علي الظفيري

يمثل صباح العيد لحظة فارقة بين فعلين يمارسهما الإنسان المسلم تقربا من الله، الإمساك عن الطعام والتمتع به، بملء إرادته يتوقف الإنسان عن الطعام والشراب طوال شهر كامل امتثالا للأمر الإلهي، فيأتي صباح اليوم الأول بعد نهاية شهر رمضان مكافأة له من رب العالمين على امتناعه ثلاثين يوما عن الملذات ابتغاء مرضاته، إنها اللحظة التي يهلل فيها الإنسان ويكبر فرحا طائعا سعيدا، يرتدي الملابس الجديدة، ويتحرر من القيد المؤقت الذي قبل به راضيا ومحبا، إنها لحظة العيد السعيدة، لكن ليس للجميع..
فأحياناً، لا طعام يمتنع الإنسان عن تناوله، ولا ملابس جديدة، ولا لحظة فارقة!
الرقةndash; دير الزور، كلمتان مفتاحيتان في كثير من الأغاني الشعبية القديمة التي كانت تردنا من بلاد الشام، وهما في الوقت ذاته، كلمتان مفتاحيتان لكثير من مفاهيم العزة والكرامة والشهامة العربية، ففي تلك البقعة من سوريا يعيش العرب البدو الأقحاح، ولا بد هنا من درس في الجغرافيا، يحتاج الإعلام العربي الرائد درسا في الجغرافيا!، فالمؤسسات الإعلامية العربية التي تعرف شبه القارة الهندية جيدا، وتتقن كل الدروب الضيقة والزواريب في مشارق الأرض ومغاربها، لا تعرف شيئا عن الجزيرة الفراتية العطشى!، الجزيرة السورية التي تمتد عبر شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وتمثل الجزء الشمالي من وادي الرافدين، ويحدها من الشرق جبال زاجروس ومن الشمال جبال طوروس وإلى الجنوب بادية الشام، وتضم كلا من محافظة نينوى في العراق ومحافظة الحسكة بشكل كامل، بالإضافة لمناطق من محافظتي دير الزور والرقة في سوريا، هذه الجزيرة التي تقع في قلب العالم العربي، ويمكن لأية طائرة تقطع الأجواء العربية من شرقها لغربها أن تلتقطها بسهولة! إن كانت تملك حسّ الالتقاط، ويمكن لعدسة أيّ صحافي أن تسجل ما تشهده تلك البلاد من كارثة، شرط أن تكون قادرة على laquo;الإبصارraquo;!
خط الرقةndash; دير الزور معطل في الإعلام العربي الفضائي والمكتوب المزدهر laquo;مجازاًraquo;، وحدها وكالة رويترز للأنباء تعرف ما يجري هناك، ووحده المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء laquo;أوليفيه دي شوترraquo; يحكي لنا حكاية الجفاف والكوارث الناتجة عنه في أرض الفرات!، وهي ليست كارثة طارئة أو حديثة الولادة، بل معاناة تنسج شباكها حول الجزيرة السورية منذ أربعة أعوام وما يزيد، فسوريا تعرضت منذ العام 2006 لأربعة مواسم جفاف، كان أشدها ضررا الجفاف الذي شهده موسم 2007- 2008، الأمر الذي أدى لخسائر كبيرة في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا خاصة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن الجفاف رفع عدد المواطنين الذين يعانون من فقر مدقع إلى ما يصل إلى ثلاثة ملايين، بعد أن كانوا قرابة مليونَي مواطن في العامين في موسم 2003- 2004، ووصلت أعداد النازحين من تلك المناطق إلى ثلاثمائة ألف حتى الآن حسب الأمم المتحدة!
أصبحت الخيام لغة في تلك المناطق، والجوع مفردة سائدة، الصور التي التقطها ناشطون سوريون عن أحوال أهل تلك البلاد تدفع إلى الكفر، ليس بالله العلي العظيم، بل بالإعلام العربي الغبي، والجمعيات الخيرية التي تنشط laquo;لِحاهاraquo; في البوسنة والشيشان وشبه القارة الهندية وبلاد ما أنزل الله بها من سلطان، وكأنهم ما سمعوا عن المصطفى قوله: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي!، إنها صور تجعلنا نشخص النظر في النظام النيوليبرالي الاقتصادي السوري الذي أهدر الاقتصاد والأرض وأهلك الحرث والنسل، وحافظ على معجزة بقائه على سدة الحكم جيلاً بعد جيل!
يثبت لنا يوماً بعد يوم أننا -بفضل دكاكين الإعلام العربي وأساطين العمل الخيري وجمعيات الحكم الأسرية- أكبر سلة مهملات على وجه الكرة الأرضية، ووحدهم أولئك الصامدون في وجه الظلم والبغي العربي والدولي الممنهج، يعدوننا بمستقبل نظيف!