غادر العديد من وزراء دونالد ترمب مناصبهم بعدما وصلت علاقتهم بالرئيس الأميركي إلى طريق مسدود، إلا ريكس تيلرسون، فما زال صامدًا في وزارة الخارجية، على الرغم من التباعد بينه وبين رئيسه. فلماذا لم يستقل بعد؟

عودة أبو ردينة: من يستعرض المدد التي قضاها أركان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مناصبهم منذ انتخابه في تنصيبه رئيسًا في يناير الماضي، يدرك عمق الأزمة التي تتخبط بها هذه الإدارة، كما يدرك أن ترمب بطريقة إدارته البلاد لن يجد إلى جانبه من يعاونه على المديين المتوسط والبعيد.

في هذا الإطار، وبحسب صحيفة لوس أنجليس تايمز، أشار ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومستشار وزير الخارجية السابق كولن باول، إلى سؤالين اقترح أن يطرحهما وزراء ترمب على أنفسهم حين يجدون أنفسهم على خلاف معه. الأول: "هل يمارسون تأثيرًا مجديًا ببقائهم في مناصبهم؟"؛ والثاني: "هل هم مجبرون على الدفاع عن سياسات ترمب التي لا يتفقون معها؟"

لماذا؟

من المنظور نفسه، تسأل لوس أنجليس تايمز عن الأسباب التي تبقي ريك تيلرسون، وزير الخارجية الأميركية، في منصبه. وبحسبها، من الجائز في أغلبية الادارات الاميركية أن يشكو مستشارون كبار من الرئيس، لكنهم لا يفعلون ذلك إلا في مجالس خاصة وخلف أبواب مغلقة. لكن بعض وزراء ترمب ومستشاريه شعروا بعد حوادث شارلوتسفيل الأخيرة بضرورة التعبير عن معاناتهم مع رئيسهم بشكل سافر، حفاظًا على الاحترام لأنفسهم في أقل تقدير.

إما هذا أو أنهم عرفوا أن أفضل طريقة لإيصال رسالة إلى المكتب البيضاوي هي الظهور على قناة فوكس نيوز أو الحديث في مقابلة مع صحيفة فايننشيال تايمز. ويرى محللون أن فريق ترمب ليس فريقًا مؤلفًا من متنافسين، بل من مختلِفين ومحبَطين.

إزاء هذا الوضع، من الطبيعي أن يتساءل المرء: "إذا كانوا على هذه الدرجة من التذمر، فلماذا لا يستقيلون؟".

لكن واشنطن لا تعمل بهذه الطريقة. لم يستقل وزير في إدارة اميركية بسبب قضايا مبدئية منذ سايروس فانس، وزير الخارجية في ادارة الرئيس جيمي كارتر، الذي استقال قبل نحو 40 عامًا.

ومما له أهمية بالغة أن هؤلاء الوزراء كلهم سلَّموا بوجهة نظر واشنطن التقليدية عن العمل في خدمة رئيس يختلف الوزير معه، وهي: ما دمت تعتقد أنك تستطيع أن تفعل شيئًا نافعًا، فمن حق بلدك عليك أن تبقى في وظيفتك.

لا يصحّ

ما زال هذا المنطق يسري على وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يحظى بثقة ترمب على ما يبدو، خصوصًا في قضايا الحرب والسلم، ويسري على غاري كوهن، كبير مستشاري ترمب للشؤون الاقتصادية وأحد مهندسي أهم مبادرة اقتصادية اطلقها ترمب، وهي خفض الضرائب الذي يأمل باجرائه في قانون يمرره الكونغرس هذا الخريف. لكن المنطق نفسه لم يعد يصح على تيلرسون الذي يجب أن يفكر جديًا في الاستقالة، إلا إذا كان يفضل الانتظار إلى أن يُقال، كما تقترح لوس أنجليس تايمز في تحليل إخباري.

يلاحظ مراقبون أن رئيس اكسون موبل السابق لم يكن يومًا على انسجام تام مع ترمب بشأن مبادئ أساسية في السياسة الخارجية. ففهم ترمب لشعار "أميركا أولًا" ينظر إلى كل معاهدة على أنها عبء يُثقل كاهل أميركا، في حين يريد تيلرسون الحفاظ على تحالفات أميركا التقليدية.

اعلن ترمب الانسحاب من اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي في حين كان تيلرسون يعتقد أن من الأفضل البقاء فيها. ويريد ترمب نسف الاتفاق الذي وقعته القوى الدولية الست مع إيران في حين أن تيلرسون يختلف معه في ذلك.

الأنكى من ذلك أن تيلرسون يبدو مهمَّشًا، إذ استُبعد وزير الخارجية من لقاءات مع زعماء دول أجنبية زاروا البيت الأبيض. وشهد تيلرسون إحالة ملفات مهمة مثل محادثات السلام الاسرائيلية ـ الفلسطينية والعلاقات مع الصين والمكسيك إلى صهر الرئيس، جاريد كوشنر. وحين أمضى تيلرسون اسبوعًا في الشرق الأوسط محاولًا نزع فتيل الأزمة بين قطر وجاراتها، أجهض ترمب جهود وزير خارجيته بتغريدة على تويتر. &

يتكلم عن نفسه

لم يُمنح تيلرسون يدًا طليقة في إدارة وزارة الخارجية، على الرغم من أنه الرئيس التنفيذي لشركة عالمية عملاقة. ومنع مستشارو البيت الأبيض سلسلة من التعيينات المهمة التي أراد تيلرسون اجراءها، ثم حمَّلوه مسؤولية التأخر في هذه التعيينات من دون أن يكشفوا عن هويتهم، بحسب لوس انجليس تايمز. &نتيجة لذلك، تعمل وزارة الخارجية بأقل من طاقتها المعتادة، من دون مساعدين لشؤون السياسة تجاه كوريا الشمالية أو الشرق الأوسط أو أفغانستان.

في الممارسة العملية، كانت وظيفة تيلرسون الرئيسية أداء دور رجل الاطفاء الدبلوماسي، ومهمته طمأنة الحلفاء في آسيا إلى أن الرئيس لا يعتزم اشعال حرب مع كوريا الشمالية، والحلفاء في اوروبا إلا&انه لن يتخلى عن التزام الولايات المتحدة الدفاع عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ضد روسيا.

لهذه الأسباب، ازداد وضع تيلرسون ضعفًا حين ابدى اختلافه مع الرئيس أخيرًا. ففي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، قال تيلرسون: "نحن نعبر عن قيم اميركا من وزارة الخارجية". وحين سُئل عن قيم الرئيس ترمب، اجاب: "الرئيس يتكلم عن نفسه".

بذلك، تكون الرسالة التي تصل إلى الحكومات الأجنبية أن تيلرسون والرئيس ليسا متفقين، بل يزدادان تباعدًا. وبافصاح تيلرسون عما يشعر به، فإنه أصبح حتى أقل فاعلية من ذي قبل في إدارة السياسة الخارجية الأميركية.

وترى لوس انجليس تايمز أن وقت مواجهة سؤالين ريتشارد هاس قد حان بالنسبة إلى تيلرسون. وإذا كان ترمب يريد إبقاءه، فعلى الرئيس أن يعلن ذلك صراحة. وإن لم يرد، فعلى تيلرسون أن يستقيل... ليس من أجل راحة باله هو، بل رحمة بالسياسة الخارجية الاميركية!

*ترجمة: عبدالاله مجيد