إيلاف - متابعة: في مركز لتأهيل "الجواسيس" في ستراسبورغ، يردد عشرون طالبًا يرتدون البزات العسكرية وهم جالسون خلف أجهزة كومبيوتر أولى الكلمات العربية، على أمل إتقان هذه اللغة في غضون 24 شهرًا، قبل أن ينصرفوا إلى العمل الميداني.

يستعد عملاء في ستراسبورغ، يتدربون على إتقان لغات أجنبية، لإرسالهم كجواسيس إلى مكان ما في منطقة الساحل أو الشرق الأوسط، وفقًا لعمليات الجيش الفرنسي، للتنصت على العدو واختراق معلوماته. إذاك يتعيّن عليهم فك الرسائل المرمزة أثناء الاتصالات والمساعدة على تحديد مواقع الأهداف وإحباط الكمائن والتحذير من اعتداءات.

في الوقت الراهن، يتدرب بيار- أنطوان وكاترين وزملاؤهما في مركز التدريب المشترك على الاستخبارات في ستراسبورغ.

بحماسة قالت كاترين (22 عامًا) إن ما يحتاجه المقاتل هو أن يتعلم بوتيرة سريعة لغة عمل جديدة، العربية أو الروسية في غضون 24 شهرًا، والصينية في 36 شهرًا. ويتدرب آخرون على مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي".

أضافت أن "ما يجذبني هو أن اتعلم لغات نادرة بسرعة فائقة، وأن اعرف أن مسؤوليات ستلقى على كواهلنا بعد ذلك، وهذا دور أساسي في شبكة الاستخبارات".

من خلال ست ساعات يوميًا من التدريب، من دون احتساب العمل الشخصي في المساء أو في نهاية الأسبوع، يكتشف هؤلاء الطلاب قواعد اللغة ومختلف اللهجات. ثم يذهبون لتعلم اللغة في أستونيا أو مصر أو طاجيكستان.

خطط استباقية
قالت مدربتهم: "حتى الآن، نتعلم من خلال السمع، بوساطة أجهزة الاستماع من خلال ترداد الكلمات. ويتوافر للمتدربين فقط الصوت والترجمة إلى الفرنسية. أما قواعد الكتابة فنتعلمها في وقت لاحق".

لا يتم الكشف في هذا العالم الغامض عن أسماء العائلات والعلاقات الشخصية والتدريب أمام الزائرين القلائل الذين يسمح لهم بدخول باب مبنى "شتيرن" العسكري، الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر.

وقال رئيس التدريب والمسؤول الثاني في المركز الليوتنانت كولونيل جيل: "في التسعينات، درّبت المدرسة فرقًا لغوية باللغتين الصربية-الكرواتية والألبانية. وانتقل مركز الثقل إلى أماكن أخرى".

وفي المشهد الجيوسياسي الجديد، تحتل اللغة العربية مركز الصدارة. واللغة الروسية لا تفقد أهميتها، فصفحة الحرب الباردة طويت إنما منذ 2014، ويقوم الروس بعملية عودة قوية إلى منطقة المتوسط وأبواب الاتحاد الأوروبي. وتجند الشبكات الجهادية عددًا كبيرًا من الناطقين باللغة الروسية من القوقاز أو آسيا الوسطى.

هذه المدرسة العسكرية الفعلية التي تضطلع بدور ريادي في مكافحة الإرهاب، تدرب عددًا متزايدًا من العملاء "الجواسيس" لـ "حروب المستقبل". ويقول الكولونيل إيمانويل، قائد المركز إن "الاستعلام هو الاستباق، حتى يتاح لك الوقت لإحراز خطوة متقدمة على القوى المعادية".

شبكات عبر الأقمار
على صعيد التنصت، شهدت المهنة تطورًا عميقًا. وقال المايجور آلان الذي قام بخطواته الأولى على صعيد تعلم اللغة العربية خلال حرب الخليج في 1991، "من قبل، كان كل شيء أسهل. كنا نرى جيوشًا ونتابع تحركات القوات. ومن خلال 400 أو 500 كلمة، كنا نقوم بعملنا على ما يرام. واليوم، نضرب هذا الرقم بعشرة".

بات كل شيء يجري على شبكات الأقمار الصناعية، حيث يمكن أن تخفي المناقشات التافهة معلومات ثمينة حول تحضير طائرة مسلحة بلا طيار أو زرع لغم، على سبيل المثال. 

أوجز رئيس المركز الوضع قائلًا "إضافة إلى الوسائل العسكرية المحضة، يتوافر كثير من المعلومات الضرورية في المصادر المتاحة. وتكمن المهارة في الاستفادة من هذه المعلومة مباشرة".

يتعلم المتدربون التعامل مع "دفق المعلومات" لإحصاء عناوين آخر المعلومات التي يمكن الإطلاع عليها عبر الانترنت حسب الموضوعات. وعلى شريط فيديو، يظهر فيه مقاتلون "جهاديون"، سيقاطعون ما يرون، مع جسر أو خط أشجار، أو لوحة لصور متوافرة على شبكة الانترنت، حتى تحديد موقع الخصم.

لا للعالم الافتراضي
يشدد رئيس المركز على منع الهويات المزورة والأشخاص الافتراضيين والممارسات الأخرى غير القانونية في الاستخبارات العسكرية.

وقال المسؤول الثاني في المركز الليوتنانت-كولونيل جيل "لسنا مصنعًا لإعداد نسخ من جيمس بوند، وليس هناك أستون مارتن أمام الباب".

وأوضح الكولونيل باتريك، المسؤول عن التدريب على البحث في شبكة الانترنت، "لا نتعلم كسر الرموز، ولن نقوم بعملية قرصنة ضد وزارة الدفاع الأميركية".

أضاف "على شبكات التواصل الاجتماعي، إذا كان الشخص ثرثارًا في فرنسا، فسيكون كذلك في سوريا أيضًا". وقال مبتسمًا: "حتى الروس المعروفون بصرامتهم على صعيد المعلومات، يروون وقائع من حياتهم على شبكات التواصل الاجتماعي".

وبمجرد التقاط المعلومة، ينبغي تعلم تفسيرها وتوليفها واستخدامها لأغراض عسكرية. وللتدرب على ذلك، يعمل المتدربون على حالات حقيقية غالبًا ما تكون مصنفة سرية.