إيلاف من بغداد: تعيش مدينة الكرادة، وسط بغداد، أسوأ ايامها، وقد عانت من الفواجع المتتالية، فبعد ان دمرتها التفجيرات الارهابية وقتلت المئات من ابنائها وأحرقت محالها التجارية، غاب الناس عنها بفعل الخوف والتحصينات الامنية الكثيرة التي جعلتها منطقة مغلقة، فصارت تعيش في ظلام وقلق يومي خاصة مع ما يشاع من كلام عن انها تتعرض لمؤامرة تهدف لتهجير اهلها الاصليين.

ولم تعد مدينة الكرادة تلك الجميلة التي تزهو بالناس والمضيئة بافراحها والمزدهرة بالتجارة والعاشقة للسهر وليالي السمر، كما لم تعد اهم مراكز العاصمة بغداد التجارية والاجتماعية والثقافية، بل تغيّرت ملامحها لتصبح موحشة وخالية الشوارع وتنام مبكرًا فيما الخوف ينتابها من جهاتها كلها خشية أن تداهمها سيارة ملغمة أو ان يقتحمها انتحاري بعد ان عانت كثيرًا من التفجيرات التي ادت الى سقوط ضحايا كثيرين ودمرت العديد من المباني والبيوت.

فالسير في الكرادة، داخل شارعها الرئيسي، لم يعد مطمئناً ولا سارًا، فالزحامات الشديدة اختفت والمارة قلّ عددهم والمحال التجارية لا تشاهد فيها غير اصحابها، فيما المقاهي والمطاعم خاوية من روادها، كما ان العدد القليل من الناس الذين يمرون في الشارع او يعبرون منه يتوجسون من أي شيء.

محاولات لإعادة الحياة

ورغم ذلك يحاول بعض أصحاب المحال في الكرادة ان يعيدوا الحياة الى مدينتهم التي ضربتها العديد من التفجيرات وحطمتها ماديًا ومعنويًا عبر تنظيف الشوارع وإقامة فعاليات متنوعة، وعلى الرغم من مرور اكثر من عام على ابشع تفجير شهدته الكرادة والذي راح ضحيته المئات، لا تزال شوارع المدينة بلا حياة رغم الوعود الحكومية الكثيرة، فيما العابرون من الكرادة يؤكدون ان لا روح في المدينة ورائحة الموت تفوح في الامكنة وكأن كل ما في المدينة تعرض للموت وتفسخت جدرانه، فيما ما زالت تغطي واجهة المجمع لافتة كبيرة عليها صور ضحايا الاعتداء، يمكن رؤيتها من رأس الشارع الذي خلا من الحياة.

الاهمال متعمد 

يقول شهاب عبد الكريم، موظف: اسف ان يكون هذا حال الكرادة، الحزين المؤلم المظلم، للاسف انقلب كل شيء في المنطقة التي كانت تعج بالحياة، فتبدو غالبية المتاجر خالية من زبائنها، وترى الشوارع بلا بشر، وكأن الناس تعتقد ان الموت يتربص بها اذا ما دخلت الكرادة.

وتابع: ليس هنالك أي اهتمام بهذه المنطقة الكبيرة المهمة التي تمثل قلب بغداد النابض، فحين تنام بغداد تظل الكرادة صاحية الى الصباح، فهي مصدر رزق للآلاف من البشر، فلا اهتمام امني بها ولا خدمي واحياناً هذا الاهمال يجعلنا نعتقده متعمدًا ووراءه اسباب من اهمها شراء العقارات باسعار بخسة جدًا وتهجير اهلها الاصليين منها. 

مؤامرة خطيرة

اما رياض علي، كاسب، فقد اكد ان الكرادة تتعرض الى مؤامرة خطيرة، وقال: نحن اهالي الكرادة مظلومون ونتعرض الى مؤامرة خطيرة ابطالها الذين لا يخافون الله، فالكرادة خلال السنوات العشر الاخيرة صارت عروس مناطق بغداد، فهي اول مدينة في العراق عرفت السهر يوم كانت كل المدن تنام الساعة التاسعة او العاشرة ليلاً، والكرادة اول منطقة في بغداد تزدهر اسواقها ومطاعمها ومقاهيها وصالات افراحها وألعابها، والظاهر هذا التميز اغاظ الآخرين فأرادوا تدمير كل هذا الجمال لاغراض خاصة.

واضاف: ما يشاع بين الناس من اهالي الكرادة ان هناك من يعمل على تدمير الكرادة من اجل ان تنخفض اسعار العقارات فيها من عمارات وبيوت لكي يشتريها تجار الحروب والقتلة، خاصة ان هناك سياسيين دخلوا مزادات التنافس على شراء العقارات.

وتابع: وضع الكرادة الحالي لا يسر احدًا، الموت يطاردنا والفقر يقتلنا، شوارعنا مغلقة ومحالنا معروضة للبيع وارزاقنا مقطوعة واعتقد ان الوضع يزداد سوءًا اذا لم تجد الحكومة حلولاً لانقاذ الاهالي من الموت والجوع.

الحياة اصابها الشلل

اما ستار محسن علي، فقد اكد ان الوضع لا يبشر بالخير، وقال: حال الكرادة مثل حال بغداد، لو نستعرض منذ عام 2003 لا يوجد فيها ركن لم يتفجر ولا يوجد مكان لن يستهدفه الارهاب بالتفجيرات او عمليات الخطف.

واضاف: بعد تفجير يوليو عام 2016 والى الان، المحال عزلت، ومن يتجول في الكرادة يجد الكثير من المحال والدكاكين تكتب على واجهاتها (المحل للبيع، الدكان للبيع) وستجد ان اصحاب المصالح حياتهم توقفت تقريباً، فهم لا يستطيعون ان يبيعوا لانهم سيخسرون خسارة كبيرة، لانهم اشتروها بأسعار عالية ولا يستطيعون عدم بيعها لانهم يتوقعون الاتي اسوأ.

وتابع: الدورة الاقتصادية في الكرادة اصابها الشلل، مثلاً سيارة الاجرة العامة اذا ما ارادت ان تدخل الكرادة، فإن وقوفها يستغرق ربع ساعة لذلك يضطر المواطنون الى النزول ومن ثم الصعود مرة أخرى في سيارات أخرى بعد تجاوز حاجز السيطرة.

وأوضح: الكثير من الاشياء ساهمت في شل حركة الحياة في الكرادة، وبصراحة ان الناس انتهى صبرها وملت وتعبت، قتل وحصار وخوف، حين سجلت مقطع فيديو ذات مرة كنت خائفاً ان تعتقلني الشرطة، كل شيء في الكرادة يدعو الى الخوف الآن، الماشي والراكب والجالس والداخل اليها والخارج منها.

مدينة كئيبة 

اما الاعلامي احمد حميد، فقال: فقدت نصف أصدقائي في التفجيرات التي حدثت في حي الكرادة في بغداد العام الماضي، وأخشى أن تحدث كارثة أخرى، وقد يحين دوري هذه المرة، وهذه الأوضاع يعيشها كثير من المدنيين في الكرادة.

واضاف: يواصل السكان حياتهم على الرغم من التحديات التي تواجههم، ولكننا بحاجة إلى الاستتباب الأمني الذي يؤثر على حركة السوق التي تشهد كساداً كبيرًا راح يؤثر على ارزاق الناس، فلم تعد الكرادة المدينة التي تنتج الفرح وحب الحياة بل اصبحت كئيبة.

وتابع: الجهات الأمنية غير قادرة على حماية هذه المنطقة بشكل جيد، لهذا يخترقنا داعش بين الفينة والأخرى، باختصار الإرهاب أقوى من الحكومة، فهو يمتلك أدوات الحكومة، والحكومة لا تمتلك أدوات الكشف عن الإرهاب بسبب الفساد المستشري في منظومتها.

تجار الحروب والازمات

الى ذلك اكد نائب رئيس اللجنة الامنية لمحافظة بغداد محمد الربيعي أن الكرادة تتعرض لمؤامرة، وقال: اعتقد ان هناك خفايا واسراراً تتعلق بالتجارة تحديدًا في مدينة الكرادة، وهو تأكيد منا بأن المنطقة متآمر عليها، وانا اعتقد بوجود اشخاص لا اعرفهم يعملون في السر على ابقاء الكرادة على ما هي عليه وعدم النهوض بواقعها من جديد خاصة كمنطقة تجارية معروفة بنشاطها الكبير والمميز لتستطيع ان تفتح ذراعيها للمتبضعين من مختلف مناطق بغداد والمحافظات.

واضاف: اعتقد ان هناك قصاصًا حكوميًا على هذه المنطقة، قد يكون متعمدًا وقد يكون غير متعمد، وهو السبب وراء الاستمرار في غلق المحال التجارية وقطع ارزاق اهل الكرادة وهو في شكله الاخر محاربة للتجار فيها والاسواق الكبيرة وربما وراء ذلك تجار الحروب والازمات الذين لا يريدون الخير لهذه المنطقة واهلها بل لا يريدونه لبغداد كلها.

وتابع: اؤكد ان ايقاف الحياة في منطقة الكرادة متعمد، مثلما اعتقد ان الاستمرار في ايذائها هو لمصلحة معينة، لذلك ملف الابنية التي تعرض للتفجير لم يحسم وان مجمع الهادي ومجمع الليث ما زالا عبارة عن هيكلي حديد، وهناك من يقول إن مجمع الليث الذي هو في حقيقته (مول) سيهدم باعتباره آيلاً للسقوط، وانا استغرب هذا التوقيت الذي يجيء بعد سنة من العملية الارهابية التي ضربته.

يذكر ان الكرادة تعد من أبرز المناطق التجارية في العاصمة بغداد، وعادة ما تشهد توافد أعداد كبيرة من أهالي بغداد للتبضع من محالها، تعرضت الى العديد من التفجيرات لكن أشدها في 3 يوليو عام 2016 وراح ضحيته اكثر من 500 شخص، وتواصلت التفجيرات لاكثر من مرة ، مما ادى الى اغلاق شوارعها العامة والفرعية.