عبدالله خليفة الشايجي

بينما تنهمك دول المنطقة في هموم أمنها، وتتقلب بين سيناريوهات مخيفة لحروب ومواجهات يخشى أن تجعل الشتاء المقبل ساخناً، ارتفع قرع طبول الحرب مجدداً بأصوات وسيناريوهات أخرى مخيفة خاصة بعد المواجهة المحدودة أو لنقل عملية جس النبض في الحادث الحدودي بين لبنان وإسرائيل. وجاء تعرض ميناءي العقبة في الأردن، وquot;إيلاتquot;، لقصف صاروخي غامض، على وقع تحذيرات ترفع وتيرة الحرب النفسية بين الأطراف المعنية بقطع الأيدي والأرجل وتدمير البنى التحتية، ليُسخِّن كل ذلك الأجواء الحارة أصلاً في هذا الصيف القائظ، وقد بدأنا نضبط ساعاتنا على أجواء شهر رمضان الكريم.

وزادت من سخونة المواجهات والمخاوف من أن تفلت الأمور من عقالها التحذيرات الواضحة من المسؤولين العسكريين والسياسيين الأميركيين والإيرانيين، على حد سواء. وفي هذا الاتجاه كان لافتاً بشكل خاص تأكيد الأدميرال مايكل مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، من أن خططاً لضرب إيران باتت جاهزة، وأن جميع الخيارات تبقى على الطاولة لمنعها من الحصول على السلاح النووي. وكان الرئيس أوباما قد أكد أن العقوبات على إيران بدأت تؤتي أُكلها، وأن عليها تغيير حساباتها وموقفها من برنامجها النووي. أما إيران نفسها فقد ردت بالتأكيد أن المواقف الأميركية quot;لا تستحق الردquot; وتعبر عن الفشل الأميركي، وأن هذه التصريحات quot;فاشيةquot; على حد قول وزير الدفاع الإيراني، الذي أشار أيضاً إلى أن quot;الحديث عن وجود خطط لمهاجمة دولة مستقلة في الألفية الثالثة أمر يخالف ميثاق الأمم المتحدةquot;.

وعلى الساحة العراقية لم يفاجئنا تصريح طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي الأسبق في عهد صدام، الذي قال فيه إن الأوضاع في بلاد الرافدين أسوأ اليوم مما كانت عليه في ظل حكم صدام، محذراً من أن الانسحاب العسكري الأميركي quot;سيترك العراق للذئابquot;! هذا مع العلم أن الانسحاب الأميركي سيتم من خلال سحب جميع القوات العسكرية المقاتلة بنهاية أغسطس الجاري، على أن تنهي الولايات المتحدة انسحابها الكامل وفق أجندة quot;اتفاقية سوفاquot; بنهاية ديسمبر 2011.

أما عنوان المرحلة الآن، على المحور الفلسطيني، فهو المراوحة المحبطة والتقلب والخلافات على التفاوض المباشر أو غير المباشر بين الفلسطينيين وإسرائيل، ضمن مسار شاق يبدو أنه لا يفضي، حتى الآن على الأقل، سوى إلى المزيد من السراب.

وفي هذه الأثناء أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن الإرهاب، وأكدت أن تنظيم quot;القاعدةquot; هو أكبر تهديد للولايات المتحدة في الداخل الأميركي، ولمصالحها في الخارج. وقد أتى ذلك في اليوم نفسه الذي نجحت فيه واشنطن في اعتقال وتوجيه اتهامات لأربعة عشر صوماليّاً أميركيّاً بدعم الإرهاب مما يؤكد استمرار quot;القاعدةquot; والتنظيمات الإرهابية الأخرى في تجنيد كوادر في الداخل الأميركي. والملفت في هذا التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، أنه رصد وقوع 11 ألف حادث وعمل إرهابي خلال العام الماضي أدت إلى مقتل حوالي 15 ألف شخص حول العالم، ولكن على رغم هذا العدد الكبير للعمليات الإرهابية، إلا أن عددها انخفض بشكل كبير مقارنة بعدد العمليات الإرهابية التي وقعت عام 2006 مثلاً، التي بلغت حوالي 14500 عملية إرهابية جلها في العراق، وأسفرت في مجموعها عن مقتل 23 ألف شخص حول العالم. وكأن الحكومة الأميركية تريد أن تؤكد للمشككين أن ما تسميه حملتها لمواجهة الإرهاب يحرز الآن تقدماً ونجاحات ملموسة في العام التاسع من quot;الحرب على الإرهابquot;. هذا على رغم استمرار المواجهات والعمليات الإرهابية وبقاء خطر تنظيم quot;القاعدةquot; باعتراف واشنطن باعتباره أكبر تهديد لمصالح الولايات المتحدة في الخارج، وأكبر تهديد للأمن داخلها. ومع أن تنظيم quot;القاعدةquot; مُني بهزائم عدة في العام الماضي، إلا أن نطاق خطره اتسع حتى أضحى تهديداً لحكومات منطقتي المغرب العربي والساحل الأفريقي.

كما وصف التقرير الأميركي إيران بأنها تبقى quot;أكبر راعية للإرهابquot;. وبأنها قدمت تمويلا ودعماً لجماعات متشددة في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية وأيضاً لحركة quot;طالبانquot; في أفغانستان، وتهدد أمن لبنان والاستقرار في المنطقة برمتها، واعتبر أن تحركات إيران كان لها quot;تأثير مباشر على الجهود الدولية لتعزيز السلام، كما هددت الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، وقوضت تطور الديمقراطيةquot;.

غير أن أكبر تهديد للقوة الأكبر في العالم لم يعد من الدول، بل بات مما يُعرف في أدبيات العلاقات الدولية بـquot;الفاعلين أو اللاعبين من غير الدولquot;. وأحد اللاعبين من غير الدول هؤلاء، هو موقع quot;ويكيليكسquot; الإلكتروني الذي أثار غضب وزارة الدفاع الأميركية، رمز القوة الضاربة في العالم، التي طلبت من القائمين على الموقع بعد نشر آلاف الوثائق السرية المسربة عن الحرب الأميركية في أفغانستان -مما قد يُعرض حياة الأميركيين وغيرهم في أفغانستان وباكستان للخطر- حذف تلك الوثائق من الموقع الإلكتروني، وتسليم 15 ألف وثيقة لم يتم نشرها بعد عليه. وهذا يدل على قوة حضور quot;اللاعبين من غير الدولquot;، وتعاظم تأثيرهم على الأمن الوطني للدول والأفراد.

على أن معادلة الأمن والحريات كانت حاضرة بقوة مؤخراً، من خلال الوسائط الإلكترونية وما يُسمى الهواتف المثيرة للجدل التي كانت موضوع نقاش عام واسع مؤخراً مع قرار بعض الدول في المنطقة الخليجية وحول العالم، مثل لبنان والهند وإندونيسيا، التفكير الجدي في وقف بعض خدمات التراسل الإلكتروني لأجهزة quot;بلاك بيريquot; بسبب المحاذير الأمنية، لحماية الأمن الوطني للدول والشخصي للأفراد، بسبب سوء استغلال هذه الخدمات في عمليات أمنية وإرهابية وتجسسية، وتأثيرها السلبي على الأمن الوطني بمعناه الشامل. وهي معادلة صعبة ومعقدة تطرح نفسها بين الحريات الشخصية والأمن الوطني، حيث يجب أن تكون للأمن الوطني وحمايته الأولوية على كل ما عداه في هذه الأوقات الصعبة. بل إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت: quot;نحن واعون بأن أسئلة أمنية مشروعة تُطرح بإلحاح. ولكن هناك أيضاً حقاً مشروعاً في الوصول إلى المعلومات والاستخدامquot;.

وفي المحصلة، وفي مواجهة كل هذا الكوكتيل المنوع من الأزمات والمشاكل، الكبيرة والصغيرة، نجد أنفسنا في هذه المنطقة، شديدة الأهمية من الناحية الاستراتيجية، في عين العاصفة بل في مهب مخاطر أمنية وسياسية وإلكترونية، أطرافها دول ومنظمات، وحتى لاعبون من غير الدول. والمطلوب يبقى على الدوام أن تكون هناك استراتيجية متكاملة وخطط تستشرف وتقدم توصيات للتعامل مع الأزمات قبل وقوعها، أو التعامل معها إذا وقعت بسرعة ودقة لتقليل تداعياتها. كما ينبغي أن ينشط التنسيق والتعاون بين جميع الدول المعنية ليتم استيعاب المتغيرات والتهديدات سواء من الدول أو من غيرها!