ميشال شماس

إن من يريد التغيير في سورية هم أغلبية الشعب السوري بمختلف انتماءاته وتلاوينه السياسية والدينية والعرقية، وإن الهدف من هذا التغيير هو نقل سورية من دولة تعيش حالة شمولية إلى دولة تعيش حالة مدنية ديمقراطية تعددية تداولية تُحتَرم فيها حرّيات السوريات والسوريين وتُصَان كراماتهم وتحفظ حقوقهم وأموالهم وممتلكتهم...
إن ما نسمعه اليوم من عبارات وشعارات تصدر عن بعض المعارضين للنظام والموالين له على حد سواء تخدش وتجرح ليس فقط من تُوجه إليه وحسب، بل وحتى من يسمعها أيضاً .. وأقل ما يُقال فيها أنها بعيدة كل البعد عن قيم الحرية والكرامة التي ينشدها الشعب السوري، وبعيدة أيضاً عن قيمة الإنسان كقيمة حضارية.
لقد تسنى لي الإطلاع على بعض مواقع quot; الثورة السورية quot; فهالني الكم الكبير من الشتائم والسباب الذي يخدش الحياء مما يكتب على تلك المواقع وغيرها ممن يدعون أنهم يدعمون الثورة السورية بتلك الكلمات والعبارات الجارحة والخارجة عن باب اللياقة والأدب، وهؤلاء الداعمين لـquot;الثورة السوريةquot; لا يختلفون بتصرفاتهم تلك عما يفعله أيضاً بعض الداعمين والموالين للنظام الذين يستخدمون في دفاعهم عن النظام الأسلوب نفسه تماماً من ترديد عبارات يندى لها الجبين أخجل من ذكر بعضها..
وإنني أتوجه برجاء حارإلى جميع السوريات والسوريين سواء أكانوا موالين أم معارضين أم مستقلين أن يترفعوا عن استخدام تلك العبارات المسيئة لهم بالدرجة الأولى قبل أن تسيء لغيرهم.. إذ أن استمرار ترديد تلك العبارات والشعارات المسيئة لاسيما من قبل بعض داعمي quot;الثورة السوريةquot; سيجعل قسماً من السوريين متردداً في دعم هذا الحراك الشعبي الذي تشهده سورية، مما سيؤثر سلباً في النهاية على مستقبل قضية التغيير في سورية وسيجعلها أكثر صعوبة وكلفة..
وإن حركة الاحتجاجات التي تشهدها سورية منذ أكثر من ستة أشهر لا يمكن لها أن تنتصر بشعارات الثأر والانتقام كإعدام فلان وقتل ذاك، ولا يمكن لها أن تنتصر أيضاً من خلال ترديد عبارات جارحة غير لائقة تنال من شخص رئيس الدولة وأي شخص أخر مهما كان مركزه صغر أو كبر..كما لا يمكن لها أن تنتصر بدعوات البعض إلى حمل السلاح أو من خلال استحضار التدخل الدولي تحت مسميات مختلفة.
وحتى يُقدر لهذا الحراك الشعبي أن ينتصر- ويجب أن ينتصر- ويستطيع نقل سورية من دولة شمولية إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية لابد له من الابتعاد عن إرسال رسائل الوعيد والتهديد تارة بإعدام فلان وقتل علان، وتارة بتوجيه الاهانات والتجريح والسباب والشتائم، وإرسال بديل عنها رسائل الاطمئنان لا التخويف لجميع السوريين معارضين وموالين ومستقلين وصامتين والتأكيد فيها على أن مستقبلهم مضمون وإن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم ستكون مصانة ولنا في رسالة العظيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر حكمة ومثالاً يُحتذى به:(أعلم أن مما يزعجكم أن تروا الوجوه ذاتها التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته. إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.
أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت quot;لجنة الحقيقة والمصالحةquot; التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.إنها سياسة مرة لكنها ناجحة.أرى أنكم بهذه الطريقة وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمة من طبيعة وحجم ما ينتظرها.تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم.أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). انتهى كلام نيلسون مانديلا موحد جنوب أفريقيا وباني مجدها الحديث.
إن الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التداولية التي ننشد إقامتها وبناءها في سورية الجديدة سورية الكرامة والعزة لا يمكن أن تُبنى بالتهديد والوعيد والتخوين والسباب والشتائم والتجريح. ولا يمكن أن تُبنى بالثأر والانتقام، بل تُبنى بتحقيق العدالة والحرية وباعتماد الحوار والتلاقي.. وبنشر المحبة والتسامح..