قطاع غزة: ينفذ الجيش الإسرائيلي منذ فجر الإثنين عملية قال إنها "محددة" في مجمع الشفاء الطبي بحي الرمال في مدينة غزة بناء على معلومات بوجود مسؤولين من حماس فيه، وسط قصف مدفعي وغارات جوية كثيفة تسببت بفرار السكان من المنطقة المحيطة بعد الدعوة لإخلائها.

وقالت وزارة الصحة التابعة لحماس "تلقينا عشرات الاتصالات من مواطنين بوجود عشرات الشهداء والمصابين في الشوارع في حي الرمال ومحيط مستشفى الشفاء، ولا يستطيع احد نقلهم للمستشفى بسبب كثافة اطلاق النار والقصف المدفعي".

وقال شهود إن مبنيين داخل المجمع الطبي وهو الأكبر في قطاع غزّة، تعرضا للقصف، وإن حريقًا شب في الطوابق العلوية بقسم الجراحات التخصصية، وتحدثوا عن حالات اختناق.

وقال الجيش إنه تعرض لإطلاق نار من داخل المجمع.

وأفاد في وقت لاحق أنه قتل داخل المجمع فائق المبحوح الذي وصفه بأنه "رئيس مديرية العمليات في الأمن الداخلي، المسؤول عن تنسيق أنشطة حماس" في غزة.

وقال مصدر في شرطة غزة لفرانس برس إن فائق المبحوح هو "مدير في عمليات الشرطة وكان من مهامه تأمين وصول شاحنات المساعدات".

وقال مراسل لوكالة فرانس برس إن الطيران الحربي قصف عشرات الشقق السكنية في حي الرمال ومحيط مجمع الشفاء الذي يضم كذلك آلاف النازحين. وأضاف أن مئات المواطنين وغالبيتهم أطفال ونساء ومسنون شوهدوا يهربون من بيوتهم باتجاه حي الزيتون والدرج في وسط وشرق مدينة غزة بسبب القصف الجوي والمدفعي المكثف.

وأعلن الجيش حي الرمال والمجمع "منطقة قتال خطيرة"، ودعا جميع المدنيين لإخلائها "بشكل فوري"، عبر إلقاء منشورات طلبت منهم التوجه "غرباً ومن ثم عبر شارع الرشيد (البحر) جنوباً إلى المنطقة الإنسانية في المواصي" الساحلية على بعد نحو 30 كلم من غزة.

وأكد الناطق باسمه أفيخاي أدرعي عبر منصة "إكس" أن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن (الشاباك) "يعملان داخل مجمع الشفاء الطبي"، وأن العملية التي بدأت فجرًا "متواصلة".

وارتفعت حصيلة قتلى الجيش في قطاع غزة إلى 250 منذ بدء عمليته البرية في 27 تشرين الأول (أكتوبر) بعد مقتل جندي الإثنين. وقال مصدر أمني لفرانس برس إنه قُتل في القتال الدائر في مجمع الشفاء.

وقال مكتب الإعلام التابع لحماس وشهود أن الجيش "اقتحم المستشفى ويقوم مع ضباط أمن بعمليات استجواب وبالتحقيق مع عدد من أفراد الكادر الطبي ومصابين ومرضى ومرافقيهم في قسم الطوارئ والاستقبال فيه".

وقال سكّان إنّ دبابات اقتحمت مستشفى الشفاء من البوابتين الجنوبية والشمالية، بعد "توغل أكثر من 45 دبّابة وناقلة جند مدرّعة" في حيي الرمال وتل الهوى. وأفادوا عن "معارك" وعن "مُسيّرات تطلق النار في الشوارع المحيطة" بالمجمع الذي طوقه الجيش.

ودان المكتب الإعلامي التابع لحكومة حماس في غزّة العمليّة، قائلًا إنّ "اقتحام مجمّع الشفاء الطبّي بالدبّابات والطائرات المسيّرة والأسلحة، وإطلاق النار في داخله، هو جريمة حرب".

وتعقيبًا على ذلك، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على منصة "إكس" "نشعر بقلق بالغ حيال الوضع في مستشفى الشفاء في شمال غزة"، محذّرا من أن "أي أعمال عدائية أو عسكرة للمنشأة تعرّض للخطر الخدمات الصحية ووصول سيارات الإسعاف وإيصال الإمدادات المنقذة لحياة" السكان.

اقتحم الجيش في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) المجمع الذي يعمل حاليا بالحدّ الأدنى وبأقلّ عدد من الموظّفين. وقال الجيش حينها إنّه عثر على "ذخيرة وأسلحة ومعدّات عسكريّة" لحماس، وهو ما نفته الحركة الإسلاميّة.

ومنذ بداية الحرب نفذ الجيش الإسرائيلي عمليّات في مستشفيات عدّة، متهمًا حماس باستخدامها، رغم نفيها.

وتقول الأمم المتحدة إنّ أقلّ من ثلث المستشفيات في قطاع غزة يعمل حاليا، وبشكل جزئيّ فقط بعد أن تضررت 155 منشأة.

ولم يهدأ القصف طوال الليل في مختلف أنحاء القطاع حيث قالت وزارة الصحة إن الجيش نفّذ "أكثر من 70 غارة جوية" أوقعت 81 قتيلًا و116 جريحًا، من شمال القطاع وحتى رفح في الجنوب فيما تدور معارك في مدينة حمد السكنية ومناطق أخرى في خان يونس، شمال رفح.

ومع ارتفاع أعداد القتلى وانتشار الدمار، ازدادت الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل. وقال مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بروكسل "كانت غزة قبل الحرب سجنا مفتوحا. باتت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة... إنها مقبرة لعشرات آلاف الأشخاص كما أنها مقبرة للكثير من أهم مبادئ القانون الإنساني".

وكرّر بوريل الاثنين اتهام إسرائيل باستخدام المجاعة "سلاح حرب" من خلال تعطيل دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع.

ولكن وزير الخارجية يسرائيل كاتس إن "إسرائيل تسمح بدخول" الكثير من المساعدات إلى غزة.

دمار ومجاعة
وحذر تقرير تدعمه الأمم المتحدة من أن المجاعة ستصيب شمال القطاع المدمر والمعزول بين الآن وأيار (مايو)، في غياب أي تدخل عاجل. وقال إن "كل الأدلة تشير إلى تسارع كبير في الوفيات وسوء التغذية. انتظار تصنيف مجاعة بأثر رجعي قبل التحرّك هو أمر لا يمكن قبوله".

وقالت نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بيث بيكدول لفرانس برس إن "وجود نصف السكان (1,1 مليون نسمة) عند مستويات كارثية، قريبة من المجاعة، هو أمر غير مسبوق".

وتقول وكالات إغاثية إنها تواجه صعوبات في بلوغ مناطق الشمال وتوزيع المساعدات فيها، وإن الإنزال الجوي والممر البحري لا يمن أن يلبيا الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، اكثر من 1,7 مليون منهم نازحون.

وقالت منظمة أوكسفام الخيرية الاثنين إن "رغم مسؤوليتها كقوة احتلال، فإن ممارسات إسرائيل وقراراتها تُواصل بشكل منهجي ومتعمد عرقلة ومنع أي استجابة إنسانية دولية ذات مغزى في قطاع غزة".

ودعا رئيس الوزراء الايرلندي ليو فارادكار الأحد إلى وقف لإطلاق النار، مشددًا على أن السكان "بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء والمأوى".

وتحذر الأمم المتحدة من تفاقم الوضع في حال نفذت إسرائيل وعيدها باقتحام رفح حيث يتكدس 1,5 مليون شخص معظمهم نازحون، بعد أن قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو إنه سيتم إجلاؤهم قبل تنفيذ عملية عسكرية في المدينة الواقعة على الحدود المغلقة مع مصر.

وعلى مسار التفاوض، يُرتقب أن يعقد رئيس الموساد الإسرائيلي ورئيس الوزراء القطري ومسؤولون مصريون لقاء في الدوحة الاثنين، لبحث هدنة محتملة في غزة واتفاق لتبادل الرهائن، وفق مصدر مطلع على المحادثات.

وهذه المحادثات في العاصمة القطرية هي الأولى بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة التي شارك فيها وسطاء قطريون وأميركيون ومصريون وفشلت في إبرام هدنة قبل رمضان.

واقترحت حماس الجمعة اتفاق هدنة من ستة أسابيع يتضمن مبادلة 42 رهينة بينهم مجندات بأسرى فلسطينيين، في ما اعتُبر موقفا أكثر مرونة بعد أن طالبت بوقف إطلاق نار نهائي قبل أي اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.

اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عقب هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 1160 شخصا، معظمهم مدنيّون، حسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة.

وردّت إسرائيل بحملة قصف مركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع في القطاع، ما أسفر عن مقتل 31726 شخصاً في قطاع غزة المهدد بالمجاعة، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.

وتقدّر إسرائيل أنّ نحو 130 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، من بينهم 33 يعتقد أنهم لقوا حتفهم، من بين نحو 250 شخصا اختطفوا في هجوم حماس. وسمحت هدنة استمرت أسبوعاً في تشرين الثاني (نوفمبر) بإطلاق سراح 105 رهائن في مقابل 240 معتقلاً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.