&توفيق السيف&&

أراحني جدًا مقال الزميل د. علي سعد الموسى «لأخي الشيعي: تقابلية الانتماء والمرجعية» المنشور في «الوطن» يوم السبت الماضي. يعرف السعوديون د. الموسى كواحد من أكثر الأكاديميين انشغالاً بالشأن العام. وهو رغم قربه من النخبة السياسية، فقد اتسمت معظم مقالاته بشجاعة لافتة في تناول هموم الناس وشكاواهم، وهذا أمر يحسب له ويميزه.

ناقشت مقالة د. علي التعارض المحتمل بين ولاء المواطنين لوطنهم واتباعهم في أمورهم الدينية لفقيه خارج البلد. والسؤال موجه بشكل مباشر للشيعة السعوديين. هذه واحدة من القضايا العامة التي يجب طرحها ونقاشها أمام الرأي العام بصراحة تامة، ليس لإقناع المتلقين، بل لعقلنة النقاش وتحديد مساراته.

والحق أن مسألة الولاء للوطن ومبدأ المواطنة كأساس قانوني للعلاقة بين أهل البلد، هي أكثر المسائل أهمية في حياة المجتمعات. وهي أجلى ما تكون في علاقة الأقليات مع الدولة من جهة ومع الأكثرية من جهة أخرى. وقد خصصت جانبا من كتابي «حدود الديمقراطية الدينية» لاستعراض مشكلة الأقليات في إيران واعتبرت علاجها معيارًا لنجاح أو فشل الرؤية الدينية للدولة الحديثة. كما خصصت جانبًا مهمًا من كتابي الآخر «أن تكون شيعيًا في السعودية» لدراسة العوامل الثقافية والمجتمعية التي تسهم في تسييس المسألة.

يطالب الزميل الموسى علماء الشيعة السعوديين ببيان موقف واضح من المسافة بين الولاء للوطن والعلاقة بالمرجع الديني. وهو يعتقد أن على الشيعة أن يطمئنوا مواطنيهم، كي يحصلوا على ما يرونه حقًا لهم؛ لأن قلق الأكثرية كان - حسب رأيه - سببا في حجب حقوق الأقلية.

كنت قد شرحت هذه العلاقة في مقالات ومقابلات كثيرة. لكن الزميل الموسى يريد كلامًا من رجل مثل الشيخ حسن الصفار. ويؤسفني إخباره أن الشيخ قد تحدث للتلفزيون السعودي حول هذا الموضوع بالتحديد في مقابلة مفصلة، أيام وزارة طيب الذكر إياد مدني. لكن تلك المقابلة لم تُذع. ويبدو أن ما هو متاح لمثلي ليس متاحًا لمثله. لكني أعرف تمامًا تمييزه الواضح بين العلاقة الدينية والانتماء للوطن، وما يترتب على هذا وذاك. وهو - في هذا الجانب تحديدًا - يتجاوز كل الخطوط التي نظنها تعيق رجل دين فيما يخص مفهوم الوطن ومبدأ المواطنة والانتماء والولاء.

على أي حال فإني أتفهم جدًا قلق الزميل الموسى، لأني قلق مثله تمامًا. نحن زملاء في القلم والقلق معًا. لست قلقًا لانتمائي إلى ما يعتبر أقلية، مثل قلقه لانتمائه إلى ما يعتبر أكثرية. أنا قلق لأن قرنًا مضى على توحيد المملكة وما زلنا نفكر في وطننا بمنطق الأقلية والأكثرية، لا بمنطق المواطنين الشركاء في العلة والعافية، قلق لأن رجلا مثل الدكتور الموسى لا يرى في تعبير عامة الناس عن مشاعرهم محققًا للاطمئنان، وأن هذا الاطمئنان لا يحققه إلا إعلان زعيم ديني عن رأيه. أنا قلق لأني أعلم أن هذا القلق لم يتحرك لأن مشكلة ما انفجرت في داخل البلد، بل لأن بلادًا أخرى حولنا تشهد صراعات طائفية. يذكرني هذا بقول قديم أطلقه القوميون العرب في السخرية من رفاقهم الشيوعيين «إذا أمطرت السماء في موسكو فتح الرفاق مظلاتهم في بغداد». إني أتساءل دائمًا: هل كتب على الشعب السعودي أن يتصارع فيما بينه كلما ثار صراع سياسي في بلد آخر؟ هل نحن مسؤولون عن شعوب العالم وهل نحن مكلفون بإصلاح العالم؟ أليس لدينا من المشاكل ما يكفينا ويشغلنا عن هموم الآخرين؟

حسنًا. أنا - مثل الزميل الموسى - أدعو الشيخ الصفار وبقية علماء الشيعة إلى توضيح موقفهم من التأثير المحتمل لارتباطهم بفقيه خارج البلد، على انتمائهم لوطنهم وولائهم له. لكن ماذا بعد التوضيح.. هل سيكون كافيًا لزرع الاطمئنان، أم يحتاج الأمر إلى تجديد سنوي أو شهري مثل بطاقة الإقامة مثلاً أو تأمين السيارة أو بطاقة شحن التليفون؟

أقول هذا لأن الشيخ الصفار وعلماء آخرين تحدثوا في هذا مرارًا، وقالوا ما يريده الزميل الموسى بالتحديد. لكن لعله لم يطلع على تلك الأحاديث أو ربما نسيها، أو لعله يعتقد أن بطاقة الشحن تحتاج إلى تجديد. أقول هذا أيضًا لأن أشخاصًا آخرين يطالبون بإقرارات أخرى كلما حدث حادث داخل البلد أو خارجه. بل إن بعضهم يقول بما يشبه الصراحة: كرر أقوالنا وإلا فأنت ضدنا. ولا أعتقد أن الزميل الموسى يفكر على هذا النحو. لكن السؤال يبقى مشرعًا: ماذا بعد إعلان الموقف المطلوب.. هل سننتهي من تكرار المطالبة بإعادة الشحن، أم نحدد موعدًا للتجديد، كل شهر مثلاً أو في بداية العام الهجري؟

&

&

&