صالح الديواني


أحد أهم أخطاء الحوار المنطقي هو (التفكير الدائري)، وهو التفكير اللامنتهي في جدليته، والذي لا نهاية له، أي محاولة إثبات الشيء بدليل يبنى على (فرضية صحة) الاستنتاج

لا أتفق بالجملة مع ما قاله الفيلسوف الفرنسي quot;كانتquot;، من أن المنطق ولد كاملاً وتاماً مع كبير الفلاسفة اليونانيين quot;أرسطوquot;، وأن شيئاً كبيراً لم يتغير ولم يطرأ على علم المنطق منذ ذلك الزمن وحتى زمنه هو، وذلك عندي يخالف المنطق ذاته، ويقلب الطاولة رأساً على عقب على ما جاء في قول quot;كانتquot;. فالمنطق يرفض بقوة الحكم على الأشياء بهذه الطريقة الإجمالية، إذ حتى علم الرياضيات قد قلب تاريخ علم المنطق وأسسه التي قال بها كثير من العلماء.
وللمنطق عدة تعريفات متقاربة، لكن أقربها إلى الدقة في رأيي هو التعريف الذي يصف المنطق بأنه: quot;علم قوانين الفكرةquot;، وهي عند quot;أرسطوquot; ثلاثة فقط هي: quot;قانون الهُوية ndash; قانون التناقض ndash; قانون الوسط المرفوعquot;، وعند غيره تصل القوانين للعشرات! وأفكر في تغيير مُسمى القانون الأخير إلى quot;قانون الوسط المنتميquot;، بما يستقيم ويتناسب مع القانونين الأولين في رأيي أيضاً. فالقانون الثالث يجب أن يكون منتمياً بالضرورة إلى طرف معين، وتعليقه لن يكون منطقياً، وليس في صالح المنطق رفعه دون وجهة ما.
ولكي نفهم المنطق وقوانينه علينا البدء في فهم الأسس الأولية لتكوين المنطق والحوار المنطقي، إذ لا توجد نتائج إيجابية دون حوار منطقي يفضي إلى تكوين تلك النتائج التي يمكننا وصفها تالياً بالمنطقية. ويحتاج الإنسان منا إلى المنطق في كل شيء وكل جزء من حياته، ليثبت صحة الفرضيات أو التحركات التي يقوم بها هو شخصياً، أو يفسر على ضوئها تحركات الآخرين من حوله. ولكي يتم لنا الأمر بنجاح لا بد أن نتبنى أسس الحوار المنطقي، التي تبدأ أولاً بضرورة احترام الخصم، وتقدير كل ما يتعلق به، فمن غير المنطقي ألا تحاول الدخول في نقاش أو حوار مع الآخر في الوقت الذي تعتدي أنت عليه بالقذف أو التقليل من حجمه مهما كانت الدوافع، لأنك بذلك ستسقط أول متطلبات الحوار المنطقي المهمة، وهو (احترام الخصم)، ثم يعقب ذلك ثانياً محاولة (فهم الخصم)، والبحث عن نقاط الضعف التي لديه، وبناء استراتيجيتك الخاصة في الرد عليه بشكل منطقي غير مندفع أو خارج عن الأسس الرئيسية للمنطق. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون ردك معارضاً في حال رأيت أن الخصم يصل بشكل ممتاز إلى ما ستصل أنت إليه أيضاً، وهنا يكفي أن تعترف بقوة ما لديه وتؤيد ذلك لينتهي الحوار إلى النقطة الأقرب بينكما، في الوقت الذي يمكنك فيه أن تنقض دليله في حال كان لديك ما يُثبت أنه على خطأ، ولكن شريطة أن تجتنب الوقوع في أخطاء المنطق في الحوار دائماً. وأخطاء المنطق كثيرة، سأتحدث عنها بالتفصيل حسب ترتيب معين أفترضه لنتواصل في الحوار الذي بيننا. وأول أخطاء المنطق هو (الاعتماد على المصادر غير الموثوقة)، فلا يمكن بأي حال محاولة إقناع الخصم بصحة ما لدي، استناداً إلى مصادر افتراضية غير موثوقة، فهذا عبث حواري خطير يرمي بالمنطق إلى خارج سياقه. وثاني أخطاء المنطق الفادحة هو (أن تحاول إثبات أمرٍ ما لشهرته وصيته)، مثل أن تقول إن مارادونا (أفضل لاعب كرة قدم موجود) لأنه مشهور فقط، فهو وإن كان كذلك إلا أنه يجب عليك توفير ما يدعم ذلك بالمصادر الموثوقة، وهي التي تحدثنا عن أهميتها أولاً. ويأتي الخطأ الثالث متمثلاً في (محاولة إثبات الشيء من خلال السيطرة على مشاعر الآخرين)، والذي يعتمد على مدحهم أو تخويفهم أو تهديدهم، فهنا تسقط منطقية الحوار تماماً ويذهب إلى خارج (الموضوعية). ثم يأتي أحد أهم أخطاء الحوار المنطقي وهو (التفكير الدائري). والتفكير الدائري هو التفكير اللامنتهي في جدليته، والذي لا نهاية له، أي محاولة إثبات الشيء بدليل يُبنى على (فرضية صحة) الاستنتاج، وليس دليلاً حقيقياً بالدرجة التي تمنحه مرتبة الدليل، أي إيهام المتلقي بوجود دليل مبني على استنتاج تسلسلي صحيح ومنطقي، مثل أن تقول: quot;إن صعودك للجبل خطرquot;، وحين تسألني لماذا هو خطر؟ أجيبك: quot;لأنه خطر وضد السلامة، وهكذا..quot; وهنا لم أجبك بمنطقية تعتمد الوقائع والأرقام أو التجربة والاستنتاج. لأن quot;ما بُني على باطل فهو باطلquot;.
ومن أخطاء المنطق الكبيرة (أن تتجنب إحضار الإثباتات)، وهو الاعتماد على عدم وجود أدلة كافية تنفي استنتاجك الشخصي، وهنا أنت في الواقع تتجنب إحضار أدلتك التي تؤيد نفيك أو إثباتك لأمر ما. وسادس تلك الأخطاء هو (التعميم الجماعي)، أي أن تعمم سلوك ما على جميع المنتمين لفئة بعينها، كقولك: quot;كل الغرب فاسدون وكفارquot;! فهذا غير دقيق بتاتاً. وسابع هذه الأخطاء يكمن في خطأ فهم وضع (التزامن والسببية)، بمعنى أنه ليس صحيحاً أن الحدث الأول هو السبب في حدوث الحدث الثاني دائماً، أي بما أن الأمر الثاني يأتي بعد الأول، فليس ذلك دليلا على أن الحدث الأول هو سبب حدوث الثاني. فقد لا أذهب إلى النوم حتى إذا دخل الليل.. هذه بعض الأخطاء التي يستغلها البعض أسوأ استغلال، فهناك على الدوام مكامن ضعف خطابية يستخدمها (الديماغوجيون) للتلبيس على العامة، من خلال التلاعب بالألفاظ والكلمات، واللعب على العواطف الإنسانية، وضعف قدرات البعض الذهنية، مستغلين اللحظات العاطفة الإنسانية الجياشة، وهي في الأصل ثغرات في بنية الحوارات العامة التي تريد أن تصبح بأي شكل حوارات منطقية! وكتابات (كارل ساغان) فيها الكثير مما يوضح بقية الأخطاء الشائعة في هذا الجانب، وقد نفصلها لاحقاً بشكل أوسع، لكيلا ندع مجالاً لمن يحاول استغفالنا بطريقة سمجة.