بيروت: تضطلع روسيا بدور محوري في اتفاقات الإجلاء من الغوطة الشرقية عبر قيادة المفاوضات مع الفصائل المعارضة وفرض شروطها عليها والإشراف مباشرة على خروج المقاتلين من آخر معاقلهم قرب العاصمة.

فمنذ بدء تدخلها في سوريا في العام 2015، عززت روسيا سياسة الحصار واستنزاف الخصوم التي اعتمدتها قوات النظام قبل شن هجوم عسكري على مناطق الفصائل المعارضة فلا تجد الأخيرة نفسها أمام أي خيار سوى التفاوض فالانسحاب.

ومنذ ذلك الحين، تقوم موسكو بدورين مزدوجين، الأول عسكري والثاني تفاوضي. وهو ما يحصل حالياً في الغوطة الشرقية التي طالما جالت طائرات روسيا في أجوائها مستهدفة مدنها وبلداتها، على مدى عامين، وها هي اليوم تنشر شرطتها العسكرية على مداخلها لتشرف على عملية إخلائها من المقاتلين المعارضين.

ونفت روسيا مشاركتها في الغارات على الغوطة خلال الحملة العسكرية التي بدأتها قوات النظام في 18 فبراير، وان كان المرصد السوري لحقوق الإنسان وثّق مقتل عشرات المدنيين في قصف قال إنه "روسي" وتخلله استخدام "قنابل حارقة".

وأدى القصف في الغوطة إلى مقتل أكثر من 1630 مدنياً منذ بدء الهجوم، بحسب المرصد السوري. ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات نوار أوليفر لوكالة فرانس برس إن روسيا قامت في معركة الغوطة الشرقية أولاً "بدور المهاجم مع بداية الحملة حيث عملت على تسريع انتصار النظام وتحقيق أهدافه".

وبعد تقدم قوات النظام في عمق الغوطة والسيطرة على الجزء الأكبر منها، وفق قوله، "لعبت روسيا دور المفاوض لتحقيق مصالح النظام بطريقة تحمي فيها نفسها من الضغط الدولي وتوقف نزيف قوات النظام".

شرطة عسكرية روسية
وبعد خمسة أسابيع على هجوم عنيف بدأته قوات النظام، توصلت روسيا تباعاً مع فصيلي حركة أحرار الشام في مدينة حرستا ثم فيلق الرحمن في جنوب الغوطة الشرقية، الى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين الى منطقة إدلب (شمال غرب). 

ومنذ السبت، جرى إجلاء أكثر من 17 ألفاً من المقاتلين والمدنيين من الغوطة الشرقية إلى ادلب، ولا تزال العملية مستمرة من البلدات الجنوبية، فيما أعلنت دمشق مساء الجمعة حرستا "خالية" من المقاتلين المعارضين. عند مداخل الغوطة الشرقية، ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية ينظمون عمليات الإجلاء بالكامل.

ونقل مراسلو وكالة فرانس برس خلال تغطيتهم لعمليات الاجلاء، رؤيتهم عناصر من الشرطة العسكرية الروسية بلباسهم الاخضر المرقط، وقد وضعوا خوذات خضراء غامقة على رؤوسهم، عند نقطة تجمع الحافلات قرب حرستا، يتوقفون أمام كل حافلة وفي أيديهم دفاتر يسجلون عليه أسماء الركاب. 

في وقت لاحق، يصعد أحدهم إلى الحافلة يراقب جنودا سوريين أثناء تفتشيهم الركاب. وفي إحدى الحافلات، يمازح جندي روسي بلباسه العسكري وخوذته وشارته الحمراء الركاب بمزيج من العربية والروسية.

لكن عددا من الجنود الروس يتكلمون العربية بإتقان ويتبادلون الأحاديث مع الركاب، كما يوجهون تعليمات للصحافيين "ممنوع التصوير" و"يرجى الابتعاد".

يعطي ضابط روسي إشارة الانطلاق لتخرج الحافلة من الغوطة الشرقية متوجهة الى إدلب. وتتصدر سيارة عسكرية روسية على متنها نحو 12 جندياً القافلة حتى وصولها إلى منطقة سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي.

صورة بوتين
ويوضح أوليفر أن ما يهم روسيا من معركة الغوطة هو "استعادة مركزية وشرعية العاصمة دمشق، بحيث أن وجود جيب للمعارضة على مدخل العاصمة يشكل مشكلة كبيرة جداً".

وطالما شكلت الغوطة الشرقية هدفاً لقوات النظام وروسيا كونها تعد أحدى بوابات دمشق التي استهدفها خلال السنوات الماضية قذائف الفصائل المعارضة وطالت أحياناً كثيرة منطقة السفارة الروسية نفسها.

برز الدور الروسي التفاوضي في الغوطة الشرقية بعد مرور نحو عشرة أيام من القصف العنيف بإعلان موسكو هدنة يومية لخمس ساعات فقط يفتح خلالها ممر عند معبر الوافدين بين مدينة دوما ومناطق سيطر عليها النظام في ريف دمشق، لخروج المدنيين الراغبين بذلك من المنطقة المحاصرة منذ سنوات. 

ومنذ ذلك الحين، ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية عند المعبر الذي عُلقت على جدرانه صور للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب نظيره السوري بشار الأسد. ويمر عبره يومياً مئات المدنيين الفارين من القصف والجوع.

وضيقت قوات النظام السوري تدريجياً الخناق على الفصائل المعارضة، وقسمت الغوطة إلى ثلاثة جيوب: دوما شمالاً تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن، ومدينة حرستا حيث حركة أحرار الشام.

وبعدما ازداد الضغط عليها، دخلت كل من الفصائل المعارضة منفردة في مفاوضات مباشرة مع موسكو عبر "مركز المصالحة" التابع لوزارة الدفاع الروسية ومقره في قاعدة حميميم الجوية والمسؤول أيضاً عن مراقبة تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار.

ويقول أوليفر "فرضت روسيا ما تريده على حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن"، مضيفاً "لم تتمكن حركة أحرار الشام من فرض أي شرط كان وضعها مأساوياً جدا، أما مكسب فيلق الرحمن الوحيد فإنه خرج منها سالماً".

ولا يزال مصير مدينة دوما، المعزولة تماماً شمال الغوطة، مجهولاً برغم مفاوضات بين روسيا وفصيل جيش الإسلام.