عاد أبو مازن لمزاولة أعماله، لكنه ما زال مريضًا، ومسألة خلافته قد أثيرت، إذ فيها الكثير من المسائل العالقة، والأسماء المرشحة، والعلاقات المتشابكة، إسرائيليًا وعربيًا وعالميًا.

ايلاف من لندن: مرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس ودخوله المستشفى عدة أيام والضجة التي أثيرت حول ذلك وكمية الشائعات والتقديرات والتوقعات والأخبار والتكهنات التي كانت خلال تلك الفترة أعادت إلى الأذهان وإلى الجميع في فلسطين وفي الخارج ضرورة التفكير مليًا بخليفة للرئيس الفلسطيني الذي يحكم مع مجموعة من المقربين دولة أو كيانًا محتلًا يشبه الدولة بعد انتخابات عام 2005.

بسبب الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني وسيطرة حماس على غزة، لم تجر انتخابات تشريعية أو رئاسية، إنما جرت انتخابات بلدية في الضفة الغربية بعد تأجيل متكرر، كانت الغلبة فيها لـ"فتح" والتنظيمات الموالية لها والمستقلين داخل مدن وقرى الضفة الغربية، حيث لم تطرح حماس أي مرشح لها في هذه الانتخابات، بل دعمت مرشحًا هنا وآخر هناك.

الوضع القانوني في السلطة الفلسطينية غير واضح حتى اللحظة، فالمجلس التشريعي بعد الانقسام لم يلتئم، وكل الدعوات والمبادرات للمصالحة وإعادة عمل المؤسسات لم تنجح، علمًا أن حماس تسيطر على المجلس التشريعي بالأغلبية.

حساسية الوضع

تحدثنا إلى عدد من المصادر والمسؤولين الفلسطينيين الذين فضلوا أن تبقى أسماؤهم طي الكتمان لحساسية الوضع والموضوع، لكن المثير في الامر أن احدًا ممن يطمحون لخلافة أبو مازن لم يرض التحدث عن الأمر أبدًا.

من الاجابات عن استفسارات "إيلاف"، تم التوصل إلى النتيجة الآتية: أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الاخيرة برام الله إلغاء دور المجلس التشريعي الفلسطيني الذي يترأسه عزيز الدويك (حماس) وتم تخويل اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسجطينية بأن تحل محل المجلس التشريعي، ويترأسها محمود عباس ونائبه صائب عريقات. 

أما في فتح، فنائب الرئيس هو محمود العالول، وبالتالي في حين غياب الرئيس لأي سبب من الاسباب عن الساحة الفلسطينية، صائب عريقات يحل مكانه في رئاسة السلطة الفلسطينية إلى حين اجراء الانتخابات خلال ستين يومًا قابلة للتمدييد، كما أن محمود العالول يحل محله رئيسًا لفتح ومنظمة التحرير إلى حين اجراء انتخابات لتلك المؤسسات خلال فترة زمنية محددة.

بعد تماثل الرئيس الفلسطيني للشفاء وخروجه من المستشفى، صدر بيان من الرئاسة يفيد أن الرئيس عاد لمزاولة اعماله وبين المهمات التي سيقوم بها تفعيل عمل اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، في إشارة إلى محاولة من الرئاسة الفلسطينية توزيع الصلاحيات من جهة، ومنع حماس من الوصول إلى سدة الحكم في الضفة الغربية بعد سيطرتها بالقوة على قطاع غزة، من جهة أخرى.

لا فوضى

أكد عدد من الشخصيات الفلسطينية المسؤولة لـ"إيلاف" انه لا يتوقع حالة من الفوضى أو عدم الاستقرار في حال رحيل الرئيس، انما انتقال سريع للسلطة على أن يتم التحضير لانتخابات عامة للرئاسة وللبرلمان الفلسطيني. 

وقال مسؤول كبير إن الامور على الساحة المحلية قد تشهد بعض الفوضى بسبب المرشحين الذين سيأتون كل واحد مع انصاره ومؤيديه إلى الساحة في محاولة لكسب الجمهور، وربما يعتقد بعضهم أن القوة واستعراض العضلات قد يجلب النصر والتأييد، وهذا خطأ كما أفاد المسؤول، وقصد بقوله الشخصيات ذات الخلفيات الأمنية والعسكرية من دون تسمية أحد منهم، مضيفًا أن حماس قد تتعمد إثارة النعرات والفتن داخل الضفة الغربية، وربما توعز لعناصرها ومنتسبيها من الجناح العسكري في الضفة الغربية القيام بعمليات ضد الإسرائيليين لتأجيج الوضع وإثارة الفوضى، ومن ثم قطف المكاسب في الشارع الضفاوي من شماله إلى جنوبه.

قال مسؤول آخر إن حماس قد تخلط الأوراق بقرار خوض الانتخابات الرئاسية بشخص خالد مشعل او اسماعيل هنية، الأمر الذي سيؤدي إلى إحداث بلبلة كبيرة وعدم رضا أميركي وأوروبي وإسرائيلي ومعارضة شديدة قد تنسف الانتخابات، مع أن الدستور الفلسطيني لا يمنع اي فلسطيني من الداخل او الخارج، سواء وافق على اتفاق اوسلو في حينه ام لم يوافق، أن يخوض الانتخابات الرئاسية او التشريعية، ولن تستطيع لجنة الانتخابات المركزية منع هذا أو ذاك من الترشح، ما دام استوفى الشروط الأساسية.

خمس ساعات

على الرغم من مقاطعة إسرائيل للرئيس الفلسطيني، فإنه يبقى شريكًا مهمًا واساسيًا في العملية السلمية المتعثرة، وفي استمرارية التعاون الأمني والمدني بين الجانبين، ولا ترى إسرائيل بحسب مسؤول أمني أي شخصية فلسطينية ربما تحل محل الرئيس محمود عباس في هذا المجال. لكن الأوساط الأمنية الإسرائيلية لا تتوقع فوضى قد تخرج عن السيطرة في حال رحيل الرئيس بشكل مفاجئ أو غير متوقع، فهو خرج معافى من المستشفى وعاد إلى مزاولة أعماله، إلا أن سنه المتقدمة وصحته غير المستقرة قد تكون سببًا لرحيل مفاجئ، عكس ما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي غادر للعلاج في فرنسا، وكان الجميع يعلمون أنه لن يعود، لذلك تم ترتيب نقل السلطة في حينه إلى محمود عباس بشكل سلس وبسرعة.

هذه المرة، يقول مسؤول في فتح إن الحركة لن يستغرقها اكثر من خمس ساعات لجمع اللجنة الخاصة وانتخاب نائب الرئيس محمود العالول إلى حين اجراء انتخابات داخل مؤسسات فتح الامر الذي قد يستغرق بعض أشهر.

أما في شأن الانتخابات العامة بعد الفترة الزمنية المحددة قانونًا، فإن المرشحين لخلافة الرئيس والذين يرون أنفسهم أهلًا للرئاسة هم كثر، ولكل منهم سبب أو دعم أو أجندة أو جهة خارجية أو داخلية مهتمة بأن يكون رئيسًا لفلسطين خلفًا لمحمود عباس.

ونستعرض هنا بعض الشخصيات والوجوه المرشحة للرئاسة:

ماجد فرج

 

 

مدير جهاز المخابرات العامة، مقرب جدًا من الرئيس الفلسطيني وعلى علاقات وثيقة بأجهزة الأمن المصرية والعربية المختلفة، ويحظى بدعم أميركي وإسرائيلي، وهذا قد يكون العائق أمامه لخلافة ابو مازن. يتقن العبرية، وهو مهندس العلاقات والتنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية وبين إسرائيل. هو احد الشخصيات الفلسطينية المهمة اليوم، ويتمتع بخلفية أمنية، وهو من سكان مخيم الدهيشة في بيت لحم، علاقاته العربية تجعله شخصًا مقبولًا من الأطراف الفاعلة على الساحة، وعلاقته بالسعودية جيدة جدًا بحسب المقربين منه.

رامي الحمدلله

 

 

رئيس الحكومة الفلسطينية الحالية، أكاديمي ترأس جامعة النجاح وهو لا ينتمي إلى فتح، إلا أنه قريب منها. يعتبر خيار الغرب لأنه من التكنوقراط، رجل مهني وليس من اتباع الأهواء السياسية المعروفة. يعمل مع الأطراف الدولية في تسيير أمور الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل مقبول. يقول كل من تعامل معه أنه على علاقة طيبة جدًا مع الرئيس الفلسطيني والحلقة المقربة منه، خصوصًا نجلا الرئيس، طارق وياسر.

جبريل الرجوب

 

 

مسؤول الرياضة والشباب في فلسطين، قائد الأمن الوقائي سابقًا في الضفة الغربية ومن الشخصيات الوطنية والشعبية في الضفة الغربية. يرى نفسه مرشحًا طبيعيًا لخلافة الرئيس الفلسطيني ويعمل على حشد التأييد في الشارع الفلسطيني من خلال عمله في مجال الرياضة والشباب. هو شخصية أمنية تربطه علاقات واسعة بالجانب الإسرائيلي. يتكلم العبرية بطلاقة وهو متحدث لبق في الإعلام الإسرائيلي، يحرج محاوريه الإسرائيليين في معظم الأحيان بالحجة والبرهان. من منطقة الخليل، يحظى بدعم في محيط الرئيس الفلسطيني خصوصًا أنه يعتبر الخصم اللدود لمحمد دحلان الذي تتهمه الرئاسة الفلسطينية بالاختلاس، وهي حاكمته غيابيًا. لكن علاقاته العربية ليست كما يرام، وهو زار السعودية أخيرًا لبناء العلاقات مع السعوديين، بحسب المقربين منه.

ناصر القدوة

 

 

وجه معروف فلسطينيًا ودوليًا، لعب أدوارًا مهمة في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو ابن شقيقة عرفات. طرح اسمه اكثر من مرة بدعم مصري واماراتي، لكن قربه من محمد دحلان جعلت مؤسسات فتح لا تستسيغ فكرة أن يكون خليفة للرئيس، خصوصًا أن أبو مازن أبدى أكثر من مرة عدم ارتياحه من عمل القدوة، ورفض طلبًا مصريًا بتعيينه وزيرًا للخارجية، بدلًا من الدكتور رياض المالكي. لكن هناك محاولات لدفع اسمه ليكون مرشحًا قويًا لخلافة الرئيس. أما الأوساط الأمنية الإسرائيلية فلا ترى حظوظًا للقدوة في الخلافة، ولا ترى أنه سيكون ملائمًا لوجهات النظر الإسرائيلية في المجالات السياسية وخصوصًا الخارجية.

مروان البرغوثي

 

 

قائد ما يسمى بتنظيم فتح الذي قاد الانتفاضة الثانية منذ عام 2000. يقبع في السجن الإسرائيلي بتهمة القتل محكومًا بخمس مؤبدات. يعتبر خيار الجناح المتشدد في حركة فتح، لأنه قاد الانتفاضة الثانية بإيعاز من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتمت محاكمته إسرائيليًا لقيامه بذلك الدور، وأدانته المحكمة الإسرائيلية بالتخطيط لعمليات أودت بحياة عشرات الإسرائيليين. هذا جعل منه قائدًا داخل السجن وقائدًا منتظرًا خارج السجن. حتى معارضو فتح من حماس وغيرهم يرون فيه مرشحًا طبيعيًا للرئاسة، إلا أن وجوده في السجن الإسرائيلي واعلان إسرائيل عدم اطلاق سراحه حتى وان فاز بالانتخابات يجعل من إمكانية اختياره او انتخابه غير واردة حاليًا، إلا انها مطروحة بشكل أو بآخر.

عدنان مجلي

 

 

عالم فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية، ورجل أعمال وثري. في الفترة الاخيرة، برز اسمه مرشحًا للرئاسة الفلسطينية من الأوروبيين، إضافة إلى تلقيه إشارات أميركية مختلفة إلى احتمال دعمه. قام بزيارات متتالية إلى غزة، واجتمع بقادة حماس هناك وبخالد مشعل وهنية في قطر، وحصل على تعهد منهما بدعمه في حال اختار الترشح وخوض هذه التجربه. وهو بحسب مقربين منه يرى انه يستطيع ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وإتمام المصالحة بين فتح وحماس، وله مقترحات بهذا الشأن، ويقوم في الآونة الأخيرة بزيارات وجولات ميدانية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، ويوزع التبرعات ويقيم المراكز التعليمية ويرصد المنح والمساعدات للجامعيين.

خالد مشعل

 

 

رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، يقيم في قطر حاليًا. لم يدل بأي تصريح في هذا الموضوع، إلا أن مقربين منه طرحوا اسمه مرشحًا محتملًا للرئاسة الفلسطينية في حال كانت الظروف ملائمة لذلك. مشعل يحظى بدعم حماس والحركات الأصولية الفلسطينية وقطر وتركيا وبعض الدول الاسلامية الاخرى، كما بدأ أخيرًا يتحدث عن حل الدولتين وإمكانية قبول دولة فلسطينية في حدود عام 1967، وهي إشارات إلى إمكانية خوضه الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في الوقت الملائم. لكن كما أشرنا سابقًا، ترشيح مشعل ربما يؤدي في هذه المرحلة على الأقل إلى نسف العملية السياسية بكاملها، لأن حماس لا تزال في العرف الإسرائيلي والأميركي والأوروبي وحتى العربي أحيانًا تنظيمًا إرهابيًا.