استهل المايسترو محمد حسين كمر الحفل بكلمة ترحيبية شكر خلالها حضور وزير الثقافة والهيئات الدبلوماسية والرسمية والفنانين، كما وجّه شكره إلى مدير دائرة العلاقات الثقافية العامة فلاح حسن شاكر لتوجيه الدعوة إليه وإلى الفنانة فريدة ولتهيئة الفعالية، مهنئًا في كلمته رجال القوات الأمنية في انتصاراتهم على "قوى الشر والإرهاب"، ومعربًا عن فرحه لتواجده بين أفراد الشعب العراقي وهم يحتفلون بانتصاراتهم. 

وقال: "عملنا بجهد كبير وبسرعة قياسية على إقامة هذا الحفل، على الرغم من ضيق الوقت، ولكن الفنانة فريدة أصرّت على تقديم هذا الحفل، تثمينًا لجهود الأبطال العراقيين خلال تحريرهم مدينة الموصل، حيث تزامن هذا التحرير مع تواجد السيدة فريدة هنا في العراق، والتي لم تشأ مغادرته من دون تقديم شيء يليق بهذا الانتصار".

وسام الإبداع
من جهته قام نقيب الفنانين صباح المندلاوي بتقليد السيدة فريدة وسام الإبداع، معربًا عن سروره بما قدمته، وقال: "أضاء المسرح الوطني بصوت سيدة المقام فريدة التي أكدت حبها لوطنها وشعبها، رغم أنها تعيش منذ سنوات طويلة في بلاد الغربة، وما قدمته يزيدنا فخرًا بفنانينا الذين يمثلون الأصالة وابتهاجًا بالانتصارات المتحققة في الموصل العزيزة، لذلك كان وسام الإبداع تحية من نقابة الفنانين لقدومها وحضورها المميزين.

شعور بالفخر 
أما سيدة المقام العراقي فريدة فقالت في المؤتمر الصحافي الذي عقدته في المسرح الوطني: "أشعر بالفخر بأنني أتغنى بانتصارات العراق التي حققتها قواتنا الأمنية بمختلف مسمياتها على عصابات داعش الإرهابية وتحرير أراضينا المغتصبة في الموصل وباقي مدن العراق".

أضافت: إن المهرجان يعكس الوجه الجميل للعراق بما سيشهده من صور التلاحم الجميل بين أبناء الشعب العراقي بمختلف مكوناته، وكان سببًا في تحقيق الانتصارات المتلاحقة، ولإعطاء رسالة إلى العالم بأن العراق يبقى قويًا بوحدة أبنائه.

تابعت قائلة " سعيت منذ أن غادرت البلاد إلى ديار الغربة إلى تحويل المقام العراقي من نطاقه المحلي إلى نطاقه العالمي، وللتعبير عن تراث الشعب العراقي، باعتبار أن المقام العراقي يمثل تراث وثقافة الشعوب المعنية به".

الحفاظ على التراث
ختمت بالقول: "عملت بمعية زوجي قائد الفرقة محمد حسين كمر، والفرقة المرافقة للحفاظ عليه، وما شجّع على ذلك الإقبال الكبير على المهرجان والحفلات التي نقيمها، وإنه من خلال هذا التنوع الثقافي استطعنا إيصال صوتنا، وهذا شيء أفتخر به، خاصة من خلال تواجد الجالية العراقية والعربية التي تتفاعل بشكل كبير، وكذلك الحال بالنسبة إلى أبناء تلك الدول، هذا فضلًا عن سعينا إلى الحفاظ على المقام العراقي، باعتباره تراثًا مهمًا، من الاندثار".

يذكر أن الفنانة فريدة محمد علي، والمعروفة باسم "فريدة"، هي قارئة مقام عراقية، وعضو في فرقة المقام العراقي التراثية، من مواليد (1963 كربلاء، العراق). دخلت معهد الدراسات الموسيقية في بغداد عام 1985م، وحصلت على دبلوم فن (قسم المقام العراقي وآلة العود) عام 1990، بعدها اضطرت للسفر إلى خارج العراق، والاستقرار في هولندا، وظلت منها تنطلق في عالمها الأقرب إلى روحها المقام العراقي، لتحيي الحفلات في مختلف بلدان العالم، وهذه الزيارة الثانية لها إلى بغداد بعد الزيارة الأولى التي شاركت فيها بفعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013.