فيصل القاسم
لسنا هنا في صدد سرد فضائل الشبكة العنكبوتية، وهي لا شك كثيرة جداً، فما يعنينا في هذا المقام أن الانترنت تحولت إلى مرتع للقرصنة، إن لم نقل للبلطجة، وقد آن الأوان لوضع حد للقراصنة كي لا يتمادوا أكثر فأكثر في انتهاكاتهم وخروقاتهم المتعددة للممتلكات الفكرية بأشكالها كافة.
من أكبر ضحايا الانترنت على الإطلاق هي حقوق الملكية الفكرية، خاصة في العالم العربي الذي لا يعير تلك الحقوق أي اهتمام يذكر. فبينما يلتزم العالم الغربي المتقدم باحترام إبداعات الآخرين، أدباً كانت أو فناً، أو موسيقى، أو أفكاراً، فإن من أسهل الأمور على الإنسان العربي أن يسرق جهود الآخرين دون أن يرمش له جفن. ففي الغرب، لا تستطيع وسيلة إعلام أن تقتبس أي مقطع موسيقي دون أذن من صاحبه أو الشركة المنتجة، أما وسائل الإعلام العربية فتستطيع أن تذيع أي شيء دون أذن مسبق، وليشرب المعترضون من مياه البحر الأسود. وكثيراً ما تدفع وسائل الإعلام الغربية مبلغاً من المال مقابل بث مقطع موسيقي حتى لو كان طوله ثلاث ثوان. لماذا؟ لأن الغربيين يعتبرون أن الموسيقى جهد فكري ثمين، ناهيك عن أن الموسيقيين يعتاشون عادة من ريع أعمالهم الموسيقية، وإلا لماتوا جوعاً. وتعتبر أمريكا أكثر الدول مكافحة للقرصنة.
صحيح أن بعض وسائل الإعلام العربية تشتري أحياناً حقوق بث بعض الأغاني، إلا أن الموضة في عالمنا التعيس هو الاعتداء على حقول الملكية الفكرية. ومع ظهور الانترنت تعاظمت الاعتداءات، وأصبحت على عينك يا تاجر.
كلنا يعلم أن المطربين والمطربات والموسيقيين والموسيقيات العربيات يبذلن الغالي والرخيص، لا بل يقترضن أحياناً لإنتاج ألبوم غنائي. وقبل أن تتحول الانترنت إلى بلطجي من العيار الثقيل، كان المطربون يحققون إيرادات لا بأس بها من ألبوماتهم الغنائية، لا بل إن بعضهم حقق ثروات كبرى من بيع الأشرطة الغنائية. وهذا طبعاً من حقهم، فما العيب أن يتاجر الفنانون بفنهم، وهو سلعتهم الأساسية؟
لكن ما أن غدت الشبكة العنكبوتية ساحة للتهريب والمهربين والمعتدين على الملكيات الفكرية، حتى ساءت أحوال العديد من الفنانين العرب. تصوروا أن مطربة أو مطرباً عربياً يدفع الذي فوقه والذي تحته كي ينتج ألبوماً، ثم يُفاجأ في اليوم التالي أن ألبومه أصبح متاحاً للقاصي والداني على شبكة الانترنت كي ينزله ويستمتع به دون أن يدفع فلساً واحداً. فبدلاً من أن ينزل معجبو المطرب إلى الاسواق لشراء الألبوم، يقومون بتنزيله من الانترنت بدقائق، وكفى الله المعجبين شر الشراء. ألا تبقى القرصنة صورة مطابقة للسرقة؟
بربكم كيف للمطربة أو المطرب أن يسترجع أتعابه بعد أن يكون اللصوص العنكبوتيون قد سرقوا جهده في وضح النهار؟ ما فائدة أن ينتج الفنان ألبوماً إذا كان جهده سيضيع سدى؟ ألم يبدأ الفنانون بالتفكير ألف مرة قبل الإقدام على إنتاج شريط غنائي؟ ألا تضر هذه البلطجة الفاقعة بالفن والفنانين العرب؟ أليست محاربة صارخة للفن؟ ألا يعاني سوق الكاسيت من أزمات ومشاكل كبرى بسبب سرقة الأغاني على الانترنت وقراصنة الكاسيت الذين يستولون علي أي شريط كاسيت يُطرح بالسوق ويزورونه، ولا توجد جهات تستطيع السيطرة على هذه السرقات؟ ألم يصبح هؤلاء القراصنة مافيا خطرة؟
لنقارن بين مواقع الانترنت العربية والمواقع الغربية، فنرى أن مواقعنا تعج بألوف الأغاني العربية والأجنبية، وهي متاحة للجميع كي ينزلوها مجاناً، بينما قلما تجد موقعاً غربياً يعرض أغاني المطربين والمطربات الغربيات دون ثمن. وإذا وجدنا بعض الأغاني الغربية على الشبكة العنكبوتية، فيكون ذلك بتصريح ومباركة من منتجيها وأصحابها. وعلى العموم يبقى هذا الأمر نادراً. ولا شك أن الفنانين الغربيين سيصابون بصدمة كبرى فيما لو تصفحوا مواقعنا الفنية العربية، فسيجدون فيها معظم أغانيهم وألبوماتهم للتنزيل الفوري quot;ببلاش، يا بلاشquot;.
وكم شعرت بالاشمئزاز من أحد لصوص الانترنت وهو ينتقد الفنانة العظيمة فيروز لمجرد أن مدير أعمالها طالبه بوقف بث أغانيها على موقعه دون مقابل. أليس من حق فيروز وأمثالها أن يجنوا ثمرة أتعابهم حتى لو مر عليها عشرات السنين؟ أليست الملكية الفكرية دائمة بدوام أصحابها، ثم تؤول لورثتهم بعد رحيلهم؟
إلى متى تبقى الانترنت ساحة للمهربين؟ أليس حرياً بالحكومات والجمعيات والاتحادات الفنية أن تضغط على المشرعين لسن قوانين وتشريعات تحمي الملكية الفكرية للمطربين والمطربات؟ أليس حرياً بمبرمجي الانترنت أن يضعوا الكوابح اللازمة لضبط عمليات القرصنة والبلطجة الانترنتية؟ ما العيب في ملاحقة كل من ينشر أغاني وأعمالاً موسيقية بدون موافقة أصحابها على الانترنت؟ أليس من السهل وضع برامج الكترونية تحول دون تنزيل عمل فني دون دفع ثمنه، خاصة وأن الدفع بالبطاقات الائتمانية سهل للغاية على متن الشبكة؟
قد يقول قائل إن بعض المطربين والمطربات العرب هم من ينشر أعماله الفنية على الانترنت، ويجعلها متاحة لمن يريد تنزيلها والاستمتاع بها، وهو نوع من الترويج. وهذا طبعاً أمر عائد لأولئك المطربين والمطربات. لكن ليس هناك أدنى شك بأن المطرب الذي يجد أن قراصنة الانترنت قد quot;لطشواquot; ألبومه بعد يوم من توزيعه في الأسواق سيصاب بصدمة كبرى، ناهيك عن أن هناك فنانين ليسوا بحاجة للترويج المجاني، وبالتالي فهم يرفضون رفضاً قاطعاً أن يتم استغلال تعبهم الفني دون مقابل. وهذا من حقهم تماماً.
ربما يجد بعض العرب quot;الغلابةquot; لذة كبرى في سرقة بضعة أغنيات من الانترنت، وربما اعتبروا ذلك نوعاً من الانتقام لوضعهم المادي البائس، لكن حبذا لو وضعوا أنفسهم مكان مطربة أو مطرب مسكين تتم سرقة أعماله من على الأثير الالكتروني قبل أن يقبض فلساً واحداً من ريعها، فلا شك أنهم سيقدّرون حجم المصيبة.
التعليقات