من المُقرّر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أشهر، لكن يجب عقد اتفاق بين الطرفين على آلية الخروج، لضمان علاقة مستقبلية جيّدة. وإن لم يتم الاتفاق، ستواجه بريطانيا مشكلات وخيمة.

يعترف وزير التفاوض مع الإتحاد الأوروبي دومينيك راب، الذي حلّ محل وزير التفاوض المُستقيل ديفيد ديفيز، الذي إنتقد مواقف رئيسة الوزراء تيريزا ماي البراغماتية تجاه البريكست، بأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق سيكون كارثة لبريطانيا. وأشار في مقابلة صحفيّة إلى أن آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي بحسب المادّة 50 من معاهدة لشبونة تتطلّب وجود اتفاق إطار مستقبلي لعلاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي لاحقًا.

شروط الخروج

من شروط الخروج، يتعيّن على بريطانيا تقديم تسوية مالية بحدود 35 مليار جنيه استرليني (40 مليار يورو). وأكّد فيليب هاموند، وزير الخزينة البريطاني، أن بريطانيا ستلتزم تعّهداتها المالية.

من المُقرّر أن تخرج المملكة المتّحدة من الاتحاد الأوروبي في 30 مارس المقبل، غير أن الطرفين يجب أن يتوصلا إلى اتفاق للانفصال بحلول نهاية أكتوبر من أجل تنظيم "بريكسِت"، وإرساء قواعد علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي مستقبلًا، منح البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية مُهلة للمصادقة على النص.

والتقى راب لأول مرّة يوم الجمعة الماضي كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه.
ويتخوّف الأوروبيون من مراوحة المحادثات ومن التشكيك المتواصل داخل بريطانيا في نهج تيريزا ماي الهادف إلى التوّصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول العلاقات المستقبلية.

إصرار على الخروج

في يناير هذا العام، قال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، مخاطبًا برلمان الاتحاد الأوروبي: "حتى لو غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، سوف نرحب بعودتها للإنضمام تحت المادة 49 من معاهدة الاتحاد الأوروبي".

المادّة 50 التي تمّ تفعيلها أواخر مارس/آذار 2017 هي الآلية القانونيّة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو الطلاق. أمّا المادّة 49 هي لتمكين بريطانيا الطلب بالعودة والإلتحاق بالاتحاد الأوروبي مجددًا. بالطبع هناك شروط للعودة، ومنها موافقة بالإجماع من باقي أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 27 بعد خروج بريطانيا. على الأقل، بقي الباب مفتوحًا أمام بريطانيا للعدول عن "البريكسيت". ومن يُتابع الشأن البريطاني يعرف أن الحكومة البريطانية مصممة على الخروج، سواء بصفقة واتفاق تجاري أو حتى بدون صفقة او اتفاق لتنظيم العلاقة بعد البريكسيت.

عواقب وخيمة

نظريًا، فإن عدد كبير من مُؤيّدي البريكست لا يكترثون للعواقب، لأن اهتمامهم الأيديولوجي الأكبر هو الخروج واستعادة السيادة البريطانية كما يقولون. لكن، من ناحية عمليّة، هناك عواقب وخيمة.

النتائج السلبيّة للبريكست ستؤثّر في المواطن البريطاني العادي وفي الشركات. وبحسب مصادر صحيفة فايننشال تايمز في 21 يوليو الحالي، "إن الحكومة البريطانية تدرس خطّة أو خُطط إحترازية في حالة الخروج دون التوصّل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي". أغلبية رجال الأعمال تريد بقاء بريطانيا مرتبطة مع الاتحاد الأوروبي باتفاقات تجارة حرّة. كما يحذّر هؤلاء من هروب الاستثمارات والشركات من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في حالة عدم التوصّل إلى صفقة بين الطرفين.

من عواقب الخروج بلا اتفاق هو إخضاع البضائع الواردة من أوروبا لإجراءات جمركيّة معقّدة، ناهيك عن تفتيش الشاحنات التي تدخل بريطانيا من أوروبا يوميًا، ويبلغ عددها 10 آلاف شاحنة مما سيخلق إزدحام شديد وتأخير وعنق زجاجة في مناطق العبور خاصة في مقاطعة كينت. ستعم الفوضى والتأخير والمواد الغذائية الغير مثلجة قد تتلف. وبعد 45 عامًا من بناء وحدة اقتصادية متكاملة، تأتي بريطانيا وتُطالب بتمزيق هذه الوحدة وتفكيكها.

خطط إحترازية

جعلت هذه الحالة الشركات التي تتعامل بالأدوية والمواد الطبّية والغذائية بالتخزين وبناء احتياطي كبير يكفي لشهور عدة. ولوجستيًا، ما يُسمى بسلاسل الإمدادات Supply Chains للأغذية والأدوية ستنكسر وتتعطّل. وبحسب دراسة أجراها التحالف الصناعي البريطاني، 61 في المئة من أعضاء التحالف يعملون على وضع خطط طوارئ احترازية، تحسّبًا لخروج بريطانيا بدون اتفاق على مستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

عبّرت مصانع المواد الغذائية البريطانية عن قلقها حول إمكانية عبور الشاحنات في الأيام القليلة قبل الطلاق النهائي أواخر مارس آذار 2019 والأيام التالية، وهناك مخاوف بشأن الأسعار التي سترتفع وتعاقب المُستهلك البريطاني. ومن الجدير بالذكر أن 50 في المئة من المواد الغذائية التي تستهلكها بريطانيا مستوردة من الخارج، و80 في المئة منها تأتي من الاتحاد الأوروبي، و90 في المئة من المُستوردات الغذائية تأتي من خلال مَمرّ دوفر في مقاطعة كينت جنوب شرق بريطانيا. ومن المتّوقع أن تشهد تلك المنطقة حالة إزدحام سير شديدة وبطيئة نتيجة للإجراءات الجمركية والرقابة والتفتيش.

أنظمة جديدة

تقرّ الحكومة البريطانية بأنه يجب تجنيد 5000 مأمور جمارك جدُد إذا خرجت بريطانيا بدون اتفاق، وحتى اللّحظة تمّ تعيين 1113 موظفًا جديدًا بحسب دائرة الضرائب والجمارك البريطانية. وسيضطر البرلمان البريطاني إلى تشريع أكثر من 1000 قانون ثانوي خلال أيام قليلة من تاريخ انتهاء الارتباط، أيّ أواخر مارس 2019. وهذه الأدوات القانونية الجديدة ستحلّ محل أنظمة الاتحاد الأوروبي التي كانت تنطبق على بريطانيا في أثناء عضويتها في الاتحاد، وسيتمّ دمجها في القانون البريطاني. وتشمل أمور عديدة مثل شهادات السلامة للخطوط الجويّة، وأنظمة الطيران وحقوق الطائرات البريطانية في الهبوط في مطارات الاتحاد الأوروبي والعكس. هذا يستدعي اتفاقات أخرى جديدة وتعاون بين الأطراف.

تشمل أيضًا مسائل تتعلّق بتنفيذ العقود المالية. وكذلك إبقاء الاتفاقات المتعلّقة "بنفق المانش" أو نفق القنال الإنكليزي تحت البحر الذي يربط بريطانيا بفرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي.

محاولة التوصل إلى اتفاق

في هذا السياق، يقول مكتب الإحصاءات الوطني البريطاني إنه يجب إصدار 7 ملايين رخصة سواقة دولية تسمح للبريطانيين بقيادة السيارات في دول الاتحاد الأوروبي.

الطلاق يبدو سهلًا من الناحية النظرية، لكن في الواقع ستظهر عراقيل ومشكلات يصعب حلّها. ولا تزال بريطانيا تفاوض وتحاول التوصّل إلى اتفاق مع المفوضية الأوروبية في الأسابيع المقبلة، لأن البديل أي الطلاق من دون وفاق واتفاق سيكون كارثة بالمعني الحقيقي.

سياسيًا، الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي بوتين يرحبان بتفويض الاتحاد الأوروبي. ويرجّح المراقبون أن تشهد بريطانيا أزمة جديدة بسبب زيادة وعي عامة الشعب من التكلفة الباهظة للبريكست بدون صفقة أو اتفاق.