تونس: حين انتظمت أول انتخابات تعددية في تونس في أكتوبر2011 لم يكن التونسيون قد خبروا معنى الوعود الإنتخابية المتعدّدة الإتجاهات ومدى الالتزام بها من طرف الأحزاب. وصدق حينها جزء كبير من التونسيين تلك الوعود، لكن بعد مرور حوالي 7 سنوات على الانتخابات، بقيت الوعود محلّ تندّر الى اليوم علّ أشهرها وعد حركة النهضة بتوفير 400 ألف موطن شغل ووعد مؤسس حزب العريضة الشعبية البحري الجلاصي بتخفيض سعر الخبز نحو 70 بالمائة ومنحة بحوالي 2500 دولار لكل مقبل على الزواج.

أما خلال الحملة الإنتخابية البلدية، التي إنتهت أمس لتدخل البلاد اليوم السبت في يوم الصمت الإنتخابي، فقد كان التعاطي مع الوعود الإنتخابية التي وقع إطلاقها من طرف المترشّحين للإنتخابات البلدية المزمع إجراؤها غدا الأحد مغايرا ولم تأخذ بجدية وعمت التدوينات الساخرة من الوعود مواقع التواصل الإجتماعي في تونس من قبيل التدوينة التي تداولتها عديد التونسيات وفحواها كالآتي "كل الرجال وعود إنتخابية واهية ...أنتَ وحدك مجلة جماعات محلية وحوكمة ومشاريع...".

كما تواصل التعاطي الهزلي والطريف من خلال رصد زلات وأخطاء المترشّحين الفادحة في الكتابة باللغة العربية على حساباتهم في مواقع التواصل الإجتماعي والخطابات خلال الحملة الإنتخابية التي تعكس عدم درايتهم بالشأن العام والشأن البلدي بصفة خاصة وصلاحياتها من خلال إطلاق وعود لا يمكن تحقيقها نظرا لتجاوزها صلاحيات المجالس البلدية التي ستُفرزها إنتخابات الغد، فالعديد من المترشّحين للإنتخابات البلدية لا يعرفون التسمية الدقيقة للإطار القانوني المنظم لصلاحيات المجالس البلدية التي يمكن أن يشغلوا عضويّتها في حال فازوا.

رئيسة قائمة حركة النهضة 

مثلت حركة النهضة ونداء أكثر الأحزاب السياسية التي وقع التركيز على زلات وأخطاء مرشحيها ووعودها، نظرا لكونهما الحزبين اللذان تقلّدا الحكم بعد سقوط نظام بن علي، وتأكد التونسيون من عدم مصداقية وعودهما، وعلّ موجة السخرية التي أثارها الظهور الإعلامي الأول لرئيسة قائمة حركة النهضة بدائرة سيدي بوسعيد (منطقة سياحية قريبة من العاصمة) أبرز طرائف الحملة الانتخابية.

اذ ان رئيسة قائمة النهضة في تلك الدائرة البلدية وفي ظهور إعلامي أكدت انها ليست "نهضاوية"، ولكنها معجبة بالبرنامج المجتمعي للحركة، وبسؤالها عن فحوى البرنامج المجتمعي أجابت بعد تلعثم "التنمية...النهضة تريد مصلحة البلاد وتحسين وظيفة المرأة... !!"، أما عن أهدافها هي كمترشحة للإنتخابات البلدية فهو "إعادة البسمة لمتساكني المنطقة ونشر المحبة بينهم..."، لتكون المرشحة محلّ تندّر لرواد مواقع التواصل الإجتماعي إلى اليوم.

الغنوشي والانترنيت المجاني

حتى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لم يكن بمعزل عن التعرّض لحملة من السخرية بعد إعلانه خلال الحملة الإنتخابية ان الحركة ستركّز شبكة "الوي في" بشكل مجاني في الدوائر البلدية التي ستفوز بأغلبية مقاعدها وستُتاح الأنترنيت مجانا في الحدائق والمساجد والجامعات وفي كل الأماكن العامة باعتبار أن وزارة تكنولوجيات الإتصال يمسكها "نهضوي"، وهو أنور معروف.

ولم تقتصر السخرية من وعد زعيم حركة النهضة التاريخي على رواد مواقع التواصل الإجتماعي او الشباب الذي لم يعد يثق في الأحزاب، فالصحبي بن فرج أحد النواب بالبرلمان والقيادي بحركة مشروع تونس التي تُعلن معارضتها للإسلاميين تهكّم على وعد الغنوشي عبر تدوينة فحواها "وزارة اتصالات النهضة تقدم لكم عرضا تجاريا سياسيا الواي فاي مجاني في كل مكان...العرض صالح الى 6 مايو (تاريخ الإنتخابات البلدية) بدون أي التزامات وفي حدود الأصوات المتاحة" في إشارة واضحة إلى أنه وعد ستنساه الحركة بعد الإنتخابات.

سرقة شجرة وطارد الأرواح...

أما حركة نداء تونس، حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، فقد كان لها نصيبها من التهكّم بنشر صور لمجموعة من منتسبي الحزب أثناء الحملة الإنتخابية بصدد سرقة بعض الثمار من أحد المنازل لتكون تلك الصورة رمزية في سياق الحديث عن الفساد الذي ينخر الحزب وخلال الأيام الأخيرة للحملة الإنتخابية أكد الحزب تعرض منستبيه للإعتداء بالعنف أثناء التواصل المباشر مع المواطنين.

ونشر الحزب على صفحته الرسمية صورة لمديرة التنفيذي حافظ قائد السبسي (نجل الرئيس) وهو بصدد الإطمئنان على إحدى المصابات في عملية الإعتداء، ردة فعل رواد مواقع التواصل الإجتماعي لم يكن التعاطف كما أراد الحزب بل تغيير الصورة الى الأبيض والأسود وجعلها شبيهة باعلانات أفلام الرعب وعنونوها بفيلم الرعب الشهير "The Exorcist" "طارد الأرواح الشريرة" في تهكم على المدير التنفيذي الذي شُبه بطارد الأرواح الشريرة لطريقة جلوسه بجانب المنسبة لحزبه التي كانت مستلقية.

تجدر الإشارة الى ان مبادرة مدنية أطلق عليها تسمية "مبادرة للمساءلة السياسية للمنتخبين" أصدرت تقريرا في نهاية سنة 2016 بخصوص تحقيق الوعود والالتزامات الانتخابية للأحزاب التي وقع إنتخابها في ثاني انتخابات تشريعية بعد الثورة شهدتها البلاد سنة 2014 وخلص التقرير إلى الاحزاب الفائزة، وهي أساسا حركة النهضة ونداء تونس، قدمت وعودا انتخابية خاطئة التي قسّمها التقرير الى صنفين من الوعود الخاطئة، وهي وعود لإنجاز مشاريع منجزة أصلا او رُصدت ميزانيتها حتى خلال حكم بن علي والوعود المبنية على معطيات خاطئة في قطاعات.

كما أكد التقرير أن 89.29 بالمائة من الوعود الانتخابية البالغ عددها الجملي 728 وعدا انتخابيا المعلن عنها من حركتي النهضة والنداء في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 هي وعود "غير دقيقة" في أهدافها و"فضفاضة". فيما خلص تقرير لمنظمة "انا يقظ" صدر السنة الماضية ان الرئيس الباجي قائد السبسي أنجز ثلث وعوده الانتخابية وأخل بـ20 بالمائة منها.

التعاطي الهزلي موقف...

رفيق الحلواني المنسق العام لشبكة "مراقبون"، وهي منظمة تنشط في مجال مراقبة الإنتخابات في كل مراحلها، اعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان التناول الهزلي للحملة الإنتخابية خاصة في علاقة بحزبي النهضة والنداء تعبير عن موقف سلبي منهما وإنعكاس للصبغة غير الجدية التي يتعاطى بها الشباب خاصة مع الطبقة السياسية والأحزاب بسبب تحمليه لها مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وانعدام كلي للثقة فيها وفي الوعود التي أطلقتها خلال الحملة الإنتخابية التي امتدت من 14 ابريل الى أمس الجمعة.

ويرى المنسق العام لمراقبين، أن ضعف خطابات ومستوى المترشحين للإنتخابات البلدية يعود في جزء منه لطبيعة تلك الإنتخابات المحلية المعقّدة في علاقة بتشكيل القائمات وضمان صحّتها القانونية، إذ فرضت التعقيدات القانونية لصحة القائمات حتى على الأحزاب الكبرى اللجوء الى ترشيح مواطنين يمكن ان يكون لهم اشعاع محلي لكنهم لا يفقهون تفاصيل الشأن العام والسياسي وليست لهم أي تجارب سابقة ولم يكونوا يوما منخرطين في أي حزب او تيار سياسي.

يذكر ان القانون الانتخابي التونسي ينصّ على التناصف العمودي، أي أن كل قائمة انتخابية يجب أن تضمّ عددا متساويا من المرشحين والمرشحات كما ينص على التناصف الأفقي أي أنّ على كلّ حزب أو ائتلاف أن يقدّم قائمات انتخابية تتساوى فيها المرأة مع الرجل في ترأس تلك القائمات. 

ولم تتمكن سوى حركة النهضة وحركة نداء تونس من التقدم بقائمات للإنتخابات البلدية بكل الدوائر البلدية البالغ عددها 350 دائرة، فيما عجزت بقية الأحزاب السياسية والائتلافات الانتخابية من ترشيح قائمات بكل الدوائر. لتكون الحصيلة النهائية لعدد القائمات المترشحة حوالي 2074 قائمة تتوزع بين حزبية وائتلافية ومستقلة من بينها 700 تعود لحزبي النهضة والنداء.

وقد خصصت هيئة الانتخابات في 29 ابريل الماضي يوما لتصويت العسكريين ورجال الشرطة وحددت نسبة مشاركتهم بحوالي 12 بالمائة، وهو مؤشر زاد في حدة المخاوف من ضعف مشاركة التونسيين في الاقتراع اليوم.