بيروت: تشهد محافظة إدلب في شمال غرب سوريا منذ أشهر عدة فوضى أمنية: اغتيالات، وتفجيرات، وعمليات خطف مقابل فدية، ما يثير غضب السكان المدنيين الذين يوجهون أصابع الاتهام إلى الفصائل المقاتلة المهيمنة على الأرض.

وفي وقت تتجه الأنظار الى إدلب في ظل استعدادات عسكرية تقوم بها قوات النظام لشن هجوم ضد أحد آخر معاقل الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، يجد سكان إدلب أنفسهم في مواجهة خطر إضافي يتمثل في انعدام الاستقرار الداخلي.

يفيد المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطون في إدلب بشكل منتظم عن إطلاق مجهولين الرصاص على مقاتلين من فصائل مقاتلة، او عن تفجير سيارات مفخخة أو عبوات ناسفة. وقد أسفرت بعض هذه العمليات عن مقتل مدنيين.

ويُعيد ناشطون ومحللون هذه الفوضى بشكل أساسي إلى اقتتال داخلي بين الفصائل أو إلى "خلايا خارجية" تستفيد من زعزعة الأمن وأخرى لتنظيم الدولة الإسلامية.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، بينما تتواجد فصائل إسلامية ينضوي معظمها في إطار "الجبهة الوطنية للتحرير" وبينها حركة أحرار الشام، في بقية المناطق. وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي.

ويقول ناشط إعلامي في ريف إدلب الجنوبي، طلب عدم الكشف عن اسمه خشية الملاحقة، لفرانس برس عبر تطبيق واتس أب "كلما أردت أن أخرج بسيارتي أتفقدها جيدًا.. للتأكد من عدم وجود أي عبوة مزروعة فيها"، مضيفًا "وحين أمرّ قرب مستوعب قمامة، أقود السيارة مسرعًا خشية انفجار عبوة داخله".

خلال الصلاة في الجامع، يختار الناشط الوقوف في الصفوف الأمامية أبعد ما يمكن عن المدخل خشية حصول انفجار سيارة أو دراجة نارية في الخارج، على حد قوله.

ووثق المرصد السوري منذ أواخر أبريل مقتل 270 شخصًا، بينهم 55 مدنيًا، في عمليات اغتيال متنوعة، معظمها لا يتم تبنيها، واستهدفت قياديين ومقاتلين في هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى في إدلب وريفي حماة الشمالي (وسط) وحلب الغربي (شمال) المحاذيين لها.&

يقول ناشط آخر من بلدة معرة النعمان لفرانس برس عبر تطبيق واتس أب "إذا رأيت كرتونة أو كيس بلاستيك على الطريق، أحيد عنهما وأحيانًا أتصل وأبلغ الجهات المعنية خشية من وجود عبوات". ويتحدث عن خوف بين السكان لمجرد رؤية ملثمين يجوبون الشوارع.&

"انقلاب" على الفصائل؟&
واعتبر تقرير صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومقره اسطنبول أن تزايد عمليات الاغتيال في العام 2018 في إدلب يفضح "حالة الفوضى الأمنية". وتعود هذه الفوضى إلى أسباب عدة، بينها "تعدد القوى المحلية (الفصائل) وتنافسها"، فضلًا عن أن المحافظة "تضمّ بؤرًا لخلايا أمنية سواء لتنظيم الدولة (الإسلامية) أو للنظام".

وشهدت محافظة إدلب على مرحلتين في العام 2017 ثم بداية 2018 اقتتالًا داخليًا بين هيئة تحرير الشام من جهة وحركة أحرار الشام وفصائل متحالفة معها من جهة ثانية. ويقول معد التقرير نوار أوليفر لفرانس برس "بغض النظر عن منفذها، تولد الاغتيالات في إدلب خللًا أمنيًا ينعكس على الفصائل وحاضنتها الشعبية". ويشير إلى "مناطق كثيرة في إدلب تكره هيئة تحرير الشام ومستعدة للانقلاب عليها في أي وقت".

طال "الفلتان الأمني" قطاع الأطباء. ففي يونيو، أعلن أطباء وصيادلة في مدينة إدلب إضرابًا عن العمل لثلاثة أيام احتجاجًا على "حالة الفوضى وانعدام الأمن". وعددوا أسماء أطباء وعاملين في القطاع تعرّضوا لحوادث أمنية، لافتين إلى "الكثير من حوادث الخطف".

وفي أغسطس الحالي، تعرض مدير الصحة في مديرية الساحل العاملة في مناطق المعارضة بين جنوب غرب إدلب وشمال اللاذقية خليل أغا، للخطف على أيدي ملثمين، وتم الافراج عنه بعد أسبوع مقابل مئة ألف دولار، وفق ما قال المسؤول الاعلامي للمديرية محمود الشيخ لفرانس برس.

ويعتبر الناشط الإعلامي في ريف إدلب الجنوبي أن "هيئة تحرير الشام هي المسؤول الأساسي عن انعدام الامن لجهة أنها القوة الأقوى المسيطرة على الأرض وبالتالي من مسؤوليتها ضمان الأمن".

ونفذت الهيئة وفصائل أخرى خلال الأيام الماضية مداهمات في إدلب اعتقلت خلالها عشرات الأشخاص بتهمة "التخابر مع النظام" مع اقتراب هجوم الأخير ضد إدلب، وفق المرصد.

كما شنّت مداهمات ضد خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي تبنى حتى منتصف يوليو اغتيالات عدة ضد مسؤولين ومقاتلين في الهيئة والفصائل استخدم فيها إطلاق الرصاص او العبوات الناسفة أو الكمائن او قطع الرأس.

ويقول المسؤول في هيئة تحرير الشام خالد العلي لفرانس برس عبر تطبيق واتس أب "لدى النظام خلايا تعمل على إثارة الوضع في إدلب، والقصد من ذلك أن تكون لديه ذريعة لشن عمل عسكري"، مشيرًا إلى أن الهيئة "جادة في القضاء على ما تبقى من خلايا داعش والنظام".

لقمة سهلة
تكرر دمشق أخيرًا أن استعادة ادلب تتصدر حاليًا قائمة أولوياتها العسكرية. ويرجح محللون أن يقتصر الأمر في مرحلة أولى على مناطق في أطراف المحافظة، آخذين بالاعتبار أن مصير المنطقة مرتبط بتوافق بين روسيا حليفة دمشق وتركيا الداعمة للمعارضة.

ويقول أوليفر إن غضب السكان من الفصائل نتيجة تردي الوضع الأمني "من شأنه أن يسهل الطريق على النظام في حال حاول السيطرة على المحافظة، وقد يكون هناك قبول من المدنيين لحلول تطرحها أي جهة دولية تقدم بديلًا من تواجد الفصائل في إادلب".

يقول أحد سكان ريف حماة الشمالي الذي تمتد إليه الفوضى الأمنية أيضًا، "الناس لم يعودوا يخرجون سوى للأمور المهمة والضرورية والمشاوير القريبة". ويضيف "هناك تخوف من الوضع الأمني، ومن أن يحول هذه المنطقة المحررة إلى لقمة سهلة للروس"، حلفاء دمشق.
&