محمود معروف&

&كشفت الانتخابات التشريعية المغربية، التي جرت يوم 7 تشرين الاول/ اكتوبر الجاري، ان اليسار المغربي، بكل تياراته وحساسياته، بات على هامش الفعل السياسي في البلاد، بعد أن هيمن عليه أكثر من 5 عقود، ان كان مشاركاً بالحكم او معارضا ًشرساً او قائداً او مشاركاً في تدبير الشأن العام من خلال قيادته للحكومة او مشاركاً بثقل فيها.

وحسب الأرقام الرسمية لنتائج الانتخابات، التي لم يعترض عليها أحد من تيارات اليسار، باستثناء الاعتراض الناعم لحزب التقدم والاشتراكية، فان مجموع ما حصلت عليه هذه التيارات هو 34 مقعداً جاءت في اللائحة المحلية او اللائحة الوطنية المخصصة للنساء أو الشباب) من 395 هي مقاعد مجلس النواب المغربي، أي أقل من 9 في المائة، موزعة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 20 مقعدا، (14 محلي و6 وطني) وحزب التقدم والاشتراكية 12 مقعدا (7 محلي و5 وطني) وفيدرالية اليسار الديمقراطي، المكونة من 3 احزاب وحصلت على مقعدين.&

ولم تكن هذه النتائج صدمة ومفاجأة لليساريين المغاربة او المتابعين للحياة السياسية المغربية، الا من حيث حجمها ومستوى انهيار قوى هذا التيار، فالمؤشرات على تراجع فعل هذا التيار ظهرت بعد انتخابات 2007، حين فشل الاتحاد الاشتراكي، اقوى الأحزاب اليسارية وقائدها، في تدبير تراجعه في تشريعيات 2007، والقيام بانقلاب افقد المناضلين ثقتهم بحزبهم والمواطنين ثقتهم بحزب يقول بالقوات الشعبية وانشغال اعضاء قيادته بتأمين مواقع في أجهزة الدولة.

وترافق هذا الانقلاب مع صعود شعبية التيارات ذات المرجعية الاسلامية ولمواجهة هذه التيارات دخلت أطراف في السلطة على المشهد السياسي وبدلاً من ان تتوحد التيارات اليسارية، انقسمت حليفة لهذا او ذاك وحيث وصلت نسائم الربيع العربي، كان المشهد قد اكتمل، قطبان وحولهما لاعبون واليساريون موزعون بينهما، وبقي كل قطب من القطبين، يوسع قاعدته على حساب قوى اليسار التي استكانت لخلافاتها الداخلية.

وتعالت الاصوات تطالب قيادات الاحزاب اليسارية تقديم استقالاتها وهو ما قام به صلاح الدين مزوار، (وزير الخارجية) رئيس التجمع الوطني للأحرار، يمين اغلبية حكومية، حيث اعلن عن استقالته مساء اول امس الاحد في أعقاب اجتماع للمكتب التنفيذي للحزب وحصل التجمع الوطني للأحرار على 37 مقعدًا، ليحتل المرتبة الرابعة في الاقتراع. وكان يحوز 54 مقعدًا في البرلمان السابق.

وكان لافتاً تقهقر الاتحاد الاشتراكي بشكل مريب من 38 مقعداً إلى 14 مقعداً فقط وهي نتيجة ستكون كالصاعقة على حزب لم يعرف كيف يدبر خلافاته جيداً ويضبط تحالفاته وخطابه السياسي.

وكان الحزب اليساري الخاسر الأكبر والمفاجأة في هذه الانتخابات هو حزب التقدم والاشتراكية الحليف الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية الذي تراجع من 20 إلى 12 مقعداً فقط رغم الأداء المتميز للحزب ووزرائه خلال مشاركتهم بالحكومة على مدى السنوات الخمس الماضية.

وفدرالية اليسار اعتبرت حصولها على مقعدين برلمانيين انتصاراً كونها لم تشارك بانتخابات 2011 لكنها تجاهلت ان النتيجة المحصل عليها لا تخدم كثيراً تصور الإصلاح الذي تريده الفدرالية وايضاً ان احد احزابها ال3 (الحزب الاشتراكي الموحد) كان ممثلاً في البرلمان منذ 1984 وبقي ممثلاً فيه حتى انتخابات 2011 التي لم يشارك فيها. ويقول المحلل السياسي المغربي، حسن طارق، واحد القيادات السابقة في الاتحاد الاشتراكي إن «نتائج انتخابات السابع من أكتوبر كانت متوقعة»، وأن «التصويت السياسي» كان له عنوان في هذه الانتخابات، بحيث أن جزءًا من الناخبين صوتوا سياسياً ضد «التحكم». وأضاف طارق أن «آخر مؤشر صلب كان لدينا لقراءة هذه النتائج كان هو اقتراع الانتخابات الجماعية الماضية»، بحيث أن تفريغ نتائج 2015 على «الوعاء الانتخابي» و»التقطيع الانتخابي» المتغيرين في الانتخابات التشريعية، كان يسمح بأن تكون لنا صورة قريبة من النتائج التي سترسم خلال الساعات القليلة المقبلة.

وأشار إلى استمرار الظواهر نفسها المرتبطة بالانتخابات، والتي يأتي على رأسها «الثنائية الانتخابية»، ما بين حزبين لهما حضور مهيمن داخل الساحة الانتخابية، وأن هذه الأخيرة تم تكريسها وهي «ثنائية استمرت في إنتاج آثارها في باقي الأحزاب المنخرطة في مشاريع وأطروحات واحد من هاذين الحزبين».

وذكر طارق، في قراءته لنتائج الانتخابات التشريعية، أن هناك أحزاباً عوقبت لأن الناخبين أمام التسييس المتزايد للظاهرة الانتخابية، اختاروا اللجوء إلى «التصويت النافع» وفضلوا التصويت رأساً على حزب العدالة والتنمية او حزب الاصالة والمعاصرة، وهذا أحد العوامل التي تفسر تراجع حزب التقدم والاشتراكية، الذي يُخمن أنه كان «ضحية التصويت النافع لفائدة حزب العدالة والتنمية وتراجع الاتحاد الاشتراكي الذي يخمن أنه «قد يكون ضحية للتصويت النافع لفائدة الاصالة والمعاصرة.

وقال حسن طارق أنه من خلال مؤشر نتائج الاقتراع، خاصة في المدن الكبرى والحواضر، يتضح تأكد العودة التدريجية لـ»التصويت السياسي»، بحيث أن استحقاقات هذه السنة كانت «انتخابات سياسية»، فـ»الحصيلة الحكومية لم تكن موضوعاً لهذه الانتخابات والبرامج الانتخابية لم تكن موضوعاً لها، بل كان موضوعها سياسياً وفوق برامج الأحزاب» .

وفيما يخص فرضية «التصويت العقابي»، أكد أستاذ العلوم السياسية، أنها لم تنجح، بحيث أن بعض الفئات التي يفترض فيها أنها تضررت من السياسات الاجتماعية لحكومة بن كيران، لم تجد بديلاً برنامجياً مقنعاً ولم تجد بديلاً سياسياً ذا مصداقية يمكن أن يلتقط أصواتهم.